عباقرة كرة القدم.. تيري هنري أحدهم بالتأكيد!

تقرير – أحمد مختار

كنت واحد من هؤلاء الذين تأثروا بالظاهرة رونالدو في صغري، لا زلت أتذكر جيداً حديث العائلة عنه أيام برشلونة، كان لاعبا فذا من الوهلة الأولى، سرعة وقوة وحسم ومهارة وشخصية، فورمة أبهرتني حينها وجعلتني أتعلق به وأعلنه أسطورتي الأولى، مودعاً روماريو الذي احتل مكانة شبيهة، لكن أقل بعض الشيء في فترة سابقة.

حتى بعد ذهابه إلى إنتر وتألقه مع البرازيل قبل مونديال 98، كان رونالدو أشبه بالرصاصة، كأنه إنسان آلي قادم من كوكب آخر إلى الأرض. باختصار شديد ليس طبيعيا مثلنا، أو يشبه أي لاعب تعلقنا به من قبل، لذلك كانت هناك مسافة ما بيني وبينه، وكان هذا سببا رئيسيا في الالتفات حول تيري هنري، وكأنه عاشور الناجي بالنسبة لكرة القدم، لاعب تشعر وكأنه يشبهنا، طبيعي، بدأ مسيرته بصعود ثم هبوط فانكسار، شكوك مستمرة وأخيراً إلجام من الألف إلى الياء.

فرنسي ضعيف البنية مقارنة بطوله، فشل في إيطاليا مع كبيرها المحلي، وجاء إلى آرسنال محاطا بالشكوك والاتهامات، ليكتب تاريخا حصريا مسجلا باسمه، ويصبح أحد أعظم المهاجمين في العشرينية الأخيرة، بل في القرن الحادي والعشرين حتى الآن، دون أدنى مبالغة.

عن تيتي، تيري هنري، سنتحدث!

تيري هنري
تيري هنري

تيري قاده حظه إلى ملازمة عظماء الكرة الفرنسية في جيل 98، حينما لعب مع فريق الشبان والتقطته أعين المدرب إيمي جاكيه لينال شرف التواجد في المونديال العالمي، ويحتفل بمفرده مع كل هدف عند الراية الركنية، يترك هنري ديشامب وزيدان وتورام، ويجري بكل قوة إلى أقصى المستطيل ليطبع بصمته الخاصة وسط عمالقة لا تقبل حلول الوسط.

سافر إلى إيطاليا، جنة كرة القدم وأقوى أراضيها في حقبة التسعينات لكن توظيف أنشيلوتي له كجناح صريح قضى على كل فرص النجاح، ليستمر نجم كارلو حتى اليوم على ترك هنري يرحل، لكن الوداع كان أجمل للغزال لأنه وجد نفسه بشكل حقيقي مع كتيبة المدفعجية، الثورة هي لندن وملعب هايبري.

تيري هنري
تيري هنري

هنري، المهاجم الهداف القوي الذي صنع تكتيك جديد لهذا المركز في الألفية الجديدة، لأنه جمع بين الجناح ومركز اللعب في آن واحد، وترك العمق للمدافعين ومال دائماً للجهة اليسرى كي يفاجيء الخصوم وينطلق كالغزال من الخط إلى الشباك دون مقاومة.

هنري كان حقا صيحة جديدة في عالم المهاجمين، خفيف وسريع، لا يمكن أن تصفه بالتسعة الصريح، وفي نفس الوقت هو أبعد ما يكون عن نسخة الجناح الطرفي في ذلك الوقت، مما حوله إلى “ميكس” مختلف، جزء جناح وجزء مهاجم، وجزء صانع لعب،

والأهم من ذلك قدرته على صناعة الفرصة لنفسه وتسجيلها، لذلك ليس غريبا أبدا وصفه بالمهاجم، بل اللاعب المتكامل.

تيري هنري

“أنام كرة قدم، أشرب كرة قدم، أتناول كرة قدم، أتنفس كرة قدم، وأنا لست مجنون بل عاطفي ومريض باللعبة”، يحمل العجيب الرهيب على عاتقه مشاعر وأحاسيس المجاذيب بالساحرة المستديرة، لأنه بالنسبة للمشجعين ليس مجرد لاعب كبير أو نجم مميز، بل صديق للأنصار وتميمة العشاق الذين يجدون في الكرة موطن خاص بالفرحة بعيداً عن الأحزان في أعمق نظريات البهجمة.

في 4-4-2 مع آرسنال، صنع ثنائية لا تنسى مع بيرجكامب، الهولندي أشبه بالشادو سترايكر أو التسعة ونصف، بينما هنري هو التارجت مان الذي يسجل ويتحرك ويفعل كل شيء بالثلث الهجومي الأخير.

ومع فرنسا في يورو 2000، تحول إلى مركز الجناح المقلوب، خلال رسم 4-2-3-1، سواء بتواجد دوجاري أو تريزيجيه بالمركز 9، ووجود زيزو بالمركز 10، وعلى طرفيه كل من جوركاييف وهنري، الأول أقرب إلى الجناح المائل للعمق للصناعة والحيازة وإعطاء الوسط كثافة مطلوبة، بينما تيتي “إنسايد” حقيقي في هذه الخطة، لقطعه المستمر من الطرف إلى العمق.

تيري هنري
تيري هنري

حتى بعد كبر سنه وقلة سرعته مقارنة بالشباب، ومشاكل الظهر التي عانى منها مرارا وتكرارا، عرف هنري كيف يتلون ويقاوم الزمن بذكاء، ليتحول إلى دور المهاجم الصريح في رسم 4-2-3-1، خاصة عندما يلعب خلفه زيدان في المنتخب، مع جناحين بسرعة وشباب مالودا وريبيري في 2006 وما بعدها،

ثم انتقاله إلى برشلونة لتحقيق حلمه الأوروبي بالحصول على ذات الأذنين، ليكون أحد العناصر المساعدة في الخطة، لا سوبر ستار ولا نجم رئيسي، ولا حتى قائد الفريق، جناح حقيقي يفتح الملعب على الخط، ويتحرك عرضياً مع قطعه إلى الداخل، كل هذا لماذا؟

حتى يحصل إيتو ثم ليونيل ميسي على المساحة المطلوبة للاستلام في العمق، وخلفهما الثنائي العبقري تشافي وإنييستا، في موسم 2009 الاستثنائي. كان يمكن لهنري أن يعترض ويقول أنا نجم كبير، ولا يصح أن أعمل لأجل ميسي أو غيره، يجب أن أحصل على “اللقطة” لكنه فهم جيدا أبجديات التمركز وتشرب اللعب التموضعي بذكاء، ليحقق المجد ويفوز بالبطولة التي جاء خصيصا من أجلها.

في صحة تيري هنري، أحد صنايعة الكرة العظام قولا وفعلا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى