أنا وجائزة فيفا

كتب- محمد العولقي

أعرف أنكم بدأتم تملون كتاباتي النقدية عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، لكن من منكم يستطيع إقناع هذا الاتحاد ليكف عن خروقاته وتجاوزاته التي ضاقت منها محيطات الكرة الأرضية، ويوقف أسطوانة الاستهبال بعشاق الجلد المنفوخ .. أبدا، ليس بيني وبين (فيفا) خلاف على قطعة أرض في المريخ، وحتى أكون صادقا معكم ومع راعي الاتحاد الدولي (جياني إنفانتينو)، أؤكد لكم أنني من عشاق (فيفا) و(البيبسي كولا) و(البيتزا) و(فيفي عبده)، وانتقاداتي الحادة للاتحاد يمكن حملها على محمل عتاب محب يراد به الجد وإحقاق للحق ..

تابعت باندهاش شديد يفوق اندهاش عميد المسرح العربي (يوسف وهبي) الذي كان يردد بتعجب (يا للهول ..!)، قائمة الثلاثي الذي سيقف بعد أيام على خشبة مسرح (فيفا) في زيورخ لاختيار أفضل لاعب في العالم لسنة كبيسة، كانت اليد الطولى فيها لمدرجات ينعق عليها الغراب، هروبا من فيروس غامض يدعى في الحواديت (كورونا) .. أعترف أن (فيفا) بمخالفاته للمنطق قد يتسبب في إصابتي بالصلع قبل حلول العقد الميلادي الجديد، وهي لعبة ظريفة تستهوي من يراقب مكاييل (فيفا) ، والسبب أن الاتحاد الدولي لازال على غيه وضلاله القديم، يفصل جائزته عند نفس (الترزي) على مقاس شركات تجارية عملاقة تبيع وتشتري في الجائزة عيني عينك، وكأننا نشاهد ملحمة فساد طويلة ليس لها نهاية، و ما أكثر الخياطين والخراطين في زمن الهدايا المدفوعة الأجر في مبنى (فيفا)..

كنت أظن أن فساد (فيفا) سينحسر مده مع خروج مسيلمة الكذاب (جوزيف بلاتر) من سدة الحكم، وتواريه مرغما عن مشهد الفضائح بعد عقدين كاملين من التلاعب بشروط جائزة (فيفا)، وكنت أعتقد أن السجون في أمريكا قد ضاقت بالفاسدين والمرتشين والخارجين عن قانون الكرة المدورة، لكن شلة (إنفانتينو) أكدت لي أنني كنت سيئ الظن فيهم، وأنهم – واللهم لا حسد- امتداد لشبكة فساد مترامية الأطراف .. وطالما أن جائزة (فيفا) لا تخضع لمعايير من يتمنون أن يأخذوا حقهم قبل أن يجف عرقهم في الملاعب مستعينين بمنهج تؤخذ الدنيا غلابا، فلا بأس أن نعيش لعبة تكاذب فيفاوية مزرية جردت الاتحاد من مصداقيته وحياديته وإنسانيته وأخلاقه ..

ما معنى أن يضع (فيفا) ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في خانة واحدة مع البولندي روبرت ليفاندوفيسكي في الحفل المرتقب ..، بأي معيار تم إقحام ميسي ورونالدو في موضوع جائزة ليس لهما فيها ناقة ولا جمل؟، كيف لنا أن نهضم هذا الاختيار وقد استعصى على المعدة ..؟

يمكن للجنة الفنية التابعة لفيفا أن تقطع عرق الجدل وتسيح دمه مبكرا تحت مبرر أن من شروط الجائزة كل عام أن يقف ميسي ورونالدو معا طمعا في إثراء بيت مال فيفا من شركات عملاقة تحكم الاتحاد من تحت الطاولات ويحكمها ميسي ورونالدو من فوق الطاولات تجاريا .. وعفوا يا عشاق ميسي ورونالدو، لست ضد الأول فهو لا يعرفني، كما أنني لا أعرفه، إلا من خلال موسم كسيح قدمه مع برشلونة انتهى بتمثيله بكاتالونيا على مقياس فاجعة الثمانية، فهل يكافأ ميسي على هذه المرمطة بوضعه بين أفضل ثلاثة لاعبين في عام جمع فيه الخيبة من مختلف أطرافها ..؟، ولست أضمر شرا للثاني لا من قريب ولا من بعيد، لأنه هو الآخر يسكن على كفوف الراحة، بينما العبد لله ينعق في واد غير ذي زرع، فهو الآخر قدم موسما محبطا برفقة يوفنتوس في دوري الأبطال، لكنه يرتفع عن ميسي بدرجة واحدة على مقياس فوزه بلقب الدوري الإيطالي، في حين خرج البرغوث الأرجنتيني خالي الوفاض رفقة برشلونة ..

أستطيع التأكيد علنا أن تواجد ميسي ورونالدو لا علاقة له بالمقاييس والمعايير التي يبلها فيفا ويشرب ماءها كل عام، ولا يعدو هذا التواجد سوى ضغط من لوبي تجاري يرى في تواجد الفلتتين الكرويتين ترويجا للجائزة ولبضاعته، لكن الجائزة في النهاية ستذهب دون أدنى شك للاعب بايرن ميونيخ الألماني الهداف المستحيل روبرت ليفاندوفيسكي، ولو لم يفعل أهل فيفا ذلك في اليوم المرتقب لكانوا من الظالمين ..

عندما خرق (فيفا) سفينته دون سبب فلسفي، وأغمض عينيه عن البرازيلي نيمار داسيلفا صانع ألعاب (البي .إس .جي) الذي قدم موسما استثنائيا باذخا مع فريقه الباريسي، وكان السبب المباشر في تأهله إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى، كما قاده للاحتفاظ بدوري وكأس فرنسا، تعجبت واندهشت وسألت نفسي: هل صمم فيفا جائزته على مقاسي ميسي ورونالدو ..؟، ثم من الذي يتلاعب بمشاعر عشاق كرة القدم ويمارس عليهم لعبة الاستغباء المغلفة بالاستحمار والاستهبال ..؟

ومثلما بدأتم تملون كتاباتي عن (فيفا) وشيطنته للجائزة التي تحولت في ملاعب الكرة إلى مسخرة، لاشك أنكم أيضا ممللتم من مكاييل (فيفا) المغلوب على أمره وما يفعله بحقوق لاعبين كل ذنبهم أنهم ولدوا في زمن ديكتاتورية ميسي ورونالدو ..

إذا أردتم أن أكف وأتوقف عن جلد فيفا كل سنة كبيسة، اقنعوا رجاله أولا بمنح الجائزة الكبرى للهداف روبرت ليفاندوفيسكي دون تلاعب بمشاعر المتابعين الذين يفهمونها وهي طائرة، وليقل رجال (فيفا) لميسي ورونالدو في نهاية السهرة المرتقبة: عفوا تواجدكما هذه المرة كان صوريا، هدفه تصدير الضغط والسكر والصلع لناقد يمني يراقب جائزتنا كل عام، رقابة لصيقة أشد ضراوة من رقابة الإيطالي جنتيلي للبرازيلي زيكو، مع أنه يرفع أمام زملائه وقرائه شعار من راقب الناس مات هما ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى