سعيد الشنفري.. فاصل من الغناء!

كتب- محمد العولقي

أحدثكم في هذه المساحة عن صاحبي الشنفري، وهو ليس الشنفري الشاعر الصعلوك الذي قتل مائة رجل من بني سلامان انتقاما لوالده، والحاصل على جميع ميداليات العدو في أولمبياد العصر الجاهلي.. لا أجد فيها مبالغة زمالة، وبلا مواربة، سأقول وأجري وأجركم على الله: دائما أحتفظ للمذيع التلفزيوني العماني سعيد الشنفري بالكثير من الود المثخن بالتقدير الوفير والاحترام المثير..

ليس لأن سعيدا جاء للإعلام الرياضي المرئي بما لم تأت به الأوائل، في زمن كان الحديث فيه عن القرية الإلكترونية مجرد حديث عابر لا يختلف كثيرا عن تعاطينا مع الحرب الباردة التي انتهت بزحلقة الكتلة الشرقية على صلعة جورباتشوف إيذانا بدفن الاشتراكية في ميدان سيسكا موسكو.. ولكن لأن سعيد الشنفري من ذلك الطراز الموهوب بالفطرة، فهو علاوة على أنه يمتلك وجها وديعا هادئا تقرأ فيه تجليات البراءة، إلا أنه من النوع الجريء المجازف الذي يستعد لأن يتسلق جبال الهملايا دون رجال يساندون الموقف..

عرفت سعيد الشنفري ورقيا عندما كنت كاتبا ومحللا رياضيا في مجلة الصقر القطرية بداية العقد الأول للألفية الجديدة، كان متابعا حصيفا لا يترك جديبة إلا وأحصاها ولا نقيصة إلا وعراها ولا قضية إلا وحللها بدقة من يدخل الخيط في سم الإبرة.. والمغطى الذي بات مكشوفا، أن سعيد الشنفري كان شديد الثقة بنفسه، محاورا بارعا ومناورا ذكيا، يعرف كيف يرفع إيقاع الحوار إلى درجة السخونة والغليان، وبالبراعة نفسها يعرف كيف يبطئ عملية التفاعل ويخفض الإيقاع احتراما للأذن التي تعشق قبل العين أحيانا.. وما ميز سعيد الذي قضى أكثر من 18 عاما في التلفزيون العماني، قبل خوض تجربة الاحترافية ذات وجوه كثيرة في قناة الكأس القطرية، أن أهدافه وطموحاته لا سقف لها، يطلق ساقيه للريح ركضا وراء أحلام جامحة وأمان بعيدة، قد تبدو لغيره عسيرة وصعبة المنال، لكنها بالنسبة لسعيد تحد جديد واستفزاز لكل ملكاته الإعلامية المدهشة التي لم تغب يوما ما عن بالي..

أتذكر أن سعيد الشنفري كان يعرف كيف يخرج من مطبات الهواء بمهارة كما تخرج الشعرة من العجينة، ولأنه ذو حدس فريد من نوعه فقد قرأ نوايا رؤسائه في تلفزيون السلطنة عام 2008، فقدم استقالته مستبقا بحدسه الرفيع قرار إدارة التلفزيون العماني بإنهاء خدماته بطريقة يؤسف لها على أية حال.. ولأن سعيد مثل النسر يحلق دائما عاليا في سماء الإبداع، ولأنه لا يرضى بالسفوح والأخاديد، فقد طار إلى قناة الكأس بكل خبرته باذخة الثراء.. وقد يسأل الأعزاء في (توووفه) عن السر الذي دفعني لاستذكار إعلامي توارى عن المشهد الإعلامي مجبرا لا بطل، في حادثة قيدت ضد التقاعد..؟

سأجيب: السبب معنوي بحت، في هذه الأيام الصعبة علينا، يتعرض العبد لله لضغوطات لا حصر لها، تدعوني لأن أترأس ناديا في الدرجة الثانية، ولقد حاولت مرارا وتكرارا الهروب من هذا الفخ المحكم، إلا أن الضغوط تتضاعف يوما بعد آخر، وطبعا الزن على الودان أمر من السحر، كما يقول أخوتنا المصريون خفيفو الظل.. فجأة قفزت إلى رأسي الصغير صورة العزيز القدير سعيد الشنفري، صديق الورق في أيام سادت ثم بادت، فقد سألت عنه ذات سنة كبيسة الزميل خميس البلوشي المذيع المتألق خلقا وسلوكا، كانت المفاجأة أنني عرفت أن سعيد الشنفري يخوض تجربة لا تخلو من مخاطر، فهو يترأس ناديا، لكن أخباره مع الإدارة لم تصلني، ولست أدري هل نجح سعيد في مهمته الانتحارية أم لا ..؟، وهل اكتشف مغارة علي بابا لرفد خزينة النادي بالمال غير السائب، مع العلم أن سعيدا لا يمكن أن يكون ابراموفيتش مالك نادي تشيلسي، ولا ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جرمان ..؟ فسعيد كما أعرف يعيش على الستر، ولم يكسب من مهنة المتاعب سوى السمعة الطيبة واليد النظيفة، وهي أمور في دنيا الإدارة والمال لا تؤكل عيشا، ولا تنقذ ناديا من فقره، مهما تحدثنا عن العقلية الإدارية الفذة، فما في الرأس ينتقل إلى الكراس، لكن كيف السبيل إلى تنفيذه عمليا دون مال، في ظل دعم حكومي بسيط يعمي الطموحات بحجة تكحيلها..؟

وكما أن الحبايب اثنين اثنين كما تقول الفنانة فيروز، فقد بحثت طويلا عن جوال سعيد رئيس النادي وليس سعيد الإعلامي، لأسأله :يا عم سعيد.. دبرني بالله عليك.. هل يمكن أن تدلني على مفتاح خريطة تؤدي إلى جزء من كنوز علي بابا ..؟، كيف لرجل فقير مثلي أن يترأس ناديا فقيرا ينافس لبلوغ الدرجة الأولى، وهي درجة في اليمن توازي دوري المحترفين عندكم ..؟هل يكفي يا سعيد أن أفطر اللاعبين على وعد كالعسل، وأعشيهم بآخر في مرارة الحنظل ..؟، من فضلك يا سعيد أفتني في أمري أمام الملأ، أقبل رئاسة النادي وأحرق ما تبقى من أعصابي، أم آخذ ذيلي في أسناني وأهرب من شر رئاسة النادي مع فاصل من الغناء ..؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى