كومان.. هل لبس ثوباً لا يناسب مقاسه؟

تقرير – محمد الغزالي

في ظل أزمة لم تشهدها مقاطعة كاتالونيا على المستوى الكروي طوال تاريخها، وتحت ظروف قاسية كان يعيشها نادي برشلونه الموسم الماضي ابتداءً من الخروج المبكر من دوري الأبطال، مروراً بفقدان لقب الليغا لصالح الغريم التقليدي، وانتهاء بخسارة كأس الملك بشكل تراجيدي في موسم أقل ما يقال عنه بأنه كارثي..

أشعل الوضع الحالي الحسرة في قلوب جمهور البارسا، وجعلها تندب حظها على الأيام الخوالي، وتبكي على الحال الذي وصل إليه فريقهم بعد سنوات من المجد الكروي كان فيها الفريق أشبه ما يكون ببلدوزر كروي يكتسح كل من يعترض طريقة من الأندية العالمية..

وبمثابة النار في الهشيم تلتهم الأخضر واليابس من الألقاب اامحلية والأوروبية والقارية، سنوات من الفخر والأنفة والكبرياء طالت فيها رقاب جمهور البارسا حتى وصلت عنان السحاب، وأعوام كانت أصواتها ترتفع عالياً وهي تقف بشموخ تغني طرباً وزهواً في كل محفل وميدان..

إنجازات تسطر وألقاب بالجملة كانت تضاف لخزائن النادي في كل موسم كل ذلك كان بمثابة انتصاراً لفكرة ثورية أسمى كانت الأساس الذي خرج منه نادي برشلونة إلى العالم، النادي الذي يمثل مقاطعة عانت التهميش والفقر قبالة العاصمة المدللة الثرية، ومن رحم المعاناة بنت بسواعدها حاضراً محى خيبات الماضي، وأرسى لـمستقبل يكتسي النور والمجد ..

مقابل صفقات فلكية كون بها الغريم العاصمي فريقاً للأحلام بنت مقاطعة كتلونيا فريقاً ارتكز على مواهب شبانها وعلى الطموحات التي عاشت بينهم وفيهم، لعبوا وانتصروا من أجل الفكرة قبل البحث عن الألقاب جماعية كانت أم فردية تميزوا بأسلوب هو أفضل ما قدم في المستطيل الأخضر، ولما حانت لحظة الإنصاف تعلق اسم برشلونة بكل سيرة تعنونت بالتفضيل والمراكز الأولى، ولأن كرة القدم لم تكن يوماً فضاء سطحياً كان ذكر اسم برشلونه يبعث الفخر في قلوب مشجعيه..

سقف الطموحات كان عالياً دائماً لذلك كان وقع الخيبة صعباً في نفوس الجماهير خصوصاً الجيل القض الذي فتح عينيه وكحلها وهو يرى فريقة يتوج بالذهب في كل موسم، جيل أروى ظمأ شغفه من نبيذ حلال كان تنثره أقدام ميسي ورفاقه في المستطيل الأخضر، ومما زاد من عمق الجراح الصدام الخفي الذي كان بين أدارة بارتيميو وميسي والذي سرعان ما طفا على السطح وظهر للعيان مع إعلان الأخير رغبته في الرحيل ومغادرة النادي، قرار كان ليتم لولا الوقفة الاحتجاجية التي نظمها جمهور برشلونه وأقنعت ليونيل بالعدول عن قراره في الأمتار الاخيرة من سوق الانتقالات..

ومع بداية الموسم الكروي كانت المؤشرات لا تدعوا إلى التفاؤل خصوصاً مع غرق النادي في الديون وعدم قدرته على استقطاب النجوم في موسم الانتقالات الصيفية بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم وتضررت منها الأندية جراء جائحة كورونا، ومع إقالة سيتي كيكين كان لابد من التعاقد مع مدرب ذي شخصية فذة يعيد ترتيب أوراق نادي برشلونة المتبعثرة ويبعث الأمل من جديد في نفوس اللاعبين والجمهور على حدٍ سواء..

بارتيميو كان يريد التخفيف من احتقان الجمهور وامتصاص الغضب العارم الذي تكنه اتجاهه فحاول مراراً وتكراراً من انتداب اسطورة ورمز النادي تشافي هيرنانديز ليدير دفة الفريق لما للأخير من مكانة مرموقة في قلوب الجماهير لكن تشافي كان في كل مرة يرفض العرض فهو لا يريد وضع يديه في النار خصوصاً أنه ابن للنادي ومعظم أصدقائة لا يزالون لاعبين لفريق البارسا وينقلون له ما يدور خلف الكواليس..

بارتيميو كان تائهاً ويدري أنه يخوض معركه ستحدد مصيرة في النهاية، لكنه كان دائماً متمسكاً بأهداب الأمل، ويبدو أخيراً بأنه وجد ضالته في رجل كان دائماً وفياً للنادي ولم يخذله في المواعيد الكبرى عندما كان لاعباً في صفوف الفريق في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، صاحب القدم اليسارية التي أهدت للبارسا لقب أول بطولة لدوري الأبطال 1992، رونالد كومان الرجل الذي كان يقدم مشروعا اكثر من رائع مع منتخب هولندا قدمت له الإدارة عرضاً لتدريب النادي فلم يتأخر في قبوله قائلاً: “قلبي لا يستطيع أن يرفض برشلونه مرتان” ..

كومان كان يدرك جيداً أنها مغامرة غير مأمونة العواقب خصوصاً مع وجود إدارة يترأسها بارتيميو صاحب الوعود الزائفة كما أطلق عليه ليونيل ميسي، وهو المعنى الذي تجسد بكل تفاصيله عندما لم يستطع الوفاء بوعوده لتلبية طلبات المدرب الجديد..

ولكن بغض النظر عن موقف الإدارة الجميع كان ينتظر قرارات حاسمة من رونالد كومان تتمثل في التخلص من بعض النجوم الذين أصبحوا عبئا على النادي ولا يقدمون ما يشفع لهم في حمل قميص البارسا من أمثال جيرارد بيكيه وبوسكيتش وجوردي ألبا وسيرجيو روبيرتو، مع الاعتماد على النجوم الشابة من أمثال ريكي بوينغ وبيدري وفاتي والكثير من جواهر اللاماسيا التي تستحق بأن تعطى الفرصة الكاملة في اللعب..

ولكن كل هذا لم يحدث فلم يستطع كومان مقاومة سطوة الحرس القديم واكتفى فقط باستبعاد لويس سواريز وراكيتيتش وبالتعاقد مع لاعب خط وسط اليوفي بيانيتش والامريكي جناح اياكس امستردام سيرجينيو ديست قرارت كانت مخيبة للآمال خصوصاً مع بداية الدوري والأداء المتواضع الذي كان يقدمه الفريق ما جعله يصل لمنتصف الدوري وهو يبتعد عن صاحب الصدارة اتلتيكو مدريد بواقع 12 نقطة..

إضافة لذلك قراءة كومان لمجريات المباريات كانت هشة ولا تنم على مدرب كبير بإمكانه قيادة البارسا للوصول الى قمة الهرم الكروي في أوروبا، واتضح ذلك في العديد من مباريات الموسم التي أظهر فيها الفريق عدم مقدرته في العودة للمباريات والفوز بها عندما كان يتأخر بالنتيجة، ولولا أهداف ليونيل ميسي الحاسمة لما شاهدنا برشلونة ضمن الفرق الثلاثة الأولى المتصدرة..

بارسا كومان خلال هذا الموسم أظهر عدم مقدرته على مصارعة الكبار فهو لم يستطع هزيمة اتلتيكو وتلقى الخسارة من مدريد ذهاباً وإياباً، وفي دوري الأبطال تلقى خسارة ثقيلة أمام باريس أخرجته من دور ال16، النتائج الإيجابية تحدث فقط أمام الأندية الصغار حتى مواجهة نهائي السوبر الاسباني أمام اتلتيك بلباو لم يستطيع الفوز بها..

ورغم أن مشيئة الأقدار وقفت كثيراً إلى جانب برشلونة مع بداية النصف الثاني من الدوري وهو ما تمثل بتعثر المتصدر اتلتيكو في العديد من مبارياته بحيث تقلص الفارق من 12 نقطة إلى نقطة واحدة إلا أن كومان لم يحسن استغلال ذلك، عندما أضاع فرصة الانفراد بالصدارة أمام فريق غرناطة الذي كان يقبع في المراكز الأخيرة بالدوري، مباراة غرناطة كانت أهم مباراة في الموسم مباراة مصيرية تجعل البارسا يقترب كثيرا من لقب الليجا، وهو ما يحتم عليه دخول المباراة بأفضل العناصر التي لديه، ولكن كومان دخل المباراة بتشكيلة تبين مدى سذاجته وعدم تقديره جيداً للأمور لذلك كان العقاب قاسياً هزيمة مستحقة في الكامب نو بنتيجة 2-1 كان المسؤول الاول والأخير عنها هو المدرب ..

مدرب يتوفر لديه دكة بدلاء قيمة، لاعب مدافع بقيمة اوراخو ولكن يفضل عليه بيكيه ولينجليت، ويصر على مجاملة سيرجي روبيرتو على حساب ديست، ولا يرضى بأن يعطي بيانيتش الفرصة ليثبت نفسه، وقام باستبعاد الموهبة للشابة ريكي يونغ من الفريق الأول وهو اللاعب الذي كان يقدم أداء جيداً كلما سنحت له الفرصة، ولم ينجح في الاستفادة من وجود ديمبيلي ودفعه لتقديم أقصى ما عنده، مدرب كانت تأتيه الفرص على طبق من ذهب للانفراد بالصدارة لكنه يفشل في استغلالها، هو بالتأكيد لن يستطيع الوصول بعيداً في دوري الأبطال خصوصاً مع اتضاح محدودية تفكيرة وضعف قدرته على قراءة مجريات المباريات، ولولا جرعة الأمل التي بعثها وصول لابورتا لكرسي الرئاسة في نفوس اللاعبين لما استطاع الفريق الفوز بكأس الملك..

وحتى لا نبخس من حق الهولندي فإننا لا نستطيع أن نقول بأن تجربته مع برشلونة كانت سلبية بكل تفاصيلها فهو رغم قدومه في ظروف صعبة كانت تعصف بالنادي فإن هناك بعض النقاط المضيئة التي قام بها وتحسب له أهمها تصعيده للاعبي الماسيا والاعتماد عليهم من أمثال فاتي وبيدري ومينغويزا، ولكن رغم ذلك كومان أظهر بأنه ليس رجل المرحلة القادمة الذي بإمكانه قيادة الفريق في الاستحقاقات الأوروبية وقميص برشلونة يبدو فضفاضاً، وليس باستطاعة الجميع ارتداءه، لذلك فإن خسارته للدوري بهذه الطريقة ستسرع من عملية إقالته خصوصاً بأن لابورتا يريد التخلص من أي إرث يخص الإدارة السابقة في النادي ومن ضمنها كومان الذي يحسب عليها، لا سيما بعد تردد اسم تشافي في أروقة النادي من جديد كمدرب لبرشلونه الموسم المقبل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى