مارغريت تاتشر .. اللعنة التي أصابت ليفربول في مقتل

توووفه ـ محمد العولقي

 

ليفربول الإنجليزي .. فريق يترك في النفس أصداء موجعة ومقلقة .. فريق يتعاطى الغرائب بطريقة مثيرة للجدل .. عندما قاطع ليفربول منتوجات (البريمر ليغ) منذ ما يربو عن ثمانية وعشرين عاما، لم تكن هذه المقاطعة والقطيعة سوى لعنة دفنها (الكنج) كيني داغليش في ملعب (أنفيلد) وراح لحال سبيله ..

حتى عندما حاول ملهمه غريام سونيس مهندس عمليات الوسط في عصره الذهبي، فك طلاسم تلك اللعنة اكتوى بنارها ، لقد حذا حذو الفراشة التي تغريها النار دون أن تدري أن في ذلك هلاكها..

ذهب الليفربوليون إلى قارئات الكف، استعانوا بالكرات البلورية، في محاولة استقراء سر مقاطعة (ليفربول) لبطولة الدوري، وفي كل محاولة يصطدمون بتلك الغرائب التي تغطي الفريق من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ..

لحظة تتويج نجم ليفربول محمد صلاح بلقب أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للموسم الحالي

احتفل نجم ليفربول جون بارنس بعيد ميلاده الخامس والخمسين وسط جماهير (أنفيلد)، ووسط ما لا يقل عن خمسين ألف مهووس بالمدينة الحمراء المغرية، كان جون بارنس هو آخر قائد ليفربولي يرفع آخر ألقاب الفريق في الدوري الإنجليزي، سألوه :

جون .. أما آن لهذه القطيعة أن تنتهي ..؟

أجاب: لست أنا صاحب اللعنة .. صدقوني ..!

سألوه:

من الذي خرب ليالي ليفربول الحمراء، وأعلن الحجز عن الفرح ..؟

أجاب: لست أنا بكل تأكيد ..

سألوه:

أين يكمن لغز اللعنة المستعصية ..؟

أجاب: ليست لعنة .. إنها عقدة ..

سألوه:

جون .. ثمانية وعشرون عاما، والمدينة الحمراء تلعق الصبر، إلى متى ..؟

أجاب: لست أنا صاحب اللعنة ..

سألوه:

ومن يحل هذه العقدة أو اللعنة ..؟

أجاب: لا أحد سواه .. وهو وحده من يمتلك شفرة ذلك الطلسم ..

كان جون بارنس يومئ باتجاه الملك (كيني داغليش)، نظرة استعطاف لخصت المشهد الليفربولي الحزين ..

لم يتحدث الملك (كيني داغليش) عن سر اللعنة أو العقدة، لقد اكتفى بنظرة غامضة فيها عمق واضح، ولم تكن الصورة تحتاج إلى توضيح، فالواضحات من الفاضحات ..


اقرأ أيضا: ليفربول يكشف عن خططه استعدادا لموقعة ريال مدريد بدوري الأبطال

كان ليفربول حتى منتصف الثمانينات سيد القارة العجوز بلا منازع، لا أحد يتجرأ على كتيبة (بيل شانكلي وبوب بايزلي وجو فيغان)، الثلاثي التدريبي الذي صنع ربيع ليفربول من منتصف السبعينات حتى منتصف الثمانينات، فجأة وقع البلاء وحلت الكارثة، أو بصورة أدق حلت اللعنة واستحكمت حلقاتها ..

كان يا ما كان .. في ذات صيف ساخن .. وتحديدا يوم التاسع والعشرين من مايو من العام 1985، وعلى ملعب (هيسيل) في العاصمة البلجيكية (بروكسيل)، تسبب (الهوليجانز) الليفربولي في إزهاق 39 روحا من أنصار فريق يوفنتوس الايطالي، على خلفية اللقاء الختامي لبطولة أبطال أوروبا ..

هناك وتحت سماء تخضبت بحمرة الضحايا سجل الفرنسي البارع ميشيل بلاتيني هدف النصر في شباك الحارس البهلواني بروس غروبيلار من ركلة جزاء غير صحيحة ، جاد بها حكم المباراة لترتاح ضحايا ذلك اليوم الأسود .. وعاد فريق ليفربول إلى إنجلترا مكللا بعار مشاغبيه (أولاد الأبالسة)، وكانت تنتظره مفاجأة قاصمة للظهر ..!

لقد أعلنت المرأة الحديدية (مارغريت تاتشر) رئيس وزراء بريطانيا عن إعادة المارد الأحمر إلى قمقمه، وأغلقت عليه بالفلين العتيق، هربت بالمفاتيح ولم ترشد أحدا أين وضعت مفتاح اللعنة أو العقدة..؟

ظهرت (تاتشر)، أو المرأة الشريرة كما يحلو لعشاق ليفربول تسميتها، كادت صورتها تلتهم الشاشة البلورية، وهي تتمتم ببضع تمائم، قبل أن تفجر غضبها في جملة، اهتزت لها كل مدينة ليفربول ..

( اللعنة عليك يا ليفربول) .. جملة تفوهت بها (تاتشر) وهي تؤسس لعقاب، تطاول ليله على مدينة ليفربول، كما تطاول الليل على امرئ القيس..

ظهرت (تاتشر) بوجه محتقن، وعينين يتطاير منهما (شين) الشر، و(شين) الشيطنة، كاد وجهها الكمثري يخرج من البلورة الفضية، وهي تعلن الحجز عن الفرح (الأحمر)، ومنع الفريق العتيق من التحليق أوروبيا، بدأ القرار مثل (تسونامي) جرف في طريقه كل عملات ليفربول، أصبح ممنوعا من التحليق في سماء أوروبا، وتساءلت (تاتشر) وهي توقع فرمان العقاب :

جمهور ليفربول المخمور يحتسي الجعة حتى الفجر، فكيف ستكون رائحة فمه عند المساء ..؟

كان العويل يغطي أوروبا جراء ذلك اليوم الدموي الأسود، الأكثر مرارة في تاريخ بطولات دوري أبطال أوروبا، كانت جثث الضحايا الطليان تملأ مدرجات ملعب (هيسيل)، ووسط كل تلك الأشلاء والدماء الإيطالية التي سالت وفاضت كان لا بد من عزل ليفربول عن أسرة كرة القدم منعا للعدوى..

يومها ظهر (جو فيغان) مدرب ليفربول حزينا ومهموما، كان عليه أن يتوارى ويتبرأ من (الهوليجانز) الأحمر، لقد ألقى بقنبلة كلامية وسط تلك الأشلاء المتناثرة :

“لقد فكرت وقررت، هذه ليست كرة القدم التي نعرفها، أمام هذا المشهد المأساوي لن أرتدي بدلة التدريب ثانية، لقد قررت الاعتزال نهائيا “..!

وحتى عندما قدم ليفربول هدافه الويلزي (أيان راش)، وتنازل عنه لمصلحة يوفنتوس بعد عامين على الكارثة، استقبلته جماهير يوفنتوس بلافتة مؤلمة: ” لن نقبل أن يضم فريقنا قاتلا ليفربوليا “..

غادر (فيغان) مقعده على رأس الإدارة الفنية، واستلم المهام نيابة عنه النجم الأسطوري (كيني داغليش) لاعبا ومدربا، ونجح (الكنج) في موسمه الأول في الجمع بين بطولتي الدوري وكأس انجلترا، في سابقة تاريخية في مشوار ليفربول.


اقرأ أيضا: زيدان يشيد بمحمد صلاح ويكشف حالة المصابين في “الملكي”

وعندما رفع درع بطولة الدوري عام 1990، أعلن (داغليش) الرحيل عن ليفربول، أدار ظهره لملعب (أنفيلد) في ليلته الأخيرة، ثم رفع رأسه نحو الجمهور وهو يردد شعاره الخالد (لن تمشي وحيدا)، وفجأة احتقنت عيناه بالدموع، ومن دون شعور راح يتذكر (مارغريت تاتشر) وقرارها الصادم، ثم

رفع يده اليسرى مودعا الجمهور، وهو يتمتم قائلا :أشعر أن هذه اللحظة هي آخر ما تبقى من ليفربول محليا، شعوري أن هذه اللحظة لن تتكرر على مدى بعيدا..!

إذا كان فوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا قبل 13 عاما قد مثل الاستثناء، فإن الفوز باللقب الخامس أوروبيا في (دراما اسطنبول)، لا يلغي القاعدة التي كرستها (تاتشر).

وحتى عندما رحلت هذه المرأة عن الدنيا قبل أربعة أعوام تنفس جمهور ليفربول الصعداء على أمل أن يبطل مفعول اللعنة، إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث لقد بقي ليفربول في الدوري الإنجليزي ظلا لذكريات بعيدة لا تسكن غير عقول تلك الأجيال التي نجت من لعنة (تاتشر).

نحن الآن على بعد 28 عاما من تلك اللحظة التي رفع فيها نجم ليفربول جون بارنز درع بطولة الدوري، تعاقبت الأجيال على ليفربول لكن أحدهم لم يفك طلاسم تلك اللعنة التي حنطت إنجازات ليفربول، وسمحت للغريم (مانشستر يونايتد) اللحاق برقم ليفربول وتجاوزه أيضا، وعندنا ينظر الليفربوليون إلى الأرقام التي تشير إلى الرقم 18، وهو رقم آخر بطولة دوري حققها، يتحسرون لأن كبير انجلترا اليوم هو (مانشستر يونايتد) بفارق ثلاثة ألقاب..

* عزيزي القارئ، عندما ستجلس وتتسمر أمام الشاشة المحدبة والمسطحة مساء يوم السادس والعشرين من مايو، لمتابعة نهائي دوري أبطال أوروبا بين ريال مدريد الاسباني و ليفربول الانجليزي، ضع في بالك ملابسات ما حدث في ملعب (هيسيل) قبل 33 عاما، وتذكر أيضا أن ليفربول يدفع ثمن تلك المجزرة من تاريخه الذي توارى عن الأنظار، والسبب لعنة امرأة حديدية اسمها مارغريت تاتشر..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى