كتب- محمد العولقي
عندما يتعلق الأمر بثقة زين الدين زيدان المفرطة في ماركو أسنسيو، فإنه عنيد عنيد إلى درجة التهور..، لا أحد ينكر على زيدان براعته المعهودة في استخراج كل الطاقات المتاحة من لاعبي ريال مدريد لاسيما حرسه القديم، لكن الوضع هنا لا ينطبق كليا على أسنسيو ورطة زيدان التكتيكية القاتلة ..
جاءت الإصابات المتكررة للمنحوس آدين هازارد لتمنح أسنسيو أملا كبيرا في استعادة مستواه العالي قبل إصابته التي أبعدته عن فريقه فترة طويلة جدا ..، كان أسنسيو مخيبا في مردوده العام سواء على نطاق استرجاع الكرة في الحالة الدفاعية، أو في بناء الهجمة من اليسار في الحالة الهجومية ، كانت المبررات بالنسبة لزيدان منطقية وقتها : أسنسيو بحاجة إلى مباريات كثيرة ليستعيد حساسية المباريات، لكن هذا الصبر نفد بالنسبة لعشاق ريال مدريد إلا زيدان الذي لازال يثق في لاعبه ثقة عمياء ليس لها حدود ..
في سبيل قناعات زيدان الفنية و التكتيكية كان عليه أن يراوغ بالمراهق البرازيلي فينيسيوس جونيور، ربما لاحظ زيدان تغير المنظومة الدفاعية عند مشاركة فينيسيوس يسارا عوضا عن الميت أسنسيو، لكنه يرفض مناقشة الأمر ودراسة تلك الاحتمالات، فينيسيوس بالنسبة لزيدان مجرد بديل لأسنسيو إلا في حالات الطوارئ القصوى فقط ..
ليست مشكلة الريال في الجهة اليسرى فنية، لكنها إشكالية تكتيكية خطيرة للغاية تخلق ارتجاجا في شاكلة 4/3/3 المفضلة لزيدان دائما ..، تكاليف ذلك الارتجاج التكتيكي في الجهة اليسرى يدفعها كاش من حيوته الظهير الفرنسي فرلاند ميندي، وهذه الفاتورة الباهظة تكتيكيا كادت تعصف بآخر آمال الريال في المنافسة على لقب الليجا أمام الروخي بلانكوس في المترو بوليتانو ..، يمكن لكوارث أسنسيو التكتيكية أن تتحجم وتتقلص أمام فرق صغيرة لا تملك أدوات الدهاء التكتيكي، لكن مع فرق ثقيلة تكتيكيا مثل أتلتيكو مدريد تصبح كوارث أسنسيو التكتيكية واضحة حتى لبشار بن برد ..
يحاول المسكين ميندي مجابهة متطلبات التوازن التكتيكي في الجهة اليسرى، يجب أن يركض خمسين مترا عند الامتداد، ثم يعود ليقطع نفس المسافة عند الارتداد ، لماذا ..؟، ببساطة جدا لأن تلك المسافة يجب أن تكون ملكا للمختفي ماركو أسنسيو، وليس لظهير واجباته الأساسية دفاعية بحتة، خصوصا وأن التوأمة التكتيكية بين الاثنين معدومة ولا أفول غائبة أو مغيبة ..، ولمن يريد أن يفهم معنى ومبنى التهور التكتيكي الذي ينتهجه زيدان بإصراره دائما على وضع أسنسيو أمام ميندي، عليه فقط أن يسترجع لقطة هدف لويس سواريز في مرمى ريال مدريد في ديربي الغضب ..
ميندي يرغم على تثبيت نفسه في مكان ينبغي أن يكون من اختصاص أسنسيو، بالطبع هذا خطأ تكتيكي فادح في منظومة دفاع ريال مدريد من وسط الملعب، لأن المدافع ناتشو عندما يركض لتغطية المساحة الفارغة خلف ميندي وأسنسيو يكون الوقت ليس في صالحه، المسألة هنا حسابية بحتة و ليست توقع أو سرعة في رد الفعل ..
في لحظة يتقدم فيها ميندي ليشغل جبهة هجومية يفترض أنها من تخصص أسنسيو تنقطع الكرة مما يؤدي إلى انكشاف ظهر ميندي، وهنا يدرك ناتشو الشرخ التكتيكي في الجهة اليسرى فيسارع إلى ردم الهوة بإصلاح الخطأ بالخروج غير الآمن لمواجهة صانع ألعاب الأتلتيك ماركوس يورنتي، لكن الوقت والمحيط والمسافة تساهم في منح يورنتي الأفضلية ، وهنا وبسهولة تامة يضرب الخط الخلفي المتصدع للريال بتمريرة في المساحة الفارغة التي كان يجب أن يشغلها ميندي تكتيكيا، فيضع لويس سواريز وجها لوجه أمام حارس الريال كورتوا، و يكون الهدف الذي هد المعبد التكتيكي على رأس زين الدين زيدان ..
على زيدان حل هذه الإشكالية التكتيكية بعيدا عن العواطف، فالريال دخل مرحلة الحسم الأخيرة في لاليجا وفي دوري أبطال أوروبا، والتجريب بالمجرب في الأمتار الأخيرة لعب بالنار ، والنار ما تحرق إلا رجل واطيها كما قال بعض الشعراء، والشعراء يتبعهم الغاوون، وأولهم بلا شك زين الدين زيدان ..!