ملف المغرب المونديالي بين “فساد” الأمس وتطلعات المستقبل

المغرب هو البلد الوحيد الذي ترشح أربع مرات لتنظيم المونديال دون أن يتمكن من الفوز ولو لمرة واحدة في التاريخ.

 

  • توووفه – حسام نصر

 

أكثر من سبع سنوات مرت على لحظة فارقة في تاريخ الدول العربية، حين أعلن الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، جوزيف بلاتر، فوز قطر بحق استضافة نهائيات بطولة كأس العالم المقررة عام 2022، عقب التنافس مع أربعة ملفات أخرى مقدمة من الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، لتكون تلك اللحظة إيذانا، ببدء حقبة جديدة في تاريخ الكرة العربية، وتأكيدا على أحقية المنطقة برمتها في استضافة أهم حدث كروي على سطح الأرض.

 

 

واليوم، تخطو دولة عربية أخرى هي المغرب، خطوة جديدة على هذا المسار، متناسية “فساد” الماضي، الذي منعها من سبق قطر وكافة الدول العربية والأفريقية في الحصول على هذا الشرف.

مع مطلع العام الجاري، أعلنت المملكة المغربية تقدمها رسميا بطلب استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2026، لتطوي صفحة عدم النجاح في أربع محاولات سابقة، كان آخرها محاولة استضافة مونديال 2010، حين نجحت جنوب أفريقيا آنذاك في استضافة الحدث عوضا عنها بفارق ضئيل من الأصوات، مستفيدة من عملية فساد و”تزوير”، أكدها عضو سابق في اللجنة التنفيذية للفيفا.

وفجرت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية في عام 2015 قنبلة من العيار الثقيل، إذ نشرت تسجيلات صوتية لمسؤول كبير داخل الفيفا، يشير خلالها إلى أن المغرب هي من ربحت شرف تنظيم كأس العالم عام 2010، وأنها حققت فارقا واضحا عن جنوب إفريقيا.

وحسب تحقيق قامت به الصحيفة في 2010، ونشرت أهم ما جاء فيه عام 2015، فقد أكد العضو السابق في الفيفا، البوتسواني إسماعيل بهامجي، في تسجيلات صوتية، أن ملف المغرب كان فائزا في ذلك التصويت الذي جمعه بجنوب إفريقيا ومصر.

وأشارت الصحيفة إلى أنها سلمت هذه التسجيلات الصوتية لبلاتر منذ ذلك الحين، إلا أنه لم يقم بأي إجراء بشأنها، ولم يأمر بفتح تحقيق في حقيقة تصريحات بهامجي الذي جرد من منصبه في الفيفا عام 2006، بسبب اتهامه ببيع بعض التذاكر في إحدى مباريات كأس العالم بثمن يفوق سعرها الحقيقي بثلاثة أضعاف.

 

 

واختارت المغرب التغاضي عما حمله ذلك الماضي من فساد، وبدأت تتطلع إلى المستقبل، لتقرر خوض غمار هذا التحدي للمرة الخامسة، رغم أنها ستكون أمام اختبار صعب هذه المرة أيضا، بالنظر للملف المنافس الذي يتضمن ترشيحا ثلاثيا مشتركا قويا يجمع الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

“كرة القدم تجري في عروقنا”، بهذه الكلمات بدأ هشام العمراني، المدير التنفيذي لملف ترشح المغرب، كلماته خلال تقديم الملف أمام وسائل إعلام عديدة، في مدينة مراكش منتصف مارس الماضي، قبل أشهر قليلة على الموعد المقرر لكشف النقاب عن الملف الفائز بتنظيم مونديال 2026،  في 13 من يونيو المقبل في موسكو، قبل يوم واحد فقط على صافرة انطلاق مونديال 2018.

 

 

وتعد كرة القدم بمثابة الهواء الذي يتنفس من خلاله الشعب المغربي سواء في العاصمة الرباط أو في الدار البيضاء أو في مراكش، حيث من المعتاد أن تشاهد الناس تسير في الشوارع كل يرتدي قميص الفريق الذي يناصره، فضلا عن إعلانات السفر لروسيا لمؤازرة “أسود الأطلسي” في مونديال 2018.

ووفقا لنتائج استطلاع رأي أجراه مركز” إيفوب الفرنسي” خلال فبراير من العام الجاري، فإن 97% من المغاربة يؤيدون تنظيم البلاد للمونديال سنة 2026.

كل ذلك قد يفسر إصرار المسؤولين في المغرب على استضافة المونديال، رغم الفشل في تحقيق هذا الأمر في أربع مناسبات سابقة (1994 و1998 و2006 و2010).

ويتضمن ملف ترشح البلد العربي 14 ملعبا، يختار الفيفا منها 12، موزعة على 12 مدينة، من أجل تغطية المونديال الأكبر في التاريخ، حيث أن هذه النسخة ستحظى لأول مرة بمشاركة 48 منتخبا بدلا من 32.

وتتراوح سعة الملاعب بين 45 ألف مشجع مثل ملعب وجدة، وتزداد حتى 96 ألف متفرج مثل ملعب الدار البيضاء الكبير.

ويستمد الملف المغربي قوته من التحالفات مع أوروبا وأفريقيا، فضلا عن قرب البلد العربي من القارة العجوز، بجانب ميزة فارق التوقيت مع قارة أمريكا الشمالية والذي سيكون مشكلة كبيرة أمام الأسواق الأوروبية الخاصة بحقوق البث التليفزيوني، وهو الأمر الذي لا يمثل أي عائق بالنسبة للمغرب.

نقطة أخرى قوية تدعم الملف المغربي، وهي وسائل النقل، حيث أن جميع مقرات المونديال تتواجد في حيز 550 كلم من العاصمة الرباط، فباستثناء مدينتي الجديدة ومكناس، ترتبط باقي المدن بشبكة سكك حديدية وطرق، في الوقت الذي لا يمكن فيه إغفال القطار فائق السرعة، الأول من نوعه في القارة السمراء، الذي يربط بين مدينتي طنجة والدار البيضاء.

 

 

وأشار العمراني خلال ذلك المؤتمر، إلى أنه تم التخطيط لكل هذه البنية التحتية وأنه سيتم الانتهاء منها سواء فازت المغرب بتنظيم المونديال أو حدث العكس.ومن المنتظر أن تنتعش الخزائن المغربية بأكثر من 3 مليارات دولار فقط من عوائد البث التليفزيوني، ناهيك عن باقي العوائد.

وأعلنت المغرب أنها خصصت ميزانية ضخمة لدعم الملف، تصل إلى 15 مليار دولار (12.1 مليار يورو)، ستركز على دعم قطاعات المواصلات والصحة والبنية التحتية الرياضية بجانب إضافة وتحسين الفنادق وقاعات المؤتمرات.

بالنظر إلى كل ذلك، فإن ملف المغرب يبدو هذه المرة أقوى من أي وقت مضى، وهو ما دعا العديد من الدول الكبرى بجانب العديد من المراقبين، إلى التيقن تماما من أن البلد المطل على الأطلسي بات يستحق عن جدارة واستحقاق أن يصل شغف كأس العالم إلى أراضيه، ليعكس ما يتمتع به من مكانة إقليمية وتاريخية وثقافية وسياحية ممتدة على مر العصور.

 

 

ويحظى الملف المغربي بدعم إفريقي كبير، إذ سبق لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أحمد أحمد أن قال إن ترشح المغرب يعتبر ترشحا لإفريقيا ككل، داعيا جميع البلدان الإفريقية إلى دعم ومساندة هذا الترشح، كونه يخدم تطور كرة القدم في القارة السمراء.

وضاعفت المغرب في السنوات الأخيرة من ترشيحاتها لاستضافة البطولات الرياضية الكبيرة، وتمكنت من تنظيم كأس العالم للأندية، وكأس السوبر الفرنسي في مناسبتين، ونهائيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين.

وحتى الآن، حصلت المغرب على دعم 49 اتحادا من أصل 54 اتحادا في القارة الإفريقية، و 12 اتحادا في أوروبا من بين 55 اتحادا، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC”.

كما أكدت تقارير صحفية مغربية، أن ملف بلادها ضمن ما مجموعه 103 أصوات من أصوات الاتحادات الدولية، وهو الأمر الذي إن صدق، فإنه يعني أن المغرب خطت خطوات عملاقة على طريق الظفر بسباق التنظيم، خاصة أنها تحتاج إلى 104 أصوات في الـ 13 من يونيو لتضمن تنظيم الحدث.

وكشفت العديد من التقارير الصحفية الأمريكية، أن ثلاثي أمريكا الشمالية، “الولايات المتحدة، المكسيك، كندا” بات ينظر بكثير من الخوف، والتوجس للتحركات المغربية في الآونة الأخيرة والهادفة لحسم الأمر مبكرا.

وعلى خلاف الماضي، فإن عملية التصويت لاختيار البلد الذي سيحتضن مونديال 2026 لن تكون محصورة فقط في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم المؤلفة من 22 عضوا، بل ستشمل كل الاتحادات المنضوية تحت لواءه، في محاولة لجعل عملية الاختيار أكثر شفافية، وفقا للفيفا.

تلك التعديلات بعثت في البداية بالتفاؤل إلى المعسكر المغربي، واعتقد الجميع أن هذا الأمر يمكن أن يلعب لصالحهم، نظرا لأن جميع الاتحادات الوطنية البالغ عددهم 207، بعد استبعاد الدول الأربعة المرشحة، بات لديها حق التصويت، وهو ما قد يسهل من مهمتهم. وقال رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع، آنذاك، أن المغرب تثق في الحصول على دعم 53 دولة أفريقية، وهو ما يمثل (25% من الإجمالي).

إلا أن ما حدث مع نهاية مارس الماضي، بدد هذا التفاؤل نوعا ما، بعدما أرسل لقجع بنفسه خطابا لرئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو للاحتجاج على التغييرات الأخيرة التي أدخلت على عملية تقييم ملفات الترشح لاستضافة البطولة، ليتسلل الشك من جديد إلى نفوس المغاربة.


اقرأ أيضا: المغرب يحتج لدى الفيفا على تغييرات في تقييم الترشح لمونديال 2026

وفي الخطاب الذي أرسل يوم 25 مارس الماضي، عبر لقجع عن قلقه إزاء السلطة التي منحها الفيفا للجنة الفنية المسؤولة عن تقييم البلدان المرشحة للحدث العالمي.

وأضاف الخطاب أن المغرب لم يصله نظام التقييم، إلا قبل أقل من 24 ساعة من تقديمه ملفه الرسمي، ونحو 48 ساعة من انتهاء الموعد الرسمي لتلقي طلبات الترشح، على الرغم من أنه طلب الحصول على شروط التنظيم منذ مدة. وتابعت الرسالة أن هناك شروطا تقنية لم توضع منذ البداية ضمن المتطلبات، فضلا عن تعديل شروط أخرى، منها ما يتعلق بالطاقة الاستيعابية للمطارات وحجم المدن المستضيفة. وتحدثت الرسالة عن أن هذه الشروط غير منصفة وتتعارض مع مبدأ الشفافية.

الفيفا رد من جهته على الاعتراض المغربي، وقال في بيان صحفي، إن الغرض من نظام التقييم التقني للعروض، هو معرفة هل تستجيب ملفات الدول الراغبة في الترشح، للحدود الأدنى من المتطلبات في البنى التحتية والاستثمارات والعائدات المالية؟، مضيفا أن جل العناصر في هذا النظام التقييمي ليست شروطا تؤدي إلى استبعاد ملف ما.

وعلى وقع هذا الأمر، تنبأ جزء من الصحافة المغربية بإمكانية حدوث “مؤامرة” جديدة لإقصاء المغرب من قبل الفيفا قبل المرور لمرحلة التصويت، وتساءل، رئيس تحرير جريدة المنتخب، في إحدى افتتاحياتها، عن جدوى تمتع الأعضاء داخل الفيفا بصلاحية التصويت، إذا كانت لجنة مشكلة من 5 أعضاء قادرة على إقصاء ملف معين. وتابع أن هناك مؤامرات تحاك في الكواليس، وأن مروجي الملف الأمريكي سبقوا وأن طالبوا الفيفا قبل أشهر بالتصويت على ملفهم ربحا للوقت، متحدثا عن أن هناك من يريد منع الملف المغربي من الوصول إلى مرحلة التصويت.

ويعد المغرب هو البلد الوحيد الذي ترشح أربع مرات لتنظيم المونديال دون أن يتمكن من الفوز ولو لمرة واحدة في التاريخ.

وبعيدا عن نظرية المؤامرة، يواجه المغرب تحدي جاهزية الملف المشترك بين أمريكا والمكسيك وكندا، الذي يملك 16 مدينة كل ملاعبها موجودة حاليا.

 

 

وإذا كان المغرب ينوي استثمار 3 مليارات دولار على الملاعب، فإن الملف الآخر يقول إنه لن يستثمر أكثر من 40 مليون دولار، مخصصة فقط لتحديث المرافق.

كما يلعب لصالح الملف الأمريكي حجم العائدات المالية المقدرة بـ 2.1 مليار دولار مقابل 785 مليون للمغرب، فضلا عن أن الفيفا سيربح 300 مليون دولار إضافية من الملف الأمريكي، على شكل عقود بث.

وإذا ما فاز الملف المشترك ستكون المرة الثانية، التي تنال فيها الولايات المتحدة شرف تنظيم المونديال على حساب المغرب، بعد نسخة 1994.

وبموجب النظام الذي أقره الفيفا، ستدخل كل من الملاعب والمواصلات ومرافق الإسكان المقترحة إلى نظام إقصائي في حال فشلها في الحصول على المعدل المسموح به من قبل خبراء الفيفا، الذين يتقدمهم السويسري ماركو فليجير والكرواتي زفونيمير بوبان، الكاتبين العامين للاتحاد، فضلا عن الهندي موكول مودجال والسلوفيني توماس فيزيل والمقدوني إلتشوجيور جيوسكي.

وسيحل الوفد الخماسي بمدينة مراكش في 16 أبريل الجاري، على أن تشمل الجولة مدن طنجة وأكادير والدار البيضاء.

كل تلك المعطيات، تؤكد أن الملف المغربي سيكون في كل الأحوال أمام محك حاسم، نظرا لقوة الملف المشترك، بجانب الصلاحيات الواسعة التي تملكها اللجنة وإمكانية إقصاء الملف قبل مروره إلى مرحلة التصويت، لتعود ذكرى “الفساد” لتطل بوجهها القبيح من جديد، وهي ذكرى تفسر التخوف الذي طغى في الآونة الأخيرة على الشارع المغربي ومعه الملايين من محبي كرة القدم العربية من المحيط إلى الخليج، وممن يرى في انتصار المغرب انتصارا عربيا بشكل عام، وليثور التساؤل بشأن احتمالية ضياع الفرصة مجددا، على وقع النفوذ الأمريكي، دون أن نتناسى غياب الدعم الرسمي من بعض الدول العربية لملف المغرب، وهو الأمر الأولى والأجدى بالتساؤل والاستغراب، على عكس موقف الفيفا، الذي قد يبدو مفهوما للكثيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى