
كتب- المستشار نعمان عبد الغني
منذ قرابة 40 عاما بدأ الاستثمار العربي في كرة القدم الأوروبية ووصل بعضه إلى نتائج مرضية مثل ما يحدث في نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، في عام 1983، كان تشيلسي يستعد لبدء رحلته في المستوى الثاني في الكرة الإنجليزية وحينها شهد قميصه الأزرق وضع إعلان أول في تاريخه وهو لشركة طيران الخليج، وبعد 13 سنة اقتنص محمد الفايد فرصة شراء فولهام الإنجليزي بـ6.5 مليون جنيه إسترليني قبل ثلاث سنوات من بدء طيران الإمارات مشوارها لتصبح أكبر رعاة الأندية في العالم.
واتسعت أعين العرب على هذه السوق عندما قرر الشيخ منصور بن زايد في 2008 شراء نادي مانشستر سيتي وتغيير تاريخ الكرة الإنجليزية منذ ذلك التاريخ، ليكون أول خطوات تأسيس سيتي غروب التي تمتلك 11 ناديا حول العالم، وانتقلت ملكية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في2011 إلى شركة قطر للاستثمارات بعد أن أعلن شراء 70% من أسهم النادي العاصمي قبل عامين على إعلان الأمير عبدالله بن مساعد استثماره في نادي شيفيلد يونايتد مؤسس شركة يونايتد وورلد التي بات لديها 5 أندية في ملكيتها ليتبعه المصري عاصم علام الذي اشترى نادي هال سيتي، وفي 2018 أعلن رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس شراءه 55% من أسهم أستون فيلا في خطوة جديدة حينها.
في الأسابيع الأخيرة كانت أخبار صفقات الدوري السعودي تحتل أهم عناوين الأخبار الرياضية حول العالم، مبينة دخول الدوري السعودي منافساً جاداً وقوياً لأهم الدوريات العالمية عموماً والأوربية منها تحديداً، أسماء كبيرة وأندية مهمة ومبالغ كبيرة ومباحثات جادة وعروض مغرية، لكن الموضوع أعمق مما يتم تداوله بشكل مبسط وسطحي ويطارد عناوين الإثارة الصحافية، الموضوع يتعلق بمشروع استثماري حقيقي في قطاع عالمي شديد التنافس، وبالغ الأهمية وذي عوائد في غاية الجدية، دخل صندوق الاستثمارات العامة، الذراع الاستثماري السيادي للسعودية، في أهم استثماراته في مجال كرة القدم الدولية عندما أتم الاستحواذ على نادي كرة القدم الإنجليزي نيو كاسل يونايتد بعد معركة صعبة وولادة قيصرية. فوجئ الصندوق بعد الاستحواذ على غياب أية منظومة أو هيكلة إدارية وغياب تام لأية حوكمة فأقر خطة عمل كان من المتوقع أن تأتي بثمارها خلال فترة أربع سنوات، إلا أنه ومع النتائج الرائعة التي حققها الفريق في الموسم الماضي ووصوله إلى المركز الرابع، وهو أهم مركز يحققه الفريق منذ عقود من الزمن، وكان هذا يعني أيضاً ضمان مشاركة الفريق في منافسات دوري الأبطال في الدورة المقبلة له.
كل ذلك كانت ترجمته نفاد التذاكر المخصصة لمشجعي الفريق للموسم المقبل، وارتفاع مهول القيمة السوقية للفريق بشكل مفاجئ وكبير، وارتفعت مكانته في التصنيف العالمي للقيم التجارية لأهم أندية كرة القدم حول العالم في فترة قياسية قصيرة.
هذا النجاح السريع فتح شهية صندوق الاستثمارات العامة لتكرار نموذج الأعمال نفسه على صعيد الدوري المحلي السعودي، فكان قرار تملك أكبر أربعة أندية ذات الجماهيرية والشعبية الأهم، ومن ثم دعمها برعاة كبار وجهاز تنفيذية مهنية ومحترفة مدعومة بميزانيات غير تقليدية، والهدف هو تعظيم قيمة هذه الأندية بنجوم ومدربين عالميين يساهمون في رفع نسب المشاهدة والحضور الجماهيري وزيادة قيمة وعدد الرعاة، وارتفاع مبيعات السلع التجارية الخاصة بالأندية والدوري وتحقيق اتفاق عالمي كبير جداً، فيما يتعلق بحقوق بث مباريات الدوري السعودي.
وبعدها قد يفتح الصندوق المجال لبيع حصصه في هذه الأندية لمستثمرين عالميين، أو طرح أسهم لها في سوق الأسهم السعودية كاستراتيجية خروج استثماري بعد نضوج الفرصة، وتحقيق العوائد المرجوة وتطبيق الخطة المقررة، ويأتي هذا التوجه الطموح مطابقاً تماماً لتوجه قطاعي السياحة والترفيه الذي يرغب في تكوين قطاع خدمي كبير ومؤثر وفعَّال، ليكون جزءاً حيوياً من الاقتصاد الوطني ككل بحسب رؤية 2030 بطبيعة الحال.
ومع نجاح هذا التوجه الجديد في استقطاب عدد لافت ومهم جداً من أكبر الأسماء في عالم كرة القدم، كان من الطبيعي جداً أن يواجه الصندوق موجة هائلة من النقد من عدد غير بسيط من الوسائل الإعلامية، ولم يتوقف الموضوع عند هذا الحد، بل إن بعض القيادات الكروية في أوروبا طالبت بأهمية «إيقافهم ووضع حد لهم، لأنه يهدد مسابقاتنا الأوروبية» هكذا بصريح العبارة.
الدوري السعودي اليوم ينظر إليه كماكينة اقتصادية مطلوب أن يكون في قائمة أكبر عشرة دوريات حول العالم، وهو بطبيعة الحال سيدخل في منافسات هائلة مع الدوريات الكبرى المعروفة مثل الإنجليزي، والإسباني، والإيطالي، والألماني، والفرنسي، والهولندي، والبرتغالي وطبعا هناك الأمريكي والياباني والكوري الجنوبي أيضاً.
بلغت صناعة كرة القدم العالمية في عام 2022 ما قيمته 3.2 مليار دولار أمريكي ومن المرشح أن تصل إلى 5 مليارات دولار في 2028، بنسبة نمو سنوية تبلغ 4 في المائة، دخول صندوق الاستثمارات العامة كلاعب أساسي في هذا المجال، من المتوقع أن يغير قواعد اللعبة، ويجعل التنافس أكبر وأشد، ويكبر بالتالي حجم الصناعة ككل.