نهائي سيئ السمعة ..!

كتب: محمد العولقي

ليس فيلما جميلا أو مشوقا، ولا يمت بصلة للإثارة و المتعة ، فهو فيلم بطيء ومشاهدته مجددا تبعث على الألم والحسرة لكل من يسكن الأرض الكروية التي قال عنها جاليو جاليللي إنها تدور..

أتحدث طبعا عن فيلم مارادونا و كوديسال ، أرجنتتيني و مكسيكي ، تعود جذوره إلى نهائي مونديال إيطاليا عام 1990 ..

ربما كان فيلم المباراة النهائية لكأس العالم بين ألمانيا الغربية و الأرجنتين في روما قبل ثلاثين عاما، هو أسوأ فيلم كروي شاهده العالم، ولم يرغب في تكرار المشاهدة لما ينطوي على الفيلم من مشاهد كروية هابطة اختلط فيها الصالح بالطالح، و الحابل بالنابل ..

هذه المباراة النهائية التي انتهت ألمانية بفضل ركلة جزاء مثيرة للجدل قبل خمس دقائق على نهاية المباراة، بقيت دائما خارج الذاكرة باعتبارها مباراة سيئة السمعة كما وكيفا ..

لكن.. وبعد ثلاثين عاما على تلك المباراة الكئيبة في كل شيء، والتي يسقطها عشاق الكرة من الذاكرة، جاء من ينفخ في رمادها مجددا بحثا عن مخلفات جمرها ..

هذا ما فعله أدغاردو كوديسال ، الحكم المكسيكي الذي أدار تلك المباراة وسط أجواء عدائية و مشحونة ضد دييغو مارادونا بالذات ..

بدت تلك المباراة و كأنها مواجهة بين مارادونا من جهة و الحكم المكسيكي كوديسال من جهة أخرى، فمن وجهة نظر مارادونا كان كوديسال يؤدي مشهدا مأساويا فاقعا حسب مؤامرة نسج خيوطها الاتحاد الدولي بالتعاون مع مافيا المراهنات ..

كوديسال أخيرا كسر حاجز الصمت، فقال رأيه في تصرفات مارادونا في ذلك النهائي بعد ثلاثين عاما بالوفاء و التمام ..

“مارادونا لاعب موهوب جدا، لكنه كإنسان فهو حقير، كان يتوجب علي طرده مبكرا في تلك المباراة، لما بدر منه من تصرفات لا تليق بقائد”

وحتى إذا كان كوديسال قد صمت دهرا على تلك المباراة فبدأ كمن ينطق عن الهوى، يبقى كلام الرجل دليل إدانة على أن تلك المباراة لم تكن نظيفة، وهي بالفعل لم تكن نظيفة وقتها بحكم العلاقة المتوترة بين مارادونا ورئيس الاتحاد الدولي وقتها البرازيلي جواو هافيلانج..

من حق كوديسال أن يقول ما يشاء في مارادونا اللاعب و الإنسان، هذا شأن خاص لا اعتراض عليه، لكن كيف له أن يفسر كلامه الذي يندرج على خطيئة كبرى من وجهة نظري..

فمادام مارادونا تجاوز كل الخطوط الحمراء في ذلك النهائي، فلماذا لم يطرده كوديسال بحجة سوء سلوك، وقد كان وقتها يمتلك السلطة كلها..؟

لقد أقدم كوديسال في تلك المباراة على اتخاذ قرارات حمقاء، من بينها طرد لاعبي الأرجنتين مونزون و ديزوتي في الشوط الثاني لأسباب تافهة لا ترتقي إلى سلوك مارادونا المشين ، فكيف يكون مارادونا حقيرا وهو لم ينل البطاقة الحمراء ..؟

أتذكر تلك المباراة النهائية سيئة السمعة جيدا ، فمنتخب ألمانيا الغربية بقيادة قائده لوثر ماتيوس كان متألقا في البطولة وجديرا باللقب ..

أما منتخب الأرجنتين فقد كان حسنته الوحيدة دييغو مارادونا، الذي كان عليه تحريك فريقا من الدمى رغم تلك المساعدات المتفاوتة التي كان يطل منها كلاوديو كانيجيا ..

خاض منتخب الأرجنتين المباراة النهائية منقوصا من أربعة لاعبين أساسيين، هم : كانيجيا و باتيستا و جيوستي وأولارتيكوتشيا، ثم أصيب لاعب الوسط خورخي بوروتشاغا في المباراة النهائية فبقي مارادونا في الملعب مثل السيف فردا..

لم يكن مارادونا بنفس فعالية مونديال المكسيك، لكنه رغم الإصابة أثبت أن بوسعه تقديم الكثير من القرارات الحاسمة حتى لو كان يلعب بعكازين..

كان مارادونا يشعر تماما أن منتخب بلاده لن يقوى هذه المرة على مجابهة الألمان، فكل شيء كان ضده من صحافة وجمهور وحكام وبالطبع الاتحاد الدولي لكرة القدم..

بدأت الدموع تتجمع في عيني مارادونا منذ أن بدأ عزف النشيد الوطني الأرجنتيني في ملعب روما الأولمبي، حيث أطلق الجمهور الألماني والإيطالي صرخات وصفارات الاستهجان ، وعندما كانت الكاميرا مركزة على مارادونا أطلق شتيمة من العيار الثقيل: إنهم أولاد الغانيات..

وبدأ عرض فيلم المباراة النهائية بمشهد هابط، فكلما لمس مارادونا الكرة ينطلق صفير استهجان من شفاه 55 ألف متفرج..

كانت ألمانيا تهيمن على اللعب و تسيطرر سيطرة مشوبة بالحذر المبالغ فيه، فلم تخلق الكثير من الفرص، فيما ركن الأرجنتينيون للدفاع القاتم في انتظار ومضة عبقرية من مارادونا الذي تفرغ هو الآخر للاحتجاج عمال على بطال على كل قرار يتخذه الحكم كوديسال..

وكوديسال هذا أراق دم العدالة عندما منح الألمان ركلة جزاء خيالية قبل نهاية المباراة بخمس دقائق فحسب، لأن تدخل المدافع سينسيني كان على الكرة، وليس على قدم المهاجم رودي فوللر ..

وبعد عاصفة من الاحتجاجات المارادونية تمكن أندرياس بريمه من تسجيل الهدف المطلوب، ولكن بعد أن أوقف قلوب الألمان الذين تصوروا لوهلة أن حارس الأرجنتين المعجزة غويكيوتشيا قد لحق بالكرة إلى أقصى اليمين..

كان كوديسال نفسه محل شك و ارتياب، فهذا الحكم الذي انتخبته الفيفا لإخراج فيلم المباراة النهائية الرتيب و الممل، هو نفسه الذي أخرج منتخب الكاميرون من الدور ربع النهائي مع سبق الإصرار والترصد عندما احتسب ركلتي جزاء لمنتخب انجلترا حولتا خسارته إلى فوز مشبوه..

لازالت كلمات مارادونا ترن في رأسي بعد كل هذه العقود والسنين الطويلة ، كان يذرف الدموع بألم وهو يقول:

“لم نكن أفضل من ألمانيا، لكننا لم نستحق الخسارة بهذه الطريقة، لقد خسرنا بسبب اليد السوداء للحكم المكسيكي كوديسال الذي كان صوت سيده فعلا، وخسرنا لأن كل شيء كان مدبرا “.

بهذا التصريح الخطير أسدل الستار على مسرحية مونديال أحكمت فيه المافيا قبضتها على نتائج المباريات، من خلال حكام ارتكبوا الكثير من المجازر و المهازل ثم راحوا يسوحون مع عائلاتهم في أرقى جزر العالم بعد أن قبضوا الثمن طبعا..

لم أكن أنوي فتح ملف ذلك النهائي الهابط خلقا وسلوكا لولا أن كلام كوديسال عن تلك المباراة استفزني ودفعني إلى عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي يترتب عليها العودة إلى تلك المباراة الهراء، والتي لم يتبق منها سوى تلك المناوشات غير البريئة بين مارادونا و كوديسال ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى