مشروع لابورتا وميسي

كتب- محمد العولقي

لا يستطيع خوان لابورتا الرئيس المرتقب لنادي برشلونة، التعامل مع الواقع بنظرة بانورامية، ففي شتاء برشلونة المتجمد البرودة والساخن على مستوى الأحداث الملتهبة التي تعصف بالنادي الكتالوني، يظهر لابورتا وجها مخالفا لطبيعة الأزمة..

يتعامل لابورتا مع أزمة الفريق الكتالوني على أنها زوبعة في فنجان، لا يريد أن يصدق أن مشكلة الفريق أكبر وأعمق من تعليقها على شماعة التسيب الإداري، أو التهاون الانضباطي داخل غرفة الملابس .. يرفض لابورتا التعاطي مع الأزمة المستحكمة بحكمة وعقلانية، بل ويرفض من الأساس منطق أن الفريق الذي دوخ إسبانيا وأوروبا، لم يعد إلا أطلالا وذكريات يجترها عشاق برشلونة على أنه زمان الوصل في كتالونيا .. مشكلة لابورتا أنه يرى في ليونيل ميسي الرجل الخارق الذي في استطاعته أن يحول المسافات أمام المنافسين إلى إعصار لا يبقي ولا يذر، ومشكلة لابورتا أنه يعيش من زمان في جلباب التقمص والتقديس، تقديس ميسي، وربط كل شيء بهذا اللاعب، يراه مركز الكون الثابت الذي لا يتعب أو يهدأ، والجميع يدورون في فلكه لتقديم واجب المشاهدة ليس إلا ..

يتجاهل لابورتا أن دورة الزمن تتغير وتتبدل، وأن الحياة كما قال عنها أبو البقاء الرندي دول من سره زمن ساءته أزمان، ويرفض منطق أن ميسي لم يعد ذلك الخارق الذي يأتي بالهوايل من جراب الساحر، ويزلزل الأرض تحت أقدام المنافسين، ويقلب النتائج كالحاوي ببساطة كما كان يفعل في عنفوانه، يرفض التصديق أنه مجرد بشر من لحم ودم، وليس آلة يضع فيها لابورتا نقوده فيبيض ميسي سحرا خارقا يخالف قوانين الطبيعة ..

برشلونة دخل بالفعل مرحلة ما بعد ميسي بعد ثمانية البايرن الموجعة، مدرب الفريق كومان مدرب بناء، مدرب مرحلي مهمته تجهيز فريق جديد والخروج الآمن من ظل ميسي، هذه الحقيقة يعيها الكل في كنالونيا إلا خوان لابورتا، فهو يرى في ميسي مشروعا جديدا يمكن البناء عليه لسنوات طويلة.. لاحظوا أن لابورتا يتحدث بحماس عن مشروع مستقبلي سيعيد توهج البرشا من جديد، فكيف نصدق أنه صاحب مشروع مستقبل طويل، وأساس هذا المشروع لاعب يقترب من الرابعة والثلاثين؟، ترى بأية عين يرى لابورتا واقع ميسي ثم يربطه دون دراسة وافية بمشروعه الجديد ..؟ وبأي منطق يؤسس هذا المشروع في البناء على لاعب شارف نجمه على الأفول ..؟، الرئيس الحالي بارتيميو المغضوب عليه من كل كتالونيا بدأ يتعامل مع الأمر الواقع، والتخطيط العملي لمرحلة ما بعد ميسي، ولكن لأن ميسي مقدس ويراه الكتالونيون طوطما، انقلبت الدنيا على رأس بارتيميو إعلاميا، والنتيجة أن رأسه طار في الهواء ..

ميسي نفسه استسلم مع بداية الموسم للأمر الواقع، خصوصا وأن مجيء رونالد كومان كان إيذانا بتدشين مرحلة بناء جديدة ليس فيها لميسي موضع قدم، لهذا السبب تخلص كومان من أركان ميسي واحدا بعد الآخر، وكان يتوقع خروج ميسي عن المنظومة غاضبا، غير أن ميسي عاد من جديد ليمارس نفس اللعبة : العزف على غريزة الطوطم أو القديس إعلاميا، فأرغم كومان على الدخول في متاهته مجبرا، وهي متاهة التهمت الكثير من الضحايا من مدربين ولاعبين ..رحيل ميسي عن برشلونة مؤجل، والبدء في تنفيذ مشروع كومان المستقبلي على كف عفريت ومؤجل إلى حين، وستكون الانتخابات الرئاسية فاصلا بين عودة ميسي لإدارة المرحلة القادمة تحت غطاء الطوطم، وبين مشروع كومان المستقبلي مع رئيس غير لابورتا، وهذا مستبعد بالنظر إلى الهوس الجنوني الذي يصاحب حملة لابورتا الانتخابية ..

إذا فاز لابورتا – وهذا مرجح بنسبة مئوية كبيرة – سيدفع كومان الثمن، قد يجبر على الخروج من الباب الضيق، أو يقبل بالتطبيع مع ميسي دون صلاحيات فنية كبيرة، وهما بالنسبة للهولندي الذي ضحى بزهور التواليب الهولندية خياران أحلاهما مر على حد وصف أبي فراس الحمداني .. لاحظوا معي أن ميسي يستخدم وسائل ضغط نفسية على الإعلام الكتالوني العاطفي المهووس بفكرة الطوطم أو القديس، وبين الحين والآخر يستخدم البرازيلي نيمار بوقا للترويج لانتقاله المزعوم إلى باريس سان جيرمان، وبينما يقوم والده بمناورات في باريس تحت أعين وسائل الإعلام، يظهر ميسي في الملعب بلا روح وبلا نفس وبلا حافز، هنا يكسب ميسي تعاطف لابورتا، فيدلي بتصريح ناري : ميسي أساس مشروعي القادم، ولن يرحل عن برشلونة إلا على جثتي ..

يبتسم ميسي ابتسامة ذات مغزى غامض، وهو يراقب الهولندي كومان، إنه في الواقع يثق تماما أن المدرب الهولندي سيكون أفضل كبش فداء لمشروعه مع لابورتا المستقبلي ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى