مانشستر سيتي وريال مدريد.. واقعية جوارديولا تنتصر على سذاجة زيدان

تحليل- محمد العولقي

كان خروج ريال مدريد الإسباني من الدور ثمن النهائي لدوري أبطال أوروبا متوقعا إلى حد بعيد، لكن غير المتوقع ظهور ريال مدريد بكل هذه القتامة التكتيكية والفنية والنفسية..

هل كان المدافع رافائيل فاران القشة التي قصمت ظهر بعير الفريق الملكي أمام مانشستر سيتي ..؟، هل يتحمل المدرب زين الدين زيدان وزر تشكيلته السطحية التي خلت من حاجة اسمها الوعي التكتيكي ..؟

بدون أدنى مبالغة لعب المدافع الدولي الفرنسي رافائيل فاران دور المخرب الذي هدم المعبد فوق رأس فريقه، وبدون شك لعبت رتابة وسذاجة زين الدين زيدان دورا محوريا في تآكل الفريق من كافة النواحي الفنية والتكتيكية والنفسية ..

عندما قلت لحضراتكم إن مباراة الإياب على ملعب الاتحاد ستتحكم فيها الجزئيات الصغيرة الناتجة عن قلة تركيز بعض اللاعبين، لم أكن وقتها أقرأ طالع قارئة فنجان زيدان، وعندما قلت إن على زيدان رفع درجة التركيز إلى 300 في المائة أمام خصم يتمتع بحصانة فنية عالية الجودة، كنت متأكدا بحكم حدسي في قراءة شاكلات اللعب أن نوعية لاعبي ريال مدريد لا تقوى على اللعب تحت ضغط عال جدا فرضه الداهية بيب جوارديولا دون اكتراث من زيدان ..

وللأمانة كان التخوف الكلي أن تظهر بوادر الجزئيات الصغيرة من البرازيلي المخضوض بمناسبة وبدون مناسبة ميليتاو، لكن المفاجأة التي لم يكن أكثر المدريديين تشاؤما يتوقعونها تمثلت في قلب الدفاع المتمرس على هكذا مباريات صعبة فاران، فهو من أهدى تلك الجزئيات القاتلة لفريق مانشستر سيتي بسذاجة لا يحسد عليها بالطبع..

سذاجة زيدان وكارثية فاران

زين الدين زيدان، مدرب ريال مدريد الإسباني

عشرة أيام كاملة كان زيدان يعد خلالها مقادير طبخته التكتيكية والفنية، وبعد التتويج بلقب لاليجا ظن الجميع أن زيدان يمسك بكل فيروز الشاكلة المثالية القادرة على تجاوز مطب مباراة الذهاب، والعودة من ملعب الاتحاد ببطاقة التأهل ..

بدا واضحا أن زيدان لم يكترث بتطويق شاكلة لعب فيها من التوازن ما يحول بينها وبين ظهور تلك الجزئيات الصغيرة بكل هذا الكرم الحاتمي الذي مارسه فاران، كان زيدان طوال تلك الأيام يضغط على الحالة المعنوية للاعبين، ويضع إرثه السابق في دوري الأبطال كتميمة حظ يمكن أن تقصي السيتي دون غطاء تكتيكي واضح يحرم السيتي من سبقه المعنوي السابق في مدريد..

ظل جوارديولا طوال تلك الأيام قلقا من أفكار زيدان ومن الطريقة التي سيلعب بها، وما أن تمخضت المباراة حتى اكتشف جوارديولا مدى ضحالة فكر زيدان، ومدى عشقه لحرس قديم منسوبه البدني ينخفض حتى الضآلة..

كانت المباراة بالفعل مباراة تركيز بالدرجة الأولى، منسوبها البدني يحدد هوية المتأهل في معركة تكتيكية كبيرة من هذا الحجم.. بدأت أخطاء زيدان منذ البداية، شاكلة بلا هوية، وبلا نفس تكتيكي وبلا وعي فني..

وإذا كان زيدان قد اعتنق شاكلة 4/3/3 متوقعا أنها شاكلة هجومية كما يتطلب الموقف الصعب، إلا أن الأسلحة التي اعتمد عليها زيزو لتنفيذ شقها التكتيكي أصابها الصدأ، والمصيبة أن أول من انهار ذهنيا كان فاران وليس ميليتاو..

فقد زيدان السيطرة على فريقه، وحتى عندما حاول إصلاح ما أفسدته خياراته تأخر كثيرا في معالجة الأخطاء، فجاءت تبديلاته لاستنزاف الوقت، وهي نظرية غريبة من مدرب كان يعلم منذ البداية أن السلاح الوحيد لقتل السيتي السرعة والوقت..

وعندما عاند زيدان بانيا كل تصوراته الفنية تحديدا على البلجيكي آيدن هازارد الميت، كان في الواقع يقتل الإيقاع، إيقاع سرعة الامتداد والارتداد، وكان الأحرى به الدفع بالسريع فينيسيوس جونيور على الأقل مع بداية الشوط الثاني لمنح الشاكلة السرعة المطلوبة على الرواق الأيسر واستغلال بطء قلبي دفاع السيتي لابورت وفرناندينو..

فشل زيدان في قراءة فريق مانشستر سيتي تماما، ولو فعل ذلك لأدرك أن المباراة معركة تكتيكية يحسمها خط الوسط، فزيدان يرى في البرازيلي كاسميرو بيضة القبان لا يصلح لكل التموضعات، فكيف سيكون حاله عندما تحين حفلة ملعب الاتحاد ويكون بكل هذا السوء الذهني الذي شاهدناه..

عانى لاعبو ريال مدريد من إعياء ذهني غير مفهوم، وعندما يقل تركيز اللاعبين بعد تسع دقائق فقط فهذا يعني أن إعدادهم نفسيا كان مبالغا فيه، فعندما تزيد محاضرات الشحن النفسي عن حدها تنقلب إلى الضد..

لم يمنحنا زيدان فرصة لقراءة طريقة لعبه أمام السيتي، لأنه لم يلعب بأية شاكلة واضحة، فقط مجرد خليط من تشكيلة ورقية تحصيل حاصل يغيب عنها الوعي التكتيكي والتوازن النفسي ..

نعم.. قبل أن يصب المدريديون جام غضبهم على فاران المذنب الأول، عليهم أيضا لوم زيدان على فلسفته الغريبة ونظرته القاصرة وتركيبته البشرية البطيئة، فقد فشل فشلا ذريعا في مباراة تكتيكية بالدرجة الأولى، معركة فشل زيدان في قراءة محتوياتها الفنية مع أن السيتي مثل أي كتاب واضح يقرأ من عنوانه..

بدأ ريال مدريد المباراة مرتبكا ومذعورا من فلسفة الضغط العالي للاعبي السيتي، وهو أمر ولد أخطاء فردية فادحة في عمق الدفاع، توجه فاران بخطأ أمام المهاجم خيسوس الذي انتزع منه الكرة داخل منطقة الجزاء فحولها على طبق من ذهب نحو رحيم ستيرلنج الذي زرع الهدف الأول في بداية مبكرة للغاية..

ولم يكد الريال يحرر الاستعصاء من قيوده بإحراز كريم بنزيمة لهدف التعادل إثر لعبة عنترية للشاب رودريجو من الجهة اليمنى، حتى خيمت على ثقة لاعبي الريال سحابة شك في ظل المردود السيئ للاعب الارتكاز كاسيميرو وتوهان هازارد وخروج كروس عن المنظومة الذهنية للريال ..

فبالإضافة إلى عجز لاعبي الريال عن ضبط إيقاعهم وتحركاتهم بدوا أيضا وكأنهم فاقدون لكل وازع ذهني أو فني، فالهدف الثاني للسيتي الذي وقعه خيسوس مستثمرا خطأ كارثيا آخر من فاران المرعوب دون سبب واضح، كان له وقع زلزلة أتت على ما تبقى من نفسيات لاعبي الريال ..

افتقد الريال في ملعب الاتحاد البوصلة والربان، فعانى طقس الريال من تقلب شديد انتهى باستسلامه لطوفان واقعية مدرب مانشستر سيتي جوارديولا..

واقعية جوارديولا تلقن زيدان درسا قاسيا

بيب جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي الانجليزي

ساهمت خبرة بيب جوارديولا في قراءة ريال مدريد بصورة رائعة، ولأن بيب كان يثق في حمولته الفنية قبل التكتيكية، فقد كان واقعيا وهو يؤسس تشكيلته على شاكلة 4/3/3، وهي نفس شاكلة زيدان لكن الفارق بينهما أن جوارديولا منح شاكلته المرونة التكتيكية المطلوبة على عكس زيدان الذي كان يراهن على تميمة حظه في دوري الأبطال وبطريقة تقليدية جامدة ليس فيها خبث تكتيكي على الإطلاق..

حرص جوارديولا على تفعيل شاكلة فريقه من منطلق استغلال عاقل ومتزن لمهارات لاعبيه، في ظل وجود المايسترو كيفن دي بروين صانع الألعاب الذي أسدى خدمة جليلة لشاكلة فريقه من حيث القدرة على تنويع أساليب اللعب والمناورة من جهة، كما أن الاعتماد على دي بروين في المهام الهجومية منح ارتكاز الوسط رودري وجوندوجان فرصة لحماية الوسط الدفاعي من متغيرات الخصم من جهة أخرى ..

فاجأ جوارديولا زيدان بأسلوب ضغطه العالي من الأمام وتحديدا من منطقة دفاع الريال، وهو أمر أزعج لاعبي الريال كثيرا وأرغمهم على ارتكاب أخطاء بدائية لا يمكن أن تظهر بكل هذه الوفرة لولا أنه يلعب بدون غطاء تكتيكي يحترم قدرات خصمه ..

أبدع جوارديولا في توظيف لاعبيه تكتيكيا خصوصا خط الوسط المتناغم الذي عكس قدرة فريقه على تغذية أسلوب لعبه بوهج جديد لم يكن ينتظره زيدان ..

على عكس زيدان تماما، درس جوارديولا متغيرات الريال ما بعد كورونا، وهو عندما لجأ إلى خنق لاعبي الريال بضغط رهيب على حامل الكرة، فقد كان يثق تماما أن المخزون البدني واللياقي للاعبيه في التوب، كما أن هذا الضغط شبه الكلي جعل لاعبي السيتي يمارسون تيكي تاكا جوارديولا بشاعرية وقريحة خصبة وفياضة..

كان جوارديولا يعلم أن الموقعة لن تكون بدنية فقط، لذا حشد أسلحته الفنية في الهجوم والوسط مع تحركات مدروسة تراعي ضعف السيتي في عمق الدفاع، فلابورت وفرنادينو ينفران تحت الضغط ويرتكبان أخطاء لسوء تمركزهما، لذا دعم جوارديولا عمق الوسط الدفاعي برودري وجوندوجان كإسعاف عند حالات الطوارئ..

وإذا كان زيدان قد تأخر في ضخ دماء جديدة بعد هبوط دورة الفريق البدنية، فجوارديولا كان أشطر وأذكى عندما عرف كيف يحافظ على الطراوة البدنية لفريقه في الربع ساعة الأخير، من خلال الزج بديفيد سيلفا وبرناندو سيلفا..

تأهل مانشستر سيتي إلى الدور ربع النهائي متخطيا عقبة صعبة في مشوار البحث عن اللقب الأول، لكن المانشيستراويين يعلمون أن فريقهم ما كان له أن يربح الريال رايح جاي أبدا، لولا كوارث فاران وسذاجة زيدان ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى