نهائي إسطنبول.. وحسرة ميلانو

كتب: أحمد الغزالي

تتعدد الأمثال العربية وتتنوع، فمنها ما كان وليدا لبعض الأحداث والمواقف، ومنها ما جاء على لسان الشعراء، كأبيات سارت بين الناس مضرب مثل، ومن بينهم شاعر المعلقة طرفة بن العبد حين أنشد قائلا في إحدى قصائده:

كُلُّ خَليلٍ كُنتُ خالَلتُهُ لا تَرَكَ اللَهُ لَهُ واضِحَة
كُلُّهُمُ أَروَغُ مِن ثَعلَبٍ ما أَشبَهَ اللَيلَةَ بِالبارِحَة

فمن يتمعن في هذه الأبيات يجد شطرا منها يتردد بين الألسنة أكثر من القصيدة ذاتها، إذ أصبح مثلا تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل، ويُتَمثَّل به كلما تشابهت الأحداث والمناسبات، ألا وهو (ما أشبه الليلة بالبارحة). نعم فما أشبه نهائي (المان سيتي) و(الانتر) بالنهائي الذي جمع (البيغ ميلان) (بالريدز ليفربول)، والذي استضافته اسطنبول على استاد أتاتورك الأولمبي من العام 2005 ذاك النهائي الأسطوري الذي شهدته الأراضي التركية، والملحمة التي كتبت بماء الذهب على سجلات تاريخ الأبطال.

<><><><><><><><><><><><><><><><><>

من بعد ذلك كان من المقرر للأراضي التركيه أيضا أن تستضيف نهائيا آخر للأبطال في العام 2021 ولكن منعتها تداعيات جائحة كورونا من ذلك، ليقرر بعدها (الويفا) نقل النهائي إلى البرتغال، وبالتحديد بورتو، والذي كان نهائيا محليا خالصا جمع (المان سيتي) و(تشيلسي).

وليكون بذلك نهائي 2005 كأول وآخر نهائي للأبطال تستضيفه إسطنبول، وكأنها تنتظر نهائيا بالصبغة نفسها مرة أخرى يجمع ممثل (الكالتشيو) بممثل (البريميرليج).

هذا النهائي الأخير والذي كانت تحوم حوله بعض الشكوك بعدم التنظيم لتوتر البلاد وترقبها للحدث السياسي (الانتخابات التركية). شاءت الأقدار بأن يستقر الويفا على المدينة التركية اسطنبول وتكون على موعد واستضافة مميزة لنهائي التشامبيزليغ لتضرب بعدها إيطاليا موعدا آخر مع إنجلترا وبالمدينة ذاتها، ولكن هذه المرة بين (الانتر والمان سيتي) فما أشبه هذا النهائي بليلة (الميلان والليفر).

نهائي وإن اختلفت فيه المواعيد، وتغيرت التواريخ، وأخذت المباراة (سيناريوها) مختلفة عن سابقه إلا أن الأطراف تظل متشابهة، والأراضي هي الأراضي، ولتصبح إنجلترا مرة أخرى صاحبة النصيب الأكبر، والكعب الأعلى في الظفر بكأس ذات الأذنين، وعلى حساب نادٍ إيطالي آخر، لتتأكد تلك المقولة أكثر فأكثر: (ما أشبه الليلة بالبارحة).

هذا النهائي والذي أقيم في العاشر من يونيو لعام 2023 كان ذا طابع مغاير، ونكهة خاصة، وسيظل عالقا في الأذهان على مر الأزمان، فمن خلاله توج (السيتي) بأول ألقابه، وحفر اسما جديدا تزينت به صفحات الأبطال الأوروبي وسجلاته، وبهذا التتويج أيضا يصبح (السيتي) سادس الأندية الإنجليزية تتويجا بهذا اللقب، وثانيها تحقيقا للثلاثية بعد الجار (يونايتد) في العام 1999.

لا ننسى المدرب والفيلسوف(غوارديولا) الذي قاد (السيتي) في السنوات الأخيرة مرارا وتكرار لمنصات التتويج، حاصدا كل الألقاب المحلية ومستحوذا عليها، ليأتي هذا النهائي متوجا لمجهود استمر سبع سنوات صال وجال فيها، محاولا كسب ود ذات الأذنين، فأبت طوال ذلك حتى أنصفته في نهائي إسطنبول، وبهذا اللقب سطر رقما آخر بصفته أول مدرب يُتَوّج بالثلاثية مع ناديين مختلفين، سبقها في الأولى مع النادي الكتالوني (برشلونة

نهائي إسطنبول كان أيضا بمثابة ترجمة للمقولة الشهيرة على أرض الواقع، وهي (بأن النهائي يُكسب لا يُلعب)، وهذا ما حدث بالفعل، (فالانتر) أضاف رونقا جميلا لهذا النهائي، وأمتع متابعيه وعشاق الساحرة المستديرة بالسيطرة والعزيمة، ومجابهة الخصم (السيتي) هذا النادي الإنجليزي الذي كان على الورق وبين لسان المحللين هو الأبرز والأرجح لنيل اللقب؛ عطفا على ما قدمه طوال البطولة من أداء ونتائج، كانت كفيلة بوصوله للنهائي وباستحقاق، وتخطيه كل المراحل دون هزيمة، إضافة لعبوره وتجاوزه أهم الأندية العالمية، أبرزها وآخرها النادي الملكي، والذي دك شباكه برباعية نظيفة على ملعب الاتحاد، وبسيطرة مطلقة، وقبلها أيضا قد أزاح عملاق ألمانيا (بايرن ميونخ) عن أسوار البطولة، فكل ذلك كان جديرا بأن يجعل من (السيتي) قوة ضاربة، والأبرز لنيل اللقب الأوروبي.

ولكن للنهائيات رأي آخر، وللساحرة المستديرة (كرة القدم) نظريات عدة تتحقق تارة وتارة أخرى تكون العكس، فالكرة لا تعطي من يعطيها دائما، وهذا كان واضحا وجليا مع (الانتر) الذي أعطى كل ما لديه حتى الثواني الأخيرة، وخير دليل على ذلك تلك الفرص المهدرة، والتي ضاعت بين أقدام نجوم (الانتر)، وأولها انفراد ابن الأرجنتين (لوتارو)، والذي جعل (غوارديولا) يثني ركبتيه دون إحساس، يشاهد ولا يعلم ما سيؤول إليه ذاك الانفراد حتى تنفس الصعداء بعد تصدي (إيدرسون) للكرة، فهذه الأولى وليست الأخيرة، وكان للبلجيكي (لوكاكو) نصيب مختلف تماما، حيث كان هذه المرة وكالعادة مساندا لدفاع الخصم ومتصديا لرأسية زميله (ديماركو) بعد عودتها من القائم.
ليأتي (لوكاكو) مرة أخرى ويرفض فرصة محققة كان لها بالإمكان أن تعانق شباك (السيتي) لولا تمركز (إيدرسون) الجيد وسرعة بديهته.

كل ذلك كان كفيلا بأن ينصف (غوارديولا) ويهديه اللقب الثالث له في تاريخه، ويذيق بالمقابل مدينة ميلان الحسرة كما ذاقتها سابقا، فهذه كرة القدم لياليها أحيانا تتشابه مع أمسها، وهي التي تسعد من يعطيها ومن لا يعطيها تارة، َوتمنع الفرحه عن البعض تارة أخرى، ومن يتصفح ماضيها يجد الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى