إلى “كانو” مع التحية..

بقلم: سالم ربيع الغيلاني

إن المرارة التي كانت تطفح منك وأنت تصف في إحدى الفضائيات العربية الطريقة التي عوملت بها عندما قلت وداعًا بعد ما يقارب الـ٢٠ عامًا من الحضور المتواصل والعطاء الوافر آلمتنا جميعًا؛ فأنت لست أي لاعب ولا أي قائد في ضمير الكرة العمانية؛ أنت مشعل من السعادة والفرح والفخر أضاء أرواح مئات الآلاف من الجماهير العمانية الظامئة لهذه المعاني بعد سنوات وسنوات من الحرمان والانكسار والخذلان، ولكن هذا هو دأب نجوم الرياضة في سلطنتنا يا “كانو” بزوغ، فتوهج، فأفول، ثم تلاشي؛ فلا تحزن.

لا تحزن، لا تغضب، لا تسخط فأنت لست الأول يا “كانو” ولن تكون الأخير؛ فالقائمون على الرياضة في وطني منذ زمن طويل وهم لا يعبؤون بالتضحيات ولا بمن يقدمها، هم في أبراجهم العاجية الشامخة يتربعون فوق مقاعدهم الوثيرة الباردة وينظرون إلى العالم تحتهم فيرون كل من يدب فيه مجرد أقزام لا قيمه لهم ولا يستحقون عناء التفكير بهم إلا بقدر حاجتهم منهم، وأنت يا “كانو” الحاجة إليك انتهت منذ زمن ليس بالقصير، فهل تظن أن حالك سيكون مختلفًا عمن سبقوك؟!

بالأمس كان محمد ربيع أول قائد يهدي الكرة العمانية وجماهيرها فرحة تحقيق إنجازها الخليجي الأول، فأين هو الآن؟ إنا لا نكاد نرى له أثرًا كأنه سحابة بددتها الريح، وقبله كان غلام خميس أول قائد يذيقنا انتصارًا حقيقيًا مشعلاً فتيل فرحة غمرت عُمان من الساحل إلى الجبل ومن السهل إلى الصحراء، ومازالت ريح ذلك الانتصار إلى اليوم تنعش بعذوبتها أرواح من عاصر تلك اللحظات، ورغم ذلك عندما رحل إلى بارئه أبى أصحاب الأبراج العاجية علينا أن نودعه ولو بدقيقة صمت أو شريط أسود لا يكاد يرى بالعين المجردة يرتديه اللاعبون تعبيرًا عن ذلك الفقد الموجع، ولم يكتفوا بذلك؛ فقد حاربوا مشروع إقامة مباراة تكريمية حلم بها طويلاً بعد اعتزاله حتى أجهضوه، فاتحين المجال لدول الجوار لتكريم أسرته والاحتفاء بتاريخه الحافل.

لا تحزن يا “كانو” هذه هي الحقيقة المرة والمملة جدًا؛ لتكرار حدوثها، فقبل فترة استضفت في برنامج “رئيس التحرير” التي أقدمه في قناة توووفه “اليوتيوبية” أحد رموز رياضة كرة القدم الجماهيرية خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي والذي خدمها بعد اعتزاله كإداري باتحاد القدم، أي أنه قضى ما يقارب الـ٥٠ عاما وهو يخدم كرة عمان، لكن عندما آن أوان الرحيل لم يحصل حتى على خطاب شكر من خمسة أسطر.

وبالأمس القريب التقت هامتان رياضيتان كبيرتان جمعتهما نجوميتهما في منتخب العرب الذي كان يُشَكّل في حقبة زمنية غابرة عندما كانت دولنا العربية أكثر تلاحمًا، الأول بات رئيسًا لاتحاد بلاده الكروي والثاني مجرد رقم من الأرقام في مصفوفة التجاهل والإهمال الهائلة في بلده. ذاك اللقاء القصير الذي انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي جمع نجم منتخب العراق حقبة الثمانينيات والتسعينيات عدنان درجال بنجم منتخبنا الوطني لذات الحقبة يونس أمان، كان لقاءً سريعًا لم يجد “يونس” عمان إلا حديث الذكريات لإثارته مع “درجال” العراق الذي تمتلئ جعبته بحكايات الحاضر، فكان لقاءً سريعًا مليئًا بالضحكات وعبارات المجاملة، ولكنه في ذات الوقت موجعًا حد الإغماء. نجمان جمعهما الزمان في ذات حقبة كانت الندية عنوانها ودار الزمان ليجمعهما في حقبة جديدة وبعنوان جديد غاب عن مفرداته مصطلح الندية؛ لأن البون بين النجمين بات شاسعًا للغاية، فالملعب وركل الكرة لم يعودا هما المقياس بعد الآن وإنما المكانة التي منحتها لهما سنوات البذل والعطاء.

نجوم رياضتنا يا “كانو” يعاملون في وطني كمنتجات استهلاكية ما أن تنتهي صلاحية الاستفادة منها حتى تصبح -مع الاعتذار للتشبيه- نفايات ينبغي التخلص منها، رغم أننا نعيش في زمن إعادة التدوير حيث بات لكل شيء قيمة ذات مردود اقتصادي. لذلك لا تحزن ولا تعتب ولا تنتظر أن تعامل معاملة خاصة فأنت ومن يأتي بعدك ستعاملون بالطريقة ذاتها، فهذا دأب مؤسساتنا المعنية وهذه هي عقليتها. هم ينظرون إلينا نظرة المتفضل؛ فأنت تمثل المنتخب لأنهم سمحوا لك بذلك، وليس بسبب موهبتك، وعندما تظهر في محفل ما أو وسيلة إعلامية معينة فهذا أيضًا تفضل من رعاتها عليك، وليس لأنك مصدر جذب جماهيري. هم لا يعدون موهبة الموهوب أو جهد المجتهد نعمة ينبغي شكرها وتكريمها، بل يسعون لاحتواء وهجها وإطفائه ما أن تلوح الفرصة لذلك.
لا تنتظر يا “كانو” من المسؤول التقدير؛ فالعقل الجمعي الرسمي متخصص لدينا في قتل الرموز ومحوها من دفاتره، ولكن اعلم أن رمزية أمثالك من النجوم ستظل زاخرة بالحياة وتضج بها في العقل الجمعي الشعبي وروحه أمدًا طويلاً، فلا تعول على المسؤول وعول على الإنسان البسيط الذي لعبت لأجله، وقطع هو المسافات ليقف خلفك وخلف زملائك مشجعًا ومؤازرًا، سواء كان في الحر أو البرد أو تحت عصف الريح أو زخات المطر؛ هؤلاء لن ينسوك أبدًا، وسيحكون لأبنائهم وأحفادهم عن نجوميتك ونجومية زملائك وما قدمتموه لهذا الوطن من تفانٍ وتضحيات.

لذلك وبلسان كل البسطاء الذين أحبوك وهتفوا باسمك أقول شكرًا لأن نجمًا مثلك ولد في عمان ولعب لها.. شكرًا لِكَمّ الفرح الذي قدمته لنا طوال السنوات المنصرمة.. شكرًا لحضورك الدائم مع الأحمر في لحظاته الحاسمة خلال العقدين الماضين.. شكرًا لك ولزملائك الذين رافقوك في رحلة بناء سمعة الكرة العمانية وتحويل الانكسارات المتوالية إلى انتصارات متتالية.. شكرًا على كل ما قدمت يا أحمد مبارك المحيجري شكرًا يا “كانو” عمان، وآمل من كل قلبي أن نراك حيث تستحق في رياضتنا الوطنية في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى