في زمن الاحتراف.. هل صار الوفاء عملة نادرة؟

كتب- أحمد درعي

اختزنت كرة القدم عبر تاريخها الطويل الكثير من قصص العشق والوفاء بين لاعبين وأنديتهم، فكانت سمة الوفاء ملاصقة لكلّ من بدأ مسيرة وأنهاها مع نفس الفريق، أو انتقل إلى أيّ نادٍ في سنٍّ مبكّرة ورفض مغادرته، مهما كانت الأسباب.

عشّاق روما الإيطالي تغنّوا كثيرا بتجربة فرانشيسكو توتي معهم، والذي كان فتاهم المدلّل حتى آخر لحظات مسيرته، كيف لا، وهو الذي تعلّم أبجديات كرة القدم، صغيرا، معهم، وأفنى مسيرته في خدمة شعار “ذئاب العاصمة”، ضاربا بعرض الحائط كل العروض التي قدّمت لكسب ودّه، حتى ذاك العرض الذي جاءه ذات يوم من ريال مدريد.

نيدفيد، بوفون وديل بييرو، الجميع يعلم ما قدّمه هذا الثلاثي في سبيل قميص يوفنتوس، وحتى عندما اشتدّت الأزمة ونزل اليوفي إلى القسم الثاني في إيطاليا، رفض هذا الثالوث القفز من القارب، رغم العروض من كلّ حدب وصوب، ولم يغادروا الفريق إلا حين اشتدّ عوده من جديد في “السيري آي”.

في برشلونة، ما زالت الجماهير إلى اليوم تتغنّى بوفاء القائد كارلوس بويول، الذي بدأ مسيرته في تسعينيات القرن الماضي معهم، ورفض تغيير قميص الفريق الكتالوني حتى اعتزاله.

مثل هذه الأمثلة كثير، لا يسع المقام لاستحضارها جميعا، لكنّ ما يحصل في عالم المستديرة اليوم، جعل السؤال ضرورة ملحّة، في زمن الاحتراف، هل صار الوفاء عملة نادرة؟ لماذا هذا السؤال في هذا الوقت بالذات؟، الإجابة تبدو واضحة، لا أحد، تقريبا، توقّع رحيل ميسي نحو باريس سان جيرمان، وهو من لم يعرف في أوروبا منذ صغره إلا أسوار القلعة الكتالونية، كتب التاريخ فيها وصنع نجاحاته الفردية والجماعية باسمها، فكان اسما تغنّت به الجماهير صباحا ومساءً وفي كلّ المناسبات، وفي النهاية غادر الأرجنتيني نحو باريس سان جيرمان لأسباب تتعلّق براتبه الضخم مقارنة بميزانية برشلونة، وخلّف ذلك الانتقال خيبة كبيرة في أنفس البرشلونيين مثلما خلّف الغرابة والدهشة عند متابعي كرة القدم.

سيرجيو راموس الفتى الأندلسي الذي وصل من إشبيلية صغيرا نحو مدريد، لم يعرف الأمجاد إلا مع الفريق الملكي، وعاش أوج عمره الكروي هناك، كتب التاريخ وصار من أهم أسطره، لكنّه وفي لحظة مفاجأة، رفض تجديد عقده مع ريال مدريد، وفضّل الخروج نحو باريس.

هناك لاعب آخر في إيطاليا، كان مدلّلا إلى حد كبير مع نابولي، لورنزو إنسيني، عاش أوج عطائه مع فريق الجنوب الإيطالي وتغنّت به وبوفائه الجماهير، إلاّ أنّه رفض تجديد عقده واختار الانتقال إلى تورنتو الكندي براتب ضعف الذي عرضه نابولي.

الأمثلة هنا أيضا كثيرة، وحصرها في هذا المقام يبدو أمرا عسيرا، لكن إجابة سؤالنا يبدو أنّها صارت واضحة المعالم، نعم في زمن الاحتراف، صار الوفاء عملة نادرة إلى حد كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى