كتبت- ترياء البنا
لكل هرم قاعدة، ولكل بنيان أساس متين لا يمكن أن يستقيم ويعلو دونه، معلومة بديهية لا نحتاج مهندسا معماريا يؤكدها لنؤمن بها، وهذا ينطبق على كل مناحي البناء في الحياة، بما فيها الرياضة.
بمثال بسيط، هل يمكن أن يصل طالب إلى المرحلة الجامعية دون المراحل السابقة؟، هل يستطيع أحد أن ينكر أن المرحلة الابتدائية هي الأهم في تشكيل عقل وشخصية التلميذ ليصبح فيما بعد إنسانا ناجحا؟، هل يمكن لأي طالب علم أن يتخطى دراسة مرحلة تعليمية؟، بالطبع لا، وهذا ما ينطبق على الرياضة بشكل عام، ولكني هنا أخص كرة القدم.
التخطيط السليم لصنع لاعب متميز( لاعب بطولات)، يبدأ من سن مبكرة جدا، ربما 3 أو 4 سنوات، (على العكس من ثقافتنا)، رغم أننا نمتلك لاعبين ذات موهبة فطرية، تحتاج فقط إلى تنميتها وتطويرها بشكل سليم، وهنا يأتي الدور الأهم: كيف يتم اختيار المسؤولين؟، ليس فقط عن الكرة عامة، ولكن عن المراحل العمرية الحساسة بشكل خاص جدا، والتي تعد نواة العمل الناجح.
حين تضع استراتيجية للحرب يجب اختيار الجنود الأكفأ لضمان النصر، وهؤلاء يتم اختيارهم من بين المئات الذين سبق تأكيد كفاءتهم من قبل متمرسين وخبراء، وفي كرتنا، لم نفتقد فقط الجنود، وإنما نفتقد أيضا للخبراء المتمرسين، لذا فكرتنا تعيش تخبطا على كافة المستويات، والنتائج دليل دامغ على ذلك، على مستوى جميع المنتخبات، فهذا ليس تهجما.
الجميع يتحدث عن مستوى الكرة العمانية، ولماذا لسنا من المرشحين للفوز بكأس آسيا مثلا أو التأهل إلى نهائيات كأس العالم؟، ويشتد الهجوم على المدربين والإساءة للاعبين، دون الالتفات إلى ما يحدث في الواقع، هل حاد هؤلاء اللاعبين عن الخط المرسوم؟، هل تغاضى المدربون عن الاستراتيجية الموضوعة؟، هل فشلوا في تحقيق الأهداف المحددة لهم منذ التعاقد معهم؟ هل توفرت لهم عوامل النجاح ولم يستثمروها لنحكم عليهم بالفشل الذريع؟.
والسؤال الأهم، أين استراتيجية تطوير الكرة العمانية، على المديين القريب والبعيد؟، هل هي أسرار حربية لا يمكن اطلاع الجمهور عليها؟، في جميع البلدان التي تسعى للتطور يأتي المترشحون للمناصب بأجندة معلنة للناخبين وبعد اختيارهم يبدأون تنفيذ خططهم، والتي يكون لها إنجاز ملموس على المدى القريب بتحقيق أهداف أولية، لتتوالى الخطط فيما بعد لإنجاز أسمى، فأين نحن من ذلك؟، وكيف يمكن تطوير الكرة دون الاهتمام بالمراحل السنية منذ الصغر؟،أليس من الضروري الاهتمام بمسابقات المراحل السنية واستحداث بطولات لهذه الفئات واحتكاكات خارجية قوية بما يضمن الاستفادة منها بالشكل الأمثل مستقبلا باعتبارها الأساس القوي الذي نبني عليه مكانتنا الكروية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يتم اختيار مدربي تلك المراحل؟، نحن نأتي بمدربين أجانب يستنزفون اموالنا ولا ينجحون لأنهم إما لا يمتلكون خبرات تدريبية وشهادات، أو لا يعلمون شيئا عن اللاعب العماني، وهنا أثير التساؤل مرارا وتكرارا: لماذا لا تتم الاستعانة بمدرب وطني( ولدينا نماذج لا تحتمل التشكيك في قدراتها)؟، وإذا كان الإصرار على مدرب أجنبي، لم لا يتم اختياره من الدوري المحلي ليكون على دراية كافية ببيئة العمل، ويكون معلوما للجمهور، والأهم للمسؤولين بعيدا عن السماسرة والوكلاء الذين لا يملكون تاريخا جيدا معنا، وهنا يحضرني الروماني كاتلين ميهاي مدرب الرستاق، فقد قضى وقتا طويلا بالسلطنة وحقق نتائج جيدة رفقة الفريق، والأهم أنه يخرج دائما لاعبين صغار جيدين.
الكرة العمانية تحتاج وقفة صادقة من جميع الأطراف، وإذا كنا قد خسرنا ما فات فيجب علينا الآن البدء لأننا لن نتقدم خطوة إذا لم نحدد خط البداية لماراثون طويل يحتاج قبل الجهود للنية الصادقة والصدق في العمل بعيدا عن أية مجاملات، بقطاع لا يقل أهمية عن القطاعات الرئيسة في السلطنة لتحقيق إنجازات تواكب رؤية السلطنة 2040.