
توووفه – محمد العولقي
* يخطئ (بيتزي) مدرب المنتخب السعودي عندما يلبس المنتخب ثوبا غير ثوبه ، ويفرض على المنتخب لونا غير لونه ، هذا المدرب يحاول أن (يتفلسف) متجاهلا طبيعة إمكانات اللاعب السعودي ، كما أنه لا يبدو ملما بواقع الكرة السعودية في الوقت الراهن، بدليل أنه يلعب بالنار دون أن يضع اعتبارا لتحذيرات الفنان راغب علامة ..
تبدو حجج (بيتزي) قبل أيام قليلة من خوض المباراة الافتتاحية أمام منتخب روسيا في بداية غيث مونديال الدب الروسي غامقة وليست دامغة ، فطريقة اللعب التي انتهجها المدرب اللاتيني في المباريات الودية غيبت الكثير من الحيل التكتيكية ، وخالفت تماما الواقع وقدرات اللاعبين السعوديين الفنية ، وما أخشاه بصدق أن يؤكل (الأخضر) في مونديال روسيا يوم أكل الثور الأبيض ، والسبب الذي يبطل العجب بعد تجاوزنا لشهر رجب أن (بيتزي) لم يقرأ خريطة العلل، ولم يستوعب بعد قدرات اللاعبين في محفل عالمي يتطلب الحيطة والحذر والأنتباه من صغائر الأمور باعتبارها مستصغر الشرر ..
تابعت المنتخب السعودي بدقة في بروفتي بلجيكا ثم إيطاليا ، وجزء” لا بأس به من البروفة الثالثة أمام منتخب بيرو ، ووضعت يدي على قلبي لأن الملخص العام للمواجهات الثلاث على المستوى التكتيكي كان مجحفا وفقيرا بحق قدرات اللاعبين السعوديين مقارنة بقدرات لاعبي بلجيكا وإيطاليا وبيرو المرتفعة لظروف موضوعية وذاتية محفوظة عن ظهر قلب ، بعضها يتعلق بتكوين اللاعب الخليجي ، وبعضها الآخر يرتبط ببيئة احتراف وعقلية نظام كروي مختلف تماما عن واقعنا الكروي ..
يحاول (بيتزي) تطبيق نهج تدوير الكرة ، والاحتفاظ بها في نصف ملعبه، وهذا خطأ تكتيكي فادح ، لسببين :
الأول : يتعلق بتركيبة اللاعبين السعوديين المختلفة كليا عن تركيبة لاعبي أورغواي وروسيا تحديدا ، فرغم تقارب الأداء المهاري إلا أن أسلوب التحضير الكثير والممل في نصف ملعب المنتخب السعودي يفرز عن نشازات في الحلول ، كما يجعل الأنتاج العام سلبيا ، فطريقة (عك .. يعك .. عكا) تحنط قدرات اللاعبين، وتحنط مردود رد الفعل ، وهنا مربط الفرس كما يقول أهل الفقه كرويا ..
والثاني : اعتناق طريقة (التيكي تاكا) تتطلب نوعية نادرة من اللاعبين ، تقل فيها الفوارق وأحينا تذوب عندما يتحول النهج إلى فلسفة عامة يصعب تقمصها ، فما بالك بلاعبي المنتخب السعودي الذين تعصف بهم الفوارق الفنية و التكتيكية والبدنية والنفسية ..
تمعنت جيدا في التجارب الثلاث للمنتخب السعودي ، وهالني أن المنتخب استنسخ الأخطاء ذاتها ولم يتفاداها ، وهنا أسأل سؤالا : أين المدرب (أنطونيو بيتزي) من هذه الأخطاء ؟ لماذا لم يتفاداها ، وقد تكررت أمام بلجيكا وبيرو تحديدا ؟ هل تعمد (بيتزي) مضغ تلك الأخطاء وتكرارها لأنه يعلم أن (جواسيس) مجموعته يترصدونه ..؟ هل ما حدث من تكرار لا يعلم الشطار مجرد طعم وعملية إغراء مقصودة لجرجرة (الروس) إلى لعبة المصاقرة النفسية ..؟
اندهشت حقيقة من الانفصام الفني للاعبين ، فهم قدموا شوطا ثانيا أمام ايطاليا رفيعا من حيث سلاسة الأداء وسرعة التحركات ، ثم تهاوى الأداء أمام بيرو إلى قعر لا مستقر له ، مع أن كل قوانين كرة القدم تحتم أن يلعب المنتخب السعودي أمام بيرو مباراة أفضل فنيا و تكتيكيا من مردوده أمام إيطاليا ، فلماذا هذا الانحدار الفني والتكتيكي رغم أن الأخضر السعودي توفر على برنامج اعدادي شاحن و حافل بالوديات والمعسكرات ..؟
أخطأ (بيتزي) في تطويق عناصره الأساسية ، وأخطأ مرة ثانية عندما لم يمنح اللاعبين جرعة معنوية ترتكز على ثبات في التشكيلة ، ثم كان الخطأ الفني أبعاده للاعب الوسط نواف العابد ، وهو لاعب مهم من الناحية الفنية ولا يعوض ، فهو دفقة شلال في خط الوسط الهجومي ، قد يبدو قزاحا مائلا لكنه ورقة فنية مهمة تصنع الفارق ، بخروج نواف العابد سيفتقد الأخضر السعودي للموجة والعقل المدبر الذي يحرر يحيى الشهري من واجبات كثيرة ..
قد يقول بعض الأعزاء في المملكة أن العبد لله متشائم غراب ، وأنني أنظر إلى نصف الكوب الفارغ فقط ، كان يمكن أن يكون معهم كل الحق لو أن الأخضر مقبل على بطولة آسيوية أو عربية ، لكن عندما يتعلق الأمر ببطولة كأس عالم لا ترحم، الفوارق بين منتخباتها يشيب لها الولدان، فمن المفيد جدا أن ننظر إلى نصف الكوب الفارغ ، حتى نضمن الذهاب إلى روسيا بكوب مليان ثقة وحماس ودون أخطاء كارثية تغتال حلمنا جميعا ..
عندما يصر (بيتزي) على امتلاك الكرة وتدويرها بأكبر قدر ممكن من التمريرات السلبية، فلا معنى على الإطلاق لأن تقيم في وسط الميدان جمركا بشريا ، هذه الجمركة لا علاقة لها بطريقة تدوير الكرة أو تسريع إيقاعها ، كما أنها تحبل بالكثير من الأخطاء الفردية القاتلة والتشنج على مستوى دقة التمرير دون تفادي انقضاض الخصم، ولمن يشكك في كلامي عليه مراجعة أهداف منتخب بلجيكا الثلاثة ، عندها سيصل إلى قناعة مفادها : أن (بيتزي) يلبس المنتخب السعودي ثوبا فضفاضا لا يتناسب مع حجمه الفني والتكتيكي ، مرة أخرى من يشكك في كلامي عليه متابعة مردود المهاجم السريع فهد المولد أمام بيرو ، فقد كان معزولا في جزيرة، ويمشي على مجموعة تماسيح في الهجوم ليوصل وصيته الأخيرة ..
نعم.. حتى وان بدأ المنتخب السعودي حيويا في الشوط الثاني أمام إيطاليا ، وأكثر حركة ونشاطا في وسط الملعب إلا أن عملية النبش الهجومي ظلت خجولة للغاية ، وفي هذا دليل قاطع على أن من مصلحة المنتخب السعودي أن يترك فلسفة الاستحواذ السلبي لمنافسيه، وأن يستخلص (بيتزي) من تجارية الودية طريقة لعب تزاوج بذكاء بين الامتداد والارتداد ، مع أهمية الابتعاد عن التمرير القصير في ثلث الملعب السعودي لتفادي انقطاع الكرات وتحويلها إلى مضادات تنسف البناء الفني دون وعي ..
لقد اثبتت الوديات أن المنتخب السعودي حتى عندما يمر بلحظات انتعاش فإنه لا يهاجم بوعي ولكنه يندفع للهجوم ، وهناك فارق كبير بين أن تهاجم وان تندفع للهجوم، فأنت عندما تهاجم تصنع الفرص من كل الجهات وتتعدد أمامك الخيارات المؤدية لمرمى الخصم ، أما عندما تندفع للهجوم فأنت لا تتعدى عتبة البيت، سبب عدم وجود مصادر تنوع تؤدي إلى انكشاف مرمى الخصم ..
غير معقول أن يستقبل مرمى المنتخب السعودي هدفا كل عشرين دقيقة قبل وبعد ووسط الأكل ، هذا يعني أن المدرب لم يعالج الأخطاء ، ولم يتوصل بعد إلى التشكيلة المثالية التي سيدخل بها قاعة الامتحان الأول أمام منتخب روسيا في افتتاح المونديال ، كما أن سوء تركيز اللاعبين وضعف العامل الذهني وأخطاء التمركز مع سوء التمرير كلها عوامل بحاجة إلى علاج نفسي ومعنوي قبل حلول الامتحان الأول، ولقد قالوها زمان يا (بيتزي) يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان ..
ولكي يأمن (بيتزي) مكر منافسيه في المونديال عليه أولا أن يحصن ثلث ملعب فريقه ، وتنظيفه من كل الكرات أولا بأول ، مع تطبيق نهج الضغط على بناء الخصوم وشل قدرات ومفاتيح لعبهم ، على المنتخب السعودي أن يتعلم فن اللدغ المباغت ، مع ضرورة البحث عن حلول أخرى غير سرعة سالم الدوسري وفهد المولد في العمق ، لابد من صنع الفارق من خلال الاستفادة من التسديد البعيد والركنيات التي تذهب هباء” منثورا لغياب حيلة مفاجأة الخصم ، لا بأس من اعتناق مبدأ عدم المجازفة ، مراقبة الخصم أولا ، جس نبضه واستكشاف نواياه ثم افراغها من محتواها ، بعد ذلك التفكير في البناء الهجومي المرتد الخاطف ، والأهم في وجهة نظري الفنية خروج الأخضر من جلباب الأخطاء الفردية القاتلة ، مع الابتعاد عن التحضير المكثف في ثلث ملعبه ، اللعب بمبدأ الصرامة والأمان كفيل بوضع كل المتغيرات تحت السيطرة ..
أتصور أن هناك الكثير من الفنيين السعوديين في الجهاز الإداري قادرون على مناقشة المدرب ووضع كل النقاط السابقة تحت وفوق الحروف ، ثم إنني طرحت آرائي الفنية حبا في المنتخب السعودي ، فالمنتخب السعودي يمثل كل العرب دون استثناء ، ولن نبخل عليه بالنصح والارشاد طالما وكلنا في الهم واحد ..!