بنزيمة 2020.. مذهل.. لماذا؟

تقرير – محمد العولقي

قد نختلف حول إنتاج المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة مع ريال مدريد كثيرا، لكن لا يختلف اثنان على أن هذا اللاعب نوعية نادرة من المواهب، كلما ثارت حوله ضجة أو تعرض لصدمة لا يتورع بنزيمة عن امتصاصها و البناء عليها ..
قيل الكثير و الكثير جدا عن محاباة و مجاملات يتلقاها كريم في ريال مدريد إداريا و فنيا، وأسال الذين لا يروق لهم كريم الكثير من المداد يكفي لملء المحيط الأطلسي كله، لكنهم لا يملكون قرارا و لا يؤثرون في علاقة الديك الفرنسي بفريقه ..
يتعامل بنزيمة مع حجم الضغوط التي يتعرض لها أحيانا بهدوء، و أحيانا كثيرة باستفزاز ، في كل الأحوال تكون الكلمة العليا لردة فعل بنزيمة، و ليس لرئيسه أو مدربه ..

ضبط زين الدين زيدان متلبسا بعشق كريم حد الإطراء، لم يسبقه لاعب آخر عاصر الزين ديوريه زيدان ، لطالما كان زيزو مقتنعا بأن بنزيمة يسدي الكثير من الخدمات لريال مدريد من الناحيتين الفنية و التكتيكية ، الأمر لم يعد دفاعا عن كريم كلما دخل في ضائقة تهديفية مع الفريق، أو مر بمرحلة شك بيضاء ، لقد أصبح بنزيمة محرك الريال و قائده الفعلي داخل الملعب مع كامل التقدير للمدافع سيرجيو راموس ..

قال زيدان عن مهاجمه بعد مساهمته في بلوغ الدور ثمن النهائي من دوري أبطال أوروبا ، بتسجيله هدفي الانتصار في مرمى بروسيا مونشنجلادباخ الألماني :
” هذا هو كريم الذي أحبه ، يطل دائما في الليلة الظلماء مثل بدر ينير لريال مدريد الطريق ، ماذا تريدون أكثر من هذا ؟، إنه يؤدي أعمالا تكتيكية صعبة ليس هناك لاعب في العالم يستطيع القيام بها ، لهذا أحب كريم ، و أضعه دائما أولوية قصوى على كبار هدافي الكرة العالمية ..”

لم يسكت مدرب ريال مدريد عن الكلام المباح، فبعد تسجيل بنزيمة لهدفين من أصل ثلاثة في مرمى أتلتيكو بلباو في لاليجا ، ساهما في تجنب الميرنجي لفخ بلباو المحكم ، لم يكن زيدان ليتأخر عن تسجيل شهادة أخرى بحق مواطنه :
” كريم بنزيمة ليس مهاجما صنما تضعه كالروبوت في منطقة الجزاء منتظرا هدايا زملائه ، كريم هو من يوزع هداياه على زملائه من العمق و من الرواقين ، وهو مهاجم مزور في الأساس كل همه انتصار فريقه ، إنه يتصرف داخل الملعب كقائد حقيقي ، يساعد زملاءه و يجود عليهم بعطائه ، طبيعة كريم أنه ليس أنانيا على الإطلاق ، و لا يفكر في مجد شخصي على حساب مصلحة فريقه كما يفعل بعض المهاجمين ، يؤدي لنا خدمات يعجز أقوى مهاجم عن أدائها ، لهذا أنا أحب كريم و لا أستغني عن خدماته داخل الملعب وفي غرفة الملابس ..”

ملك الكرات الرأسية ..

تبدو قيمة بنزيمة داخل الريال كبيرة جدا ، فهو بالنسبة لزيدان و حتى رئيس النادي فلورنتينو بيريز قطعة يصعب الاستغناء عنها، لأنه لاعب متعدد المهام ، كما أن له خصال فنية مدهشة طورت على نحو مثير مع ريال مدريد ..
عندما سجل بنزيمة ثلاثة أهداف بالرأس في مباراتي بوروسيا مونشنجلادباخ و أتلتيكو بلباو كان يسجل نصرا شخصيا بالغ الأهمية ، لقد تفوق كريم على كريستيانو رونالدو في نسبة الأهداف الرأسية، ولم يسبقه على كرسي الصدارة سوى النسبة المرتفعة جدا لمهاجم بايرن ميونيخ الألماني الخطير روبرت ليفاندوفيسكي ..

” لن نغير من الواقع شيئا ، لقد بات كريم هذا الموسم أكثر نضوجا في التموضع ، و أكثر دقة و فعالية في ضربات الرأس ، وهذا طبيعي لأن كريم يهتم لوحده بهذا الجانب بتمارين خاصة و ينمي قدرات الارتقاء مستفيدا من مراقبته لزميله السابق كريستيانو رونالدو .. إنه مدهش بحق ..”
هكذا يقول عنه زميله في الفريق الكرواتي لوكا مودريتش ، لكن لوكا يمتدح صفات أخرى في (البنز) يراها تسبح في جيناته الكروية
” كريم يلعب بمخه قبل قدمه و رأسه ، يتدخل في الوسط ليحل لنا معضلة تكتيكية ، كلما نخنتق في الوسط و نبدو بلا حلول يأتي كريم من الأمام ليحل كل الإشكاليات ، في الغالب أكون متحررا أكثر و متخفزا للتسجيل كلما كان كريم أمامي .. يا له من بارع ..!”

يبتسم كريم و وهو يؤكد أنه بات أكثر فعالية في ضربات الرأس ، وله وحده أن يحرك مشاعر عشاقه و يكشف سر إتقان الأهداف الرأسية :
” راقبت الكثير من اللاعبين الكبار في هذه النقطة ، كنت أحاول أن أثب و أقفز عاليا كما يفعل الملك بيليه ، و كنت أؤدي تمرين قاس لبلوغ نقطة التقاء كريستيانو رونالدو ، إنه الجنون بعينه، فمهما فعلت فلن أصل إلى وثبة بيليه ولن أبلغ أعلى نقطة من نقاط رونالدو ، قلت لنفسي : فليكن لي وثبتي الخاصة و نقطة صعودي الخاصة ، و هكذا تحررت من المقارنات أو التقليد ، أصبحت لي وثبة معينة و نقطة معينة ، لا شك أنني أدين في ذلك لبيليه و رونالدو ، لكن اللاعب الذي كنت أتمنى أن أصل إلى كمال تموضعاته عند ضربات الرأس هو ميشيل بلاتيني ، لقد كان محركا و هدافا من الخلف، وأنا أحاول أن أضع لي بصمة مع زملائي ..”

مفتاح الحلول ..

هل يمكن لريال مدريد أن يتألق و يخلق الفرص بدون كريم بنزيمة ..؟
إنه سؤال صعب وضعته صحيفة الماركا الموالية لريال مدريد على طاولات التشريح ، نسبة عالية من الفنيين يجزمون أن بنزيمة الحالي هو روح ريال مدريد ، و نسبة صغيرة جدا يرونه لاعبا ضمن المنظومة المدريدية لا أكثر و لا أقل ..
في الظاهر يبدو سيرجيو راموس هو القائد الفعلي داخل الملعب و حتى في غرفة الملابس ، أما الباطن فلكريم وحده ، فهو الذي يحفز و يبادر و يتحكم في إيقاع اللعب نفسه، وهو الذي يمنح المساحات للقادمين من الخلف و يخلق رؤية للتسديد عن بعد ..

عندما سجل الألماني توني كروس هدفه الصاروخي في مرمى بلباو في الجولة الثالثة عشرة من لاليجا ، بعد تناغم مع بنزيمة و فينيسيوس جونيور أوشى كروس بهذا الاعتراف :
” كان الشوط الأول يوشك على النهاية ، كان شوطا مغلقا ، لم نجد خرم إبرة للتسديد البعيد ، تقدم مني كريم قائلا :
توني .. سوف أسقط إلى الخلف و أستلم الكرة وعندما أبدأ المناورة تكون أنت على قوس منطقة الجزاء ، بالفعل كانت عملية خاطفة منه، لأنه سحب جبلا من الرقابة عندها بدأ لي مرمى بلباو مثل متجر واسع تستطيع التجول فيه ، لقد كان هدفا تكتيكيا من إعداد كريم و من إخراجي ..”

هل يحبذ كريم مركز رأس الحربة الكلاسيكي ..؟
بالتأكيد لا ، فهو يمني النفس أن تتاح الفرصة لمهاجم آخر يعرف كيف يتكامل معه ..
حول هذه النقطة التكتيكية الخطيرة يدلي آرسين فينجر بدلوه في محاولة لفض شباك هذه الإشكالية :
” بالطبع مهارات كريم و قدراته في الدوران حول وسط الملعب من الخلف يؤدي إلى إرباك دفاعات الخصوم ، وفي تصوري التكتيكي أن الريال بحاجة إلى مهاجم آخر يفهم كريم مثلما كان الحال مع كريستيانو رونالدو ، فرونالدو تقريبا مثل كريم لا يحبذ دور المهاجم الكلاسيكي ، يحب أن يتبادل الأدوار مع كريم في تجانس هارموني ، لهذا الريال ليس بحاجة إلى هلاند أو يوفيتش ، الأنموذج المفضل لزيادة إنتاج كريم في الأسيست و التهديف هو كليان مبابي ، إن له نفس صفات و سمات رونالدو، فهو دائم الحركة و يلعب في مختلف مراكز الهجوم ، و تواجده مع الريال سيعطي التكامل المطلوب ..”
لكن تبقى هناك إشكالية أكثر خطورة تتعلق بكريم نفسه ، فإذا كان زيدان يحلم بالتكامل الفني و التكتيكي بين كريم و مبابي الموسم القادم ، فعليه أن يضع في اعتباره أن قدوم مبابي في سن الثالثة و العشرين قد يصطدم بحقيقة تقدم بنزيمة في السن ، فهل يمكن أن يتزاوج الربيع مع الخريف ..؟

سنة مذهلة بحق

لطالما كانت الأرقام هي لعبة بنزيمة المفضلة ، فهو عندما يتعرض لموجة من الانتقادات العاصفة يستقرئ أرقامه فتصمت مدافع النقد عن دويها ..
سنة 2020 هي سنة كريم بلا أدنى جدال أو شك ، لاحظوا ما فعله هذا اللاعب : السبب المباشر في فوز ريال مدريد بالدوري الإسباني و تجريد برشلونة من لقبه ..

ثاني هدافي الدوري برصيد 23 هدفا خلف ليونيل ميسي بفارق هدفين لا غير، مه العلم أن ميسي تفوق لأنه سجل نسبة عالية من ركلات الجزاء ، بينما كان المعني الأول بتنفيذ الركلات في ريال مدريد سيرجيو راموس و ليس بنزيمة ..

هداف الريال في دوري أبطال أوروبا

صاحب أعلى أسيست في أكبر دوريات العالم ، و لا ينازعه في هذه الميزة سوى متوسط ميدان بايرن ميونيخ الألماني توماس مولر ..

أكمل كريم سلسة ذهبية متميزة منتصف الشهر عندما تجاوز كرستيانو رونالدو في ضربات الرأس، وبات ثانيا خلف البولندي روبرت ليفاندوفيسكي ..
هذه المعطيات بأرقامها و مدلولاتها دفعت مجلة فرانس فوتبول الفرنسية إلى اختياره أفضل لاعب فرنسي لهذه السنة ، عطفا على استفتاء واسع تجاوز فيه كريم منافسه الشاب كليان مبابي بفارق كبير ..

و ما كان لمجلة كبيرة مثل فرانس فوتبول أن تتجرأ و تعيد بنزيمة إلى الواجهة الشعبية فرنسيا لولا أنه فرض نفسه صاحب أكبر تأثير على مستوى و نتائج فريقه ريال مدريد ..
يستطيع كريم بنزيمة أن يرفع رأسه و يضع نفسه (رأس رأس) مع ميسي و رونالدو ، بل أن الفرنسي المتألق كان أكثر تأثيرا على نتائج فريقه من ميسي برشلونة و رونالدو يوفنتوس ..
بالنسبة للعالم كانت سنة 2020 مؤلمة و يجب أن تسقط من الذاكرة، لأنها كانت سنة كارثية على كرة القدم من الناحية الاقتصادية ، لكنها بالنسبة للفرنسي المغضوب عليه من (ديديه ديشامب) الناخب الفرنسي كانت سنة مذهلة ، مذهلة بحق ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى