الصاعقة لا تضرب ريال مدريد مرتين!

تقرير – محمد العولقي

الفارق بين ريال مدريد وبرشلونة أصبح كبيرا وشاسعا، وقد يزداد اتساعا في المستقبل القريب، والفارق الذي أحدثكم عنه ليس فارق النقاط في لاليجا، ولا في فارق البطولات المحلية والقارية و العالمية، أحدثكم هنا عن الفارق الكبير في إدارة وصناعة الأزمات ..

عندما ترك ريال مدريد هدافه التاريخي و ملهم بطولاته الأخيرة البرتغالي كريستيانو رونالدو يذهب إلى يوفنتوس الإيطالي دون مد أو جزر، كان في الواقع يطوي صفحة حاضر مشرق مع تحديد خيارات البناء لمرحلة ما بعد رونالدو ..
استراتيجية ريال مدريد واضحة، وهو يستفيد من دروس سابقة حنطت الفريق و أبعدته عن البطولات الأوربية بالذات لفترات طويلة جدا ليست معتادة في تاريخ الريال ..

أتحدث هنا عن الوعي الإداري، وعن كيفية تطويق الأزمات، ثم مواجهتها برابطة جأش مهما كان الثمن دون ترحيلها أو الهروب من مواجهة طوفانها كما يفعل الآن برشلونة مع ليونيل ميسي ، و فلورنتينو بيريز رئيس النادي الملكي كان يعي تماما درس ألفريد ديستيفانو و فرنيك بوشكاش مع نهاية الستينيات ، ففي ذلك الوقت وقع مسيرو ريال مدريد تحت تأثير عبقرية ديستيفانو و بوشكاش ، كان التصور وقتها أن الريال هو ديستيفانو و بوشكاش ، وأن الاثنين فوق مستوى العمر ، وفوق مستوى اللاعبين الشباب، وفوق مستوى كل المنافسين ..

وعندما دخل ريال مدريد في نفق النتائج المعاكسة محليا، ثم خسر نهائيي الأندية الأوروبية الأبطال أمام ميلان الإيطالي و أجاكس أمستردام الهولندي أدرك المسيرون أن للسن حدود، و أن الريال أخطأ كثيرا عندما انحنى أمام العاصفة متصورا أن نجميه الكبيرين خارقين، رغم أنهما دخلا سن الكهولة الكروية، فديستيفانو وقتها كان في السابعة و الثلاثين و بوشكاش في الخامسة و الثلاثين ..

احتاج ريال مدريد إلى سنوات طويلة جدا لبناء فريق يتخلص من سطوة ديستيفانو و بوشكاش و تأثيرهما المزدوج فنيا و إداريا ، وكان البناء لا يحتاج فقط إلى الصبر، و إنما يحتاج إلى عقلية إدارية فذة تحسن إدارة الأزمات و تجنب مشانق و زلزلة المرحلة الانتقالية البيضاء ، إدارة تحسن التدابير الآنية و المستقبلية ، باختصار بنى ريال مدريد استراتيجية تؤسس للقادم وفقا ودستور لا يعتمد على عظمة لاعب أو تأثير مهاجم أو سحر صانع ألعاب ..

وعندما أحرز ريال مدريد لقبه السابع على مستوى بطولة الأندية الأوروبية الأبطال على حساب يوفنتوس الإيطالي عام 1998 ، كان في الواقع قد تخلص نهائيا من سحر و تأثير اللاعبين المغناطيسيين ديستيفانو و بوشكاش، وهذا الإنجاز المتأخر بعض الشيء رسخ مفهوم تنظيف البيت الأبيض من النجومية المطلقة بعد سن الثلاثين تحديدا ..

وعندما قرر ريال مدريد إدارة ظهره لنجمه الكبير رونالدو وقد كان على حافة الثالثة والثلاثين، كان في الواقع ينتهج سياسة التخلص من تركة النجم الأوحد الذي تعود أن يدير العرض حتى لا تتكرر قصة ديستيفانو و بوشكاش ، وعندما لم يبال ريال مدريد بتجديد عقد رونالدو على حسب رغبة مدربه زين الدين زيدان، كان يتلافى الأخطاء الفادحة التي سيترتب عليها رهانه على المستقبل، في حال أن ارتهن لسياسة النجم الأوحد في الفريق ..

ورغم قيمة رونالدو كهداف صاحب حدس رفيع لا يباريه أو يجاريه لاعب آخر على مستوى الإنهاء المدهش للهجمات، إلا أن إدارة ريال مدريد أرتأت ألا تكرر تجربة ديستيفانو و بوشكاش وتضرب المكان نفسه مرتين ..
قد تبدو نكهة ريال مدريد مختلفة في مرحلة ما بعد الملهم رونالدو ، وقد يبدو الفريق الملكي يفتقد لبعض بهارات هدافه التاريخي الخطير، إلا أن الريال أصبح يدير المرحلة الحالية بوعي مغلف بانضباط جماعي صنع الفارق في النهاية على حساب برشلونة الذي لازال أسير النجم الأوحد ..

فلورنتينو بيريز

كانت وصية رئيس نادي ريال مدريد الراحل سانتياغو برنابيو هي من حددت بوصلة الإبحار مع كل المتغيرات: “ريال مدريد مؤسسة عملية تدور بآلية جماعية، لا يمكن أن تدور في مدار لاعب حتى لو كان هذا اللاعب هو النابغة ألفريد ديستيفانو”..

احتاج الريال إلى وقت طويل كي يتخلص من إرث و تركة ديستيفانو الذي كان يدير العرض داخل الملعب و داخل غرفة الملابس، لكن بيريز عندما انتهج سياسة (الجلاكتيكوس) في ولايته الأولى، لم يكن هدفه تجاريا بحتا ، بقدر حرصه على تعدد أدوار من يديرون العرض داخل الملعب، وهو ما أفسد العرض أولا، وزج بغرفة الملابس في أتون فوضى عارمة خطيرة ثانيا ، ومع أن المعني بالأمر كان الفرنسي زين الدين زيدان، إلا أن تأثير لاعبين مثل لويس فيجو و روبرتو كارلوس و فرناندو هيرو وراؤول غونزاليس و البرازيلي الظاهرة رونالدو و ديفيد بيكهام كان واضحا من الناحية النظرية على أقل تقدير ..

لقد شعر مسيرو ريال مدريد ممن يقرأون البخت بحذق وعناية أن مشروع (الجلاكتيكوس) كان مشروعا استثماريا ضخما ضخ في مواسير الخزينة المالية أموالا طائلة ، إلا أن النتائج الميدانية جاءت مخيبة لآمال هذا المشروع و مزعجة و منفرة لجماهير الميرنجي، لهذا السبب أرغم كالديرون خليفة بيريز على تفكيك و بعثرة مجرة النجوم على نحو أتاح للريال فرصة تدبير وسيلة تبرر غاية الهدف بعيدا عن القاعدة التجارية الشهيرة العرض والطلب ..

عاد فلورنتينو بيريز مجددا بعد انقلاب أبيض على كالديرون ، لكنه عاد بعد أن أيقن أن الصاعقة لا تضرب المكان مرتين، وأن ريال مدريد فوق مستوى أي نجم مهما كانت عبقريته و قريحته الكروية ، ووفقا و رؤية جديدة فيها الكثير من الثوابت البشرية من منظور إداري لا يرهن مستقبل الفريق لأوركسترا الرجل الأوحد، أو لمجرة نجوم تتضارب فيها الأبراج و تتقاطع على نحو مثير للقلق ..

فوز ريال مدريد ببطولة لاليجا الإسبانية بدون رونالدو و بجيل من لاعبين ليس من بينهم نجم سوبر أو قائد يدير العرض بمفهوم النظام السابق ، يعني أن الريال حقق هدفه الأهم هذا الموسم وهو تجريد برشلونة من اللقب و تصدير أزمة جديدة لمعقل الفريق الكتالوني، ويعني أيضا أن ريال مدريد يسير على نهج مختلف عن غريمه برشلونة ، ومع برشلونة لنا وقفة تحليلية قد تزعج عشاق البلوجرانا كثيرا .. كثيرا جدا ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى