
كتبت- ترياء البنا
مع ما وصلت إليه عجلة الحياة المتسارعة من مظاهر تكنولوجية مرعبة( في انتظار الأكثر رعبا)، لم يعد هناك ما نطلق عليه ترفيهيا، فكل شيء أصبح مدروسا وضعت له الخطط مسبقا ليكون ربحيا، ولا أدل على ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي التي هي بالأصل مجرد وسيلة تواصل للتسلية والترفيه( بكل ما تضمه من يوتيوب، تويتر، انستجرام، فيس بوك، تيك توك، وغيرها الكثير من الحجرات)، فقد أصبحت هذه المنصات الآن مصدرا ربحيا للناشطين عليها.
نعيش الآن الواقع المادي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالمادة أصبحت لغة العصر السائدة، فلا قيمة لشيء حتى ولو كان من قبيل الفكاهة إلم يكن مربحا، فإذا كانت رقعة ذلك الواقع امتدت لأصغر أمورنا، فما بالنا بالأكبر والأهم؟، وهنا أتحدث عن الرياضة، فهي لم تعد منذ وقت طويل مجرد هواية أو تسلية لممارسيها خلال وقت فراغهم، لكنها الآن أصبحت صناعة وركيزة أساسية لبناء اقتصاديات كبرى، توضع لها الاستراتيجيات قصيرة وطويلة المدى، من أجل تحقيق نتائج إيجابية بشكل سريع ومتواتر، هذه الخطط تتغير وتتطور من حين لآخر لتواكب التطورات والتغيرات المتسارعة لنمط الحياة وتطور التكنولوجيا التي لا يأتي صبح جديد إلا ومعه منها الجديد.
أصبحت الرياضة جزءا أصيلا من حياة الشعوب، ليس فقط للمهتمين بها، ولكن لكل أطياف الشعوب قاطبة، ولعل ما وصل إليه هذا المجال شديد التأثير، خاصة على الفئة الأهم وهم الشباب، يعود إلى طريقة تقديمه وعرضه، على اعتبار أنه منتج مثل أي منتج يتم دراسة تسويقه.
كما ذكرت، لم تعد الرياضة تقتصر على ممارسيها، لكنها امتدت إلى الجذور المتجذرة للمجتمعات، بفضل التسويق الجيد لها، وهذا ليس وليد السنوات القليلة الماضية، لكنه ظهر مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نتيجة ما تمتلكه الرياضة من تأثير قوي على أهم فئات المجتمع العمرية، فبدأ العمل عليها كصناعة يجب تأطيرها والعمل على دراستها بشكل مستفيض يضمن تقديمها كمنتج نافع وجاذب في نفس الوقت، وهو ما احتاج بداية إلى الاعتماد على التمويل، لذا تم الاعتماد على رجال الأعمال، ليظهر المصطلح الأكثر تأثيرا فيما أصبحت عليه الرياضة الآن، التسويق الرياضي.
ومع إدراك أهمية مصطلح التسويق، أصبحت له دراسة خاصة به، لإخراج كوادر بشرية قادرة على وضع الخطط وتنفيذها وتطويرها، بما يضمن توفير موارد للمؤسسات، فرص عمل، رفع قيمة المنتجات الرباضية، وغير ذلك من الأهداف من خلال استغلال التكنولوجيا( على سبيل المثال التسويق الرقمي)، من أجل الوصول إلى أكبر قاعدة من المستهلكين، ليصبح المجال الرياضي الآن واحدا من أهم مصادر الدخل لدى العديد من الدول، خاصة تلك التي تتمتع بظروف سياسية واقتصادية مستقرة.
العالم من حولنا يضع الاستراتيجيات الرياضية ويتطور ويبتكر، كانت البداية من دول الغرب التي حققت وتحقق مكاسب مادية بشكل جنوني( مثال ذلك ما نطالعه مع كل ميركاتو لكل الألعاب وعلى رأسها كرة القدم من أرقام مالية)، حتى دنت منا سريعا لنرى المملكة العربية السعودية وسط كبار اللعبة الاستثمارية، في تجربة جديدة لدوري عربي بنكهة عالمية، بخطط تمت دراستها وتنفيذها بشكل يدل على عمل كبير فاق توقعاتنا، فمن منا كان ليسرح بخياله منذ سنتين، حالما برؤية الأسطورة كريستيانو رونالدو يلعب بأحد الدوريات العربية، وأعتقد أنه مهما استقطبت المملكة من لاعبين عالميين أمثال نيمار، بنزيما، كانتي، ماني، بونو، وغيرهم من نجوم الصف الأول، تظل صفقة الدون الأكثر تأثيرا في احتلال الدوري السعودي مركزا ضمن الدوريات الكبرى التي تتم متابعتها، وإحدى أهم خطوات التسويق الرياضي في العالم العربي، حيث نقلت المسابقة المحلية الأقوى عربيا إلى أحد أهم الدوريات على مستوى العالم، علما بأن المملكة لم ولن تتوقف عن التوغل في سلك طرق أخرى غير عقد الصفقات بما من شأنه تسويق مسابقاتها وبنيتها الأساسية ومنشآتها الرياضية، بما يضمن تحقيق أقصى عائد من هذا المجال الهام، لتكون السعودية النموذج الأول عربيا الذي يعلن عن إمكانية تواجدنا ضمن خارطة الكبار، ملوحة إلى أن هناك بلد عربي ثان قادر على تنظيم نهائيات كأس العالم بعد تجربة قطر (السباقة) الاستثنائية، وعلى الباقين الإيمان بأن ما تسعى إليه ستحققه حتى وإن كان اليوم من درب المحال.