برشلونة وريال مدريد .. كلاسيكو على صفيح نار الغيرة

 

  • توووفه – محمد العولقي 

بين حظه العاثر في (لاليغا) الإسبانية، وتألقه اللافت في دوري أبطال أوروبا، يقف ريال مدريد على جبل من المتنقصات الصارخة، وبين تسيده الشامل وعبثه بالأرقام القياسية في (لاليغا)، وفشله الذريع في دوري أبطال أوروبا يضع برشلونة نفسه بين برزخين من المفارقات التي يشيب لها ريش الغراب.

ووسط أمواج هذه المفارقات والمتناقضات تهب رياح (الكلاسيكو) محملة بالكثير من البرودة والحرارة المتفاوتة على غير العادة، لقاء فيه القليل من حر الهجير، والكثير من برد الزمهرير.

تبدو صورة الكلاسيكو بين الغريمين اللدودين الريال والبرشا في الظاهر قمة باهتة فاترة وباردة، بالنظر إلى حقيقة أن برشلونة أحكم قبضته الفولاذية على (لاليغا)، وحسم أمر بطولته المفضلة قبل النهاية بثلاث جولات كاملة.

ليس هذا فحسب، فالفريق الكاتالوني عبث بالأرقام القياسية وسخرها ليمارس على الفرق الإسبانية ديكتاتورية الياقوت والبارود، في وقت انزوى ريال مدريد مبكرا، وتوارى عن الأنظار بعد اندحاره السمج على ميدانه في (كلاسيكو) الذهاب بثلاثية بلوجرانية قصمت ظهر البعير المدريدي مبكرا للغاية.


اقرأ أيضا:  كلاسيكو ثأري في جولة يهيمن عليها الصراع الأوروبي

 

وإذا كانت صورة (الكلاسيكو) في الظاهر مجرد مباراة تحصيل حاصل، لن تغير من الواقع، ولن تبدل من قناعات الترتيب العام، إلا أن الصورة من الباطن مغايرة ومختلفة، وحافلة بالكثير من أسرار (نار الغيرة) التي لا تنتهي بين كبيري أوروبا.

يتطلع لاعبو برشلونة إلى إذلال الفريق الملكي، وتعكير أجوائه الفرائحية بعد بلوغه نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي (رقم قياسي جديد للريال و زيدان بالمسمى الجديد لدوري الأبطال)، وسيحاول لاعبو برشلونة ضرب عصفورين بحجر واحد، مرة للاحتفال أمام الأنصار في ملعب (كامب نو) بأفضل طريقة ممكنة، لأن إنزال الهزيمة بالريال بطولة بحد ذاتها، بالنظر إلى دلالات القمم الخالدة، ومرة أخرى لتصدير الشك إلى نفوس لاعبي الريال قبل النهائي الأوروبي المرتقب أمام ليفربول الإنجليزي، يوم 26 مايو الجاري في (كييف).

وبكل تأكيد سيأتي الريال إلى (كامب نو) ليحول أفراح البرشلونيين إلى أتراح، ولهذا سيعد زيدان سيناريوهات مختلفة للمواجهة، تعتمد في مبدئها الأول على سحب الدماء من وجوه لاعبي برشلونة، ليظهر الفريق أمام أنصاره شاحبا، الأمر الذي سيفقد جماهير برشلونة طعم ونكهة انتزاع البطولة من فم الأسد المدريدي.

الفريقان سينفضان في الرماد بحثا عن جمر مستعر، يجعل من الكلاسيكو تصفية حسابات شخصية، في ظل تألق برشلوني محلي، أحال الأرقام القياسية إلى رفوف التقاعد، وتألق مدريدي خارق للعادة في دوري أبطال أوروبا.

لن ينسى لاعبو الريال حقيقتين في غاية الأهمية من الناحيتين التاريخية والاستراتيجية :

الأولى: تتعلق بعملية مكايدة تاريخية، فبرشلونة هو الفريق الوحيد في الدوريات الكبرى هذا الموسم لم يتذوق طعم الهزيمة، وهذا سبق معنوي يفاخر به البرشلونيون نظراءهم المدريديين، ولا حل أمام كتيبة زيدان سوى إسقاط برشلونة من برجه العاجي، ونفض الغبار عن الرقم القياسي المسجل باسم الفارس الكاتلوني المغوار. الفوز على برشلونة معنويا يعني أن الفوز بثنائية الدوري والكأس سيدخل مغارة شديدة البرودة، وستتضاعف حسرة البرشلونيين في حال ظفر الريال بالنجمة الأوروبية الثالثة عشرة.

الحقيقة الثانية: سيحاول زيدان تكريس عقدته في (كامب نو)، فهو لم يخسر مع الريال هناك منذ أن تولى الإشراف على ريال مدريد، خاض في (كامب نو) مباراتي دوري، فاز في الأولى بهدفين لواحد، وتعادل في الثانية الموسم الماضي بهدف لهدف، بالإضافة إلى أنه ألحق ببرشلونة هزيمة نكراء في ذهاب كأس السوبر بثلاثة أهداف لواحد بداية هذا الموسم.

ووسط أجواء داخلية قد لا تبدو للعيان مشحونة، ينبري سؤالان الأول هل تستحق المواجهة أن ندخل فوهة الأرشيف لنرصد الأرقام، ونستطلع طالع القمم الخالدة ..؟ والثاني هل تستحق أن نحاصر المعادلات، ونضع اللقاء (البارد) تحت مقصلة التقويم؟

قد لا تبدو قمة (الكلاسيكو) مغرية من ناحية القيمة الرقمية، لكن النظر في دلالات نصف الكوب المليان يفتح أمامنا الكثير من الفقرات المثيرة التي تنتظر الجميع.

مثلا .. هل سيعتمد (فالفيردي) مدرب برشلونة أسلوب اللعب الاحتفالي ..؟ أم يضفي على نهج وفلسفة فريقه الكثير من الجدية في العمل ..؟ وفي وضع كهذا هل يفترض أن نناقش شاكلة اللعب، وضبط العناصر المؤثرة التي تمتلك مفاتيح الفوز؟

لو فعلنا ذلك لن نحتاج إلى مشقة لسبر أغوار لقاء الإخوة الأعداء، ففي برشلونة يبقى الخطر المرعب قادم من قدرات الخارق ليونيل ميسي، ومن انطلاقاته الصاروخية التي يستحيل إيقافها بالحسنى، وهناك (دراكولا) البلوجرانا، الذي يعض الشباك بدلا من الخصوم، الأمر يتعلق بطبيعة الحال بالمهاجم الفلكلوري لويس سواريز، عدا هذين النجمين فإن العناصر الأخرى تعتمد على ثبات الأعصاب، وعلى الدوران في فلك الكوكب الكروي المدهش ليونيل ميسي.

 ولا تسأل كثيرا عن قناعات زيدان، حتى وإن كان يبدل جلده خارج ميدانه كالحرباء، فهو يعتمد على سلاح الانضباط وفلسفة اللعب على فراغات الخصم، وهو دائم الرهان على الإنهاء المذهل للهجمات المرتدة لنجمه كريستيانو رونالدو، لكن رونالدو مع تقدمه في السن يختلف عن ميسي الذي لا يحتاج إلى وسائل مساعدة كثيرة لطرق مرمى مدريدي تعود عليه مرارا وتكرارا، فرونالدو بحاجة إلى (مروحة) رواقية كي يتسرب بحدسه نحو منطقة هو ملكها المتوج بكل تأكيد، وبحاجة ماسة لعقلية كريم بنزيمه في السقوط للخلف، وفتح مساحات في العمق أمام رونالدو.

وبعيدا عن حكاية أن (الكلاسيكو) تحصيل حاصل، وأداء واجب فإن نكهة اللقاء الحقيقية تبرز وتتجسد في الصراع التاريخي بين قطبي الكرة الأرضية (ميسي و رونالدو)، الأول يطير على جناح حمامة نحو الحذاء الذهبي كأفضل هداف في الدوريات الأوربية، والثاني وإن بدأ الموسم متأرجحا على مستوى الطراوة البدنية إلا أنه أستطاع لملمة أحلامه فمضى يهتك شباك الخصوم بدرجة أقل من ميسي، لكنه مقتنع تماما أن التسجيل مجددا في (الكامب نو) عملية موجعة لجماهير ولاعبي برشلونة.

ميسي يحلق عاليا، وهو يصطاد الأرقام الفردية في الدوري الإسباني تواليا، ويدرك كم هو مؤلم عند جماهير ولاعبي الريال العبث بأمن الدفاع المدريدي دون رادع، وجلد المرمى المدريدي بسوطه الذهبي دون شفقة ولا رحمة. رونالدو هو الآخر تخصص في هتك شباك برشلونة، وفي كل مناسبة يزور فيها (كامب نو) يرش بعضا من عطره الفريد، وهو يقارع وينازع ميسي نجومية (الكلاسيكو) تهديفا وسحرا .

وبعد، هل يستطيع ريال مدريد تجريد برشلونة من أسلحة الدمار الشمال حيث يسكن ميسي وسواريز ؟ هل يستطيع زيدان كتابة مأساة برشلونية في غمرة أفراح (كتالونيا) ذات النزعة الانفصالية؟ هل يحول رونالدو وعصابته الملكية عرس برشلونة إلى مأتم، تحتويه ريح صرصر كئيبة؟ أم أن برشلونة احتاط هذه المرة حتى لا يلدغ من جحر زيدان للمرة الثالثة؟ هل في بمقدرة (فالفيردي) أن يدمي مقلة الأسد المدريدي (زيدان)؟ أم أن في مقدور زيدان الحفاظ على الجرة الملكية من الانكسار لرابع زيارة إلى (كامب نو)؟ ترى، كيف سيدير الفريقان مباراة القمة دون حسابات مربكة؟ وهل سنشاهد لقاء” كرنفاليا واعدا بالهجوم الشامل غير المتحفظ؟ أسئلة كثيرة متناقضة تطفو على سطح (الكلاسيكو)، الذي يبدو في الظاهر باردا، لكن الباطن يخفي متفجرات تتعلق بتصفية حسابات حديثة وقديمة، تكريسا لمبدأ نار الغيرة بين عملاقين كرويين يسيران وحدهما على سطح القمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى