أحمر يا أحمراني…

كتب- محمد العولقي

يتفق الناس على أمرين .. الليل يعقبه النهار، والأهلي بطلا للدوري المصري، حقيقتان يؤكدهما دوران الأرض حول الشمس، ودوران كرة القدم المصرية حول كوكب الأهلي دون منافس .. ليس ذنب الأهلي أنه يمشي واثق الخطوة كملك متوج على عرش الكرة المصرية دون أن يجد منافسا يقاسمه ثلث الثلاثة، وثلث الثلاثة نقطة بيضاء قد تنفع في أقرب يوم أحمر .. ليس ذنب الأهلي أنه يتعاطى حبوب فتح الشهية محليا وأفريقيا، فيبدو كل موسم جائعا وأكثر ضراوة وشراهة في التهام مائدة الكرة المصرية، تاركا فتات المراكز للفريق المتعوس وبلدياته خائب الرجاء، وهو فتات لا يغني ولا يسمن من جوع .. ليس ذنب الأهلي أنه تربى على الثوابت الوطنية باعتباره حزبا رياضيا يمارس فيه الملايين من المصريين عشقهم وحبهم وانتماءهم وفقا وقانون الأهلي المتعارف عليه منذ أن انتصر هذا النادي للغلابى وجعل لهم وطنا كرويا يضاجعون فيه أحلامهم الممكنة دون قمع الرقيب ..

ليس ذنب الأهلي أنه لا يتلون ولا يغير جلده ولا يبيع الوهم في حارة الخيال ولا يلوى ذراعه بالباطل الذي يزهق دائما على بوابة (أحمر يا أحمراني)، ليس ذنبه أنه وطن كامل السيادة، العمل والتفاني شعاره، والجدية دائما مبدأه والالتزام بدستور الأهلي قوته وسر عظمته، القياديون الأهلاويون زائلون زوال البشر، لكن الأهلي بقانون عراقته ودستور دولته العادلة خالد لا يموت .. ليس ذنب الأهلي أن الذين تعاقبوا على قيادته إداريا جاءوا من داخل النادي وليس خارجه، ساروا على الصراط المستقيم دون لف أو دوران، مارسوا نشاطهم على بساط العشق، لم يغرد أحدهم خارج سرب روح الفريق الواحد، فدائما لا صوت يعلو على صوت الأهلي ..

الأهلي ينشغل دائما بمعانقة المجد كل موسم، لا يفتح بابه للتفاهات، ولا يتعاقد مع اللاعب النطيحة أو المدرب المتردية، لا يثير ضجيجا ولا يدخل جدلا ولا يفقد أعصابه أو يتخلى عن وقاره، هذا لأن الأهلي بصيرة وطن ومصير شعب، ولا يملك من رغد العيش سوى توزيع السعادة على عشاقه بالمجان، فيما يترك النواح وقلة الحيلة لآخرين شعارهم (خذوهم بالصوت) .. ليست هناك مفاجأة في فوز الأهلي بالدوري المصري لهذا الموسم، فهذه عادة أهلاوية قطعها عداوة، وليس هناك فارق في النقاط عن أقرب منافسيه يدعو إلى تدوينه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فالأهلي هو زعيم تلك الأرقام بلا منازع، وهو الملك المتوج لكل موسوعة ترصد الخوارق، والسيد الذي تلامس مصفوفاته ومتوالياته عنان السماء ..

يؤمن الكابتن محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي بأن الهدوء وضبط الأعصاب عاملان يصبان في مجرى سياسة النادي الأهلي منذ أن بنى وأرسى السابقون قواعده الإدارية قبل 115 عاما، فالأهلي ككيان ووطن فوق كل فرد مهما كانت قيمته أو وزنه لاعبا كان أو وجيها، وعندما تتكاثر سكاكين الفاشلين وتتطاير الشائعات حول مدى قوة تأثير الخطيب إداريا، يبتسم في كبرياء ويترك مهمة الكلام للأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل .. لم يخرج الخطيب عن الانضباط الذي فرضه كنظام لا يقبل المساومة الكابتن المرحوم صالح سليم، لكنه أضاف إلى عمق الانضباط أخلاقه النادرة وحسه الفني كلاعب توجته المثالية نجما لمجرتها دون منافس .. والخطيب ظاهرة بحد ذاتها، ليس لأن نجوميته ونبوغه وعبقريته في الملاعب ماركة مسجلة باسمه، فهذه المعلومة ليست محل خلاف، ولكن لأن الخطيب لازال يحتفظ بشعييته الكبيرة حتى الآن رغم مرور 32 عاما على اعتزاله كرة القدم، وهذه الشعبية التي يمتلكها بذكائه وحسن أخلاقه الرفيعة بمثابة استفتاء على نجاحه كرئيس للنادي الأهلي ..

أثار بعض المهووسين والمصابين بعقدة (نرسيس) الكثير من الزوابع حول الأهلي ورئيسه محمود الخطيب، ومع كل زوبعة كان الخطيب يرفع رقما ماليا هنا، و يوقع صفقة هناك، ولا يولي تلك الزوابع أدنى أهمية، ولكن احذروا الحليم الخطيب إذا غضب .. غضب الخطيب كان في صورة عمل دؤوب في الكواليس حفاظا على توازن البيت من الداخل، لم يفرغ الخطيب غضبه وغيظه من شائعات وزوابع الحاقدين في مساجلات كلامية استهلاكية تستنزف تركيزه على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، فقط كان رده في الميدان، بطولة وراء بطولة ولا منافس حقيقي يطوله .. لم يول الخطيب عناية تذكر لتلك البراميل الفارغة التي تثير الضجيج ، ليس لأنه من أنصار أن الصوت العالي يخفي حجة ضعيفة غالبا، ولكن لأنه يؤمن بأن هؤلاء الفاشلين والمشككين وفرسان الرغي ومحترفي الثرثرة مدمنو جعجعة، يحاربون طواحين الهواء مثلهم مثل دون كيشوت، والطبع يغلب التطبع ..

عندما يتعصب كل عربي للأهلي دون غيره من الأندية العربية المشارقة منها والمغاربة، فلأن هناك أوقاتا كروية صعبة لم نكن كعرب نملك منها شيئا وكان الأهلي السبب في إدخال الفرحة إلى كل بيت مصري وعربي، فلحظات الفرح القليلة التي عاشها العرب كرويا في العشرين سنة الأخيرة ارتبطت بالأهلي دون سواه، مع بالغ احترامي للآخرين، فمحاولاتهم محفوظة ومحل تقدير على أية حال ..ما أجمله من شعور عندما سينظر أي لاعب أهلاوي إلى أحفاده مستقبلا في جلسة سمر ويقول لهم : ذات يوم كنت لاعبا في الأهلي، وكان رئيسي الكابتن محمود الخطيب، سيكون رائعا أن يعيش كل لاعب أهلاوي هذه اللحظة ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى