
كتبت- ترياء البنا
منذ زمن طويل غيرت كرة القدم مسارها من مجرد لعبة ترفيهية إلى أهم سلاح للنظم السياسية، والأمثلة كثيرة على ذلك عبر التاريخ، وبالطبع هذا يرجع إلى الشعبية الجارفة للعبة على مستوى العالم أجمع، وهو الأمر المسلم به ولا يمكن لأحد أن ينكره.
ومع التأثير القوي لكرة القدم في اقتصاديات البلدان وسياسات الحكم، تبلور الدور الهام للكرة، وهو ما أكده الفيلسوف الإيطالي ميكافيللي، حين أعلن صراحة، أن من أراد الوصول إلى الحكم فعليه ألا يفوت فرصة استغلال ملعب ممتلئ بجماهير متعصبة تدفعها العاطفة الجارفة، كما أكد ذلك أيضا المؤرخ الأوروجواني إدوارد جاليانو في كتابه كرة القدم بين الشمس والظل، حيث اعتبر الكرة مرآة للعالم.
إن الارتباط وثيق بين السياسة وكرة القدم التي استخدمت مرارا وتكرارا، سلاحا للدعاية السياسية، وتأصيل الانتماء للوطن ومناهضة الحكومات الفاسدة، وحتى تصفية الحسابات بين الكيانات الكبرى، وغيرها من الشعارات التي رفعتها الجماهير بالمدرجات.
وعلى الجانب الآخر فقد أثرت السياسة في الرياضة بشكل كبير منذ وقت ليس بالقليل، فمثلا في مونديال 1938 غاب اسم النمسا والتي كانت وقتها محتلة من قبل الألمان، كذلك غابت إسبانيا عن النهائيات بسبب الحرب الأهلية، وبالأمس القريب قرر الاتحاد الدولي استبعاد روسيا من المشاركة في تصفيات كأس العالم نتيجة حربها مع أوكرانيا، ومن منا ينسى ما واجهته قطر من حرب أوروبية عقب فوز ملفها لاستضافة مونديال 2022، منذ إعلان الفوز في 2010، وهو الانعكاس الجلي لنظرة تلك الدول الدونية لمنطقة الشرق الأوسط، وغير ذلك من الأحداث الكثير والكثير.
اليوم، ووسط ما تعيشه المنطقة من عدوان عنيف يتعرض له أهلنا في فلسطين المحتلة، اتضح الدور الهام لكرة القدم في رسم الإطار الصادق للقضية التي لم يكن يعلم بتفاصيلها معظم شعوب العالم في أوروبا وأمريكا، فظهرت في مدرجاتهم لافتات تدين الاعتداء على أطفال ونساء وشيوخ غزة، وترفض الوجه القبيح الذي أخفته دولة الاحتلال خلف قناعها الزائف، ورغم كل التحذيرات من استخدام أية وسيلة خلال المباربات تدعم أو تناهض أمرا سياسيا، إلا أن الجماهير مضت فيما تفعله، لأنها أصبحت على دراية تامة بالواقع، فكانت كرة القدم الوسيلة الوحيدة التي بينت لنا موقف تلك الشعوب البعيد كل البعد عن سياسة حكوماتها.
ختاما.. الرياضة سلاح مهم وفعال نستطيع من خلاله مخاطبة الشعوب التي أبعدتها عنا السياسات الحكومية، وعلينا استغلالها في مسابقاتنا المحلية وجميع مشاركاتنا الخارجية، وليس منعها، من أجل خدمة أخوتنا وترجمة الغضب والألم والحزن الذي يكاد يفتك بنا جراء ما يتعرضون إليه، ونحن لا نملك من الأمر شيئا.