ثعلب الماكينات الألمانية.. محطم الأرقام وعاشق الأهداف

تقرير- ترياء البنا

ولد جيرد مولر ثالث أعظم هدافي ألمانيا في تاريخ كأس العالم، في نوفمبر 1945، وبدأ مسيرته الكروية مبكرا بسن التاسعة في نادي نوردلينغن، وابتسم له الحظ مبكرا حتى إنه بسن ال17 كان قد تدرج بجميع الفئات السنية للنادي مسجلا له رقما قياسيا من الأهداف بلغ 180، قبل أن ينتقل إلى بايرن ميونخ 1964، وهو في الثامنة عشرة من عمره، وكان بتميز بالمراوغة وسهولة التخلص من المدافعين.

لما التحق جيرد مولر ببايرن ميونيخ، الذي كان ينافس في دوري الدرجة الثانية، كان مدرب الفريق زلاتكو كاجكوفسكي يسخر منه ويقول :”ماذا عساي أن أفعل برباع في فريقي؟”، حبث كان مولر يشبه حامل أثقال نظرا لضخامة الجزء العلوي من جسده وقصر ساقيه، بالإضافة إلى فخذيه الممتلئتين، وأبقاه طوال عشر مباريات على دكة الاحتياط، إلى أن أقحمه في التشكيلة الأساسية للفريق بإيعاز من الرئيس السابق للنادي فيلهيلم نويديكر، ولم يكن مولر ينتظر أكثر من ذلك، حيث تمكن في بدايته الأولى بالبطولة الإقليمية في أكتوبر 1964 من هز شباك فرايبورغ مرتين، وكانت تلك أول لبنة في مشواره الكروي على مستوى الكرة العالمية، ومنذ ذلك الحين، أصبح كاجكوفسكي يناديه بمولر القصير البدين.

لم يكن مولر يمارس تمارين خاصة، وكان يقول عن مهارته: “لدي حاسة خاصة بالتهديف، ولذلك كنت أسبق المدافعين بكسر من الثانية”، كما أنه واحد من خمسة لاعبين فقط نجحوا في هز الشباك أكثر من 700 مرة في مباريات رسمية، حيث سجل 735 هدفاً.

أحرز مولر 68 هدفاً دولياً، جاء معظمها في الفترة الأكثر ألقا في مسيرته بين عامي 1969 و1972، حيث سجل خلال هذه الفترة 47 هدفاً في 34 مباراة، وما زال اسم مولر إلى الآن علامة مسجلة في عالم صناعة الأهداف، وكان مهاجم بايرن ميونيخ والمنتخب الألماني قد تمكن من تسجيل 365 هدفاً في 427 مباراة لعبها في الدوري الألماني الممتاز، وهو معدل من الصعب أن يصل إليه أي لاعب، وأكّد ذلك جيرد نفسه، حيث قال “مباراة كرة القدم ليست يسيرة، وتسجيل الأهداف مهمة عسيرة”، وبعد اعتزاله ترك المهاجم الفذ خلفه مسيرة مليئة بالإنجازات والأمجاد، بالإضافة إلى عدد هائل من الأهداف.

ورغم مسيرته الحافلة بالأهداف المؤثرة، صرح مولر في حديث لموقع FIFA.com: “أهم هدف سجلته كان هدف الفوز 2-1 في نهائي ألمانيا 1974 بمدينة ميونيخ”، وكان بطل الفترة الذهبية خلال بداية ومنتصف فترة السبعينيات بلا منازع، حيث يعود له الفضل في تألق المنتخب الألماني وكذلك بايرن ميونيخ، وصرح رفيق مشواره القيصر بيكنباور بأن “كل ما وصل إليه بايرن ميونيخ يعود الفضل فيه إلى جيرد مولر.”

شهد موسم 1965 صعود بايرن ميونيخ إلى الدوري الألماني الممتاز بفضل جهود مولر وسيب ماير وفرانز بيكنباور، وهو الثلاثي الذي أوصل الفريق البافاري إلى العالمية، حيث تمكن خلال أول موسم له بين أندية الصفوة من احتلال المركز الثالث في ترتيب الدوري وتحقيق كأس ألمانيا، وهو اللقب الذي أحرزه أيضاً أعوام 1967 و1969 و1971، أما أول لقب في الدوري فقد بلغه بايرن ميونيخ عام 1969، وتلته ألقاب أخرى في 1972 و1973 و1974.

وعلى المستوى الدولي فقد نجح أبطال ألمانيا في الظفر بكأس أوروبا للأندية أبطال الكأس، وهي باكورة ألقابه العالمية علاوة على أن فريق الأحلام السابق احتكر لثلاث مرات على التوالي كأس أبطال أوروبا من 1974 حتى 1976، ثم توج هذه السلسلة الرائعة من الألقاب بكأس العالم للأندية بعدما تغلب على الفريق البرازيلي بيلو هوريزونتي (2-0 و0-0).

ولم يكن النادي البافاري يحلم بهذه النجاحات بدون جيرد مولر، الذي كان هداف الفريق ابتداء من موسم 1964-1965 حتى 1977-1978، كما فاز بلقب هداف الدوري الألماني الممتاز سبع مرات (1967 و1969 و1970 و1972 و1973 و1974 و1978)، بالإضافة إلى أنه حقق رقماً قياسياً، بتسجيله 40 هدفاً موسم 1971/1972، والذي ظل صامداً إلى عامنا هذا، حتى نجح لاعب البايرن، البولندي روبرت ليفاندوفيسكي في كسره في 22 مايو الماضي بعد أن سجل هدفه ال41 بآخر مباراة للبايرن الموسم الماضي أمام أوغسبورج، في اللقاء الذي انتهى 5/2 للفريق البافاري.

لم تكن سوى مسألة وقت حتى فرض ماكينة الأهداف الألمانية نفسه على مدرب المانشافت هيلموت شون، الذي لم يجد بداً من استدعائه للمنتخب، وكانت مشاركته الأولى عام 1966، ضمن التشكيلة الأساسية للفريق ناجحة بكل المقاييس، حيث انتهت بالفوز خارج الميدان على المنتخب التركي بهدفين نظيفين، وخلال نهائيات كأس العالم المكسيك 1970 ضرب جيرد مجدداً بقوة، حيث استحق لقب هداف البطولة بعد توقيعه على عشرة أهداف كاملة، كما شكل بصحبة أوفي سيلر ثنائياً هجومياً ناجحاً، وعلق مولر على هذه البطولة في تصريح لموقع FIFA.com قائلاً: “تمثل هذه النسخة بالنسبة لي أكثر ما تمثله نسخة 1974، لاسيما وأننا كنا نملك فريقاً رائعاً، رغم أن الكثيرين يعتبرون الفريق الفائز ببطولة أوروبا لعام 1972 هو الأفضل على الإطلاق”.

واحتفل مع منتخب ألمانيا بلقب بطولة أوروبا عام 1972 بعد الفوز في المباراة النهائية على الدب الروسي، وكان نهائي ألمانيا 1974، الذي وضع منتخب ألمانيا بنجومه الكبار أمام منتخب الكرة الشاملة بقيادة يوهان كرويف وجهاً لوجه، فرصة مواتية ليخط جيرد أجمل السطور في تاريخ الكرة العالمية بتسجيل هدفه الشهير، وفي وصفه للهدف الذي سجله في الدقيقة 43 من المباراة، على أرض ملعب ميونيخ الأولمبي قال مولر: مرر رينر بونهوف كرة عرضية إلى منطقة الجزاء، عدوت نحوها بين لاعبين هولنديين، وتراجعت إلى الوراء قليلاً لأن التمريرة كانت خلفية، وحطت الكرة بالقرب من قدمي اليسرى، فاستدرت وسددت، ورأيت الكرة داخل الشباك”.

وبعد أن أصبح بطل العالم سنة 1974 وهو في سن 28 أعلن اعتزاله اللعب دولياً، وتقول بعض الشائعات إن السبب يعود لعدم دعوة زوجات اللاعبين لحضور الحفل الذي أقامه الاتحاد الألماني لكرة القدم إثر الفوز بالكأس العالمية، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، حيث قال مولر “لقد أخبرت المدرب شون عن اعتزالي قبل النهائي بثلاثة أيام، لكنه طلب مني ألا أخبر أحداً عن الأمر إلى ما بعد المباراة النهائية، وهذا كل شيء لا أكثر ولا أقل”. أما السبب الحقيقي وراء ذلك فهو مكافآت الفوز باللقب العالمي، التي قال عنها مولر إنها “مضحكة”.

أقيمت مباراة اعتزال أسطورة الكرة الألمانية في سبتمبر 1983 أمام 50.000 متفرج، حيث لعب خلال الشوط الأول مع بايرن ميونيخ، ثم ارتدى قميص المنتخب الألماني خلال الشوط الثاني الذي لم يلعب منه إلا بضع دقائق فقط، وانتهت المباراة لصالح البايرن 4-2، وعلى غير المعتاد لم يسجل مولر أي هدف.

وبعد إسدال الستار على مشوار كروي حافل، مر مولر بأزمة حادة، حيث لم يستوعب انتقاله من قمة النجومية إلى حياة الظل، ولم يعرف ما عليه فعله، فبعد أن كان يلعب كرة القدم مع المشاهير، صار يقضي معظم وقته أمام التلفاز وفي الشجار مع زوجته، واتجه إلى الكحول الذي زاد من حدة وضعه كما أقر بنفسه: “لقد دمرت حياتي بنفسي”، لكنه كان محظوظاً بأصدقائه في البايرن وخاصة مدير الأعمال أولي هونيس، الذين ساعدوه على الوقوف مجدداً على قدميه، وبعد قضائه أربعة أسابيع ناجحة بمدينة جارميش بارتنكيرشن للعلاج من الإدمان، وقع عقداً لبايرن ميونيخ عام 1992، وكانت مهمته هي البحث عن رعاة جدد وكذلك التنقيب عن المواهب الجديدة، بالإضافة إلى المشاركة في تدريب المهاجمين وحراس المرمى، وتحمل بعد ذلك مهمة تدريب فريق الشباب، ثم صار مدرباً مساعداً للفريق الأول، ونال عام 1992 شهادة التدريب، وفي موسم 1995-1996 درب فريق بايرن ميونيخ للهواة في الدوري الإقليمي، واستعاد مولر توازنه وأمسك بزمام الأمور في حياته، وعلق على ذلك: “لا وجود لمكان أفضل من بايرن ميونيخ”.

تم تكريم مولر خلال الحفل الكبير الذي أقيم احتفالاً بالذكرى 40 لبداية الدوري الألماني، وذلك للدور الكبير الذي لعبه في تاريخ الدوري الألماني. ووقف الحضور، الذي تجاوز الألف في مجمع كولونويم بمدينة كولن، وأمطر مولر بوابل من التصفيق، احتراما وتقديرا للاعب الذي سطر تاريخاً كروياً استثنائياً.

حظي مولر طيلة مشواره بالعديد من الجوائز التقديرية، حيث تم اختياره أفضل لاعب في ألمانيا 1967 عندما كان عمره 27 سنة، وبعد ذلك بعامين توج باللقب نفسه مرة أخرى، وبعدما أحرز جائزة الحذاء الذهبي في الأرجنتين 1970، كان أول ألماني يفوز بلقب أفضل لاعب أوروبي في العام، وتم اختياره أيضا ثلاث مرات على التوالي ضمن تشكيلة فريق FIFA المثالي، (1971 و1972 و1973)، واختير كذلك عام 1973 ضمن تشكيلة فريق UEFA للعام، كما منح جائزة ورقة الغار الفضية عام 1967، ووسام الاستحقاق الألماني عام 1977، وفي مايو 1998 تسلم وسام الاستحقاق من FIFA، كما تم اختياره كذلك لتمثيل مدينة ميونيخ كسفير لبطولة كأس العالم بألمانيا 2006.

في عام 1979 قبل جيرد مولر عرضاً مغرياً للعب في الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي أراد أن يبدأ صفحة جديدة في مشواره الكروي بعدما أصبح خارج حسابات مدرب بايرن ميونيخ بال سيرني حتى إنه تم استبداله لأول مرة في حياته قبل نهاية المباراة، وقع مولر في 6 مارس 1979 لعامين ونصف لنادي فورت لاودردال سترايكرز، الذي يلعب في دوري أمريكا الشمالية للمحترفين، وبلغ معه عام 1980 نهائي الدوري، إلا أنه خسره أمام كوزموس نيويورك، الذي لعب له زميله فرانز بيكنباور، بنتيجة 3-0، وخاض 80 مباراة بين 1979 و1981 في الدوري الأمريكي، هز فيها الشباك 40 مرة، وأنهى مسيرته مع نادي سميث براذرز لاونج، وقرر البقاء نهائياً في الولايات المتحدة الأمريكية وباع كل ممتلكاته بمدينة ميونيخ، ولكن في النهاية اشتد حنينه إلى الديار، فعاد في أبريل 1984 مع أسرته إلى ميونيخ، حتى أعلن نادي بايرن ميونيخ وفاة الأسطورة الألمانية في 15 أغسطس 2021، عن 75 عاما، لينتهي مشوار أحد أعظم الهدافين الذين أنجبتهم الملاعب على مر التاريخ.

إنجازاته

لاعب العام بألمانيا عامي 1967، 1969.

هداف كأس العالم 1970 بـ10 أهداف في ست مباريات.

جائزة الكرة الذهبية 1970

الحذاء الذهبي لفيفا 1970

الحذاء الذهبي الأوروبي 1969/1970، 1971/1972

بطولة أمم أوروبا 1972

هداف أمم أوروبا 1972(4)، 1976(4).

سجل هدف البطولة لألمانيا في المباراة النهائية ضد هولندا في كأس العالم 1974.

هداف دوري أبطال أوروبا 1972/1973، 1973/1974.

ثالث أكثر هدافي بطولات كأس العالم الألمان بعد رونالدو نزاريو الثاني، وكلوزه الأول، بتسجيله 14 هدفا في بطولتين، 10 عام 1970 و4 في بطولة 1974، وتغلب على هذا الرصيد من الأهداف رونالدو دي ليما البرازيلي حيث أحرز 9 أهداف في كأس العالم 2002 وأكملها عام 2006 أمام غانا إلى 15 هدفا.

ثاني هدافي العالم ب85 هدفا في 60 مباراة بدون أية ركلة ترجيح.

الهداف التاريخي للدوري الألماني بـ365 هدفا في 427 مباراة، بمعدل قياسي للأهداف 1.2 هدف لكل مباراة.

اختير ضمن أفضل لاعبي الكرة الأوروبية بمناسبة اليوبيل الذهبي.

جاء ضمن أعظم 100 لاعب بالقرن العشرين طبقا لاستفتاء مجلة وورد سوكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى