سيميوني مع أتليتكو مدريد.. دور الملهم لم يعد كافيا

تحليل- أحمد مختار

 

لكن الحقيقة، والله أعلم، أنهم جميعا شاركوا في الوصول إلى هذا الوضع. فلا تُتعِب نفسك يا صديقي في محاولة التوصل إلى معرفة حقيقة ما حدث بالضبط، وهل كان الأمر مجرد استسهال تكتيكي، وميل إلى اللعب على المضمون، أم خيار خططي أثبت نجاعة ملفتة للأنظار، أم مجرد رد فعل وعدم مبادرة، أم دفاع وتأمين ولعب على الأخطاء، أم مهارات ضرورية لتحويل الشق الدفاعي إلى واقع هجومي ملموس؟

لا فرق بين هذه الروايات. المهم أن أسلوب دييجو سيميوني صار ملهما لغيره، وفرنسا المليئة بالنجوم والمهارات والأسماء الرنانة، احتاجت لتعديل استراتيجيتها، وتهذيب أسلوبها، وترك المعسكر اليساري قليلا، في سبيل ميل أكثر إلى التأمين، والإجابة على السؤال، بدلا من كتابته!

مزيد من “السيمونيستا” في عالم المستديرة، سواء عن قصد أو بدون، ولو حتى بإتفاق بسيط في المبدأ، والنية، والإطار العام. كانت هذه المقدمة هي أول تعليق شخصي على فوز فرنسا ديشامب بالمونديال، مع اقتباسها من رواية “باب الخروج”، وتحريفها حتى تكون أكثر اتساقا مع المضمون الكروي.

سيطرت الكرة الدفاعية على الأجواء في السنوات الأخيرة، البرتغال في يورو 2016 مع فرناندو سانتوس، ثم فرنسا في كأس العالم 2018، مع اللعب بخطة قريبة من 4-4-2 ومشتقاتها، فرفاق رونالدو نسخوا خطة أتليتكو، بتواجد رباعي دفاعي ثم رباعي بالمنتصف، وثنائي متقدم بالهجوم. أما ديديه ديشامب فبدأ المونديال برسم 4-3-3، ثم تحول إلى مزيج بين 4-2-3-1 و 4-1-3-2، بعودة جريزمان بين بوجبا وماتويدي، والاكتفاء بثنائية مبابي وجيرو بالهجوم أثناء التحولات.

حتى ريال مدريد نفسه، الفريق الفائز بثلاث بطولات شامبيونزليج في آخر ثلاث سنوات، لعب بطريقة دفاعية صريحة في نهائي 2016 ضد الأتليتي، وعاد لمناطقه بالشوط الأول أمام ليفربول في 2018، فقط 2017 أمام يوفنتوس استثناء بعض الشيء. في النهاية آمن زيدان بأن تأمين مناطقه أفضل طريقة للفوز، ومع امتلاكه لأسماء رنانة هجوميا، ووسط فولاذي قادر على ضبط مجريات اللعب، فإن فريقه هو الأقرب في مباريات خروج المغلوب، عكس البطولات المحلية مثل الليجا، التي تحتاج إلى مستوى ثابت خلال 30 مباراة على الأقل.

سيميوني ليس مؤسس هذا الأسلوب، لكنه أحد أهم مطوريه، من خلال فن التحكم في الفراغات من دون الكرة، وتمرين لاعبيه في أماكن ضيقة بالتدريبات، لإجادة التمركز الإيجابي وتقليل الفراغات أمام الخصوم، مع وضع أكثر من لاعب في وبين الخطوط، لذلك أصبح الطريق إلى مرمى أوبلاك صعبا، ونجح الأتليتي في الحفاظ على شباكه نظيفة خلال مباريات عديدة، لكن من دون فوز بدوري الأبطال. ربما يرجع السبب إلى سوء توفيق في ركلات الجزاء، أو هدف قاتل برأسية راموس في الدقيقة الأخيرة، أو قصور تكتيكي بسيط من سيميوني في بعض المواقف، التي لا تحتمل التردد أو الاكتفاء بالدفاع، وهذا ما يقودنا إلى تحليل الميركاتو الحالي للفريق العاصمي.

“إذا كان لديك مشاكل بالهجوم، عليك النظر إلى دفاعك أولا، وكيفية خروجه بالكرة إلى الأمام”، مقولة تكتيكية سليمة تصف جزءا من مشاكل أتليتكو مدريد بالكرة، نتيجة افتقاده للارتكاز القادر على الاحتفاظ بالهجمة تحت ضغط المنافسين، ولاعب الوسط الذي يمكنه التعامل جيدا أمام الدفاعات المتكتلة، لذلك كان لا بد من التضحية بالقائد العجوز جابي، والتعاقد مع الشاب المميز رودريجو هيرنانديز، لاعب ارتكاز فياريال.

رودريجز مميز بالكرة لأقصى درجة، يجيد التمرير والحيازة الإيجابية، مع قدرته على القيام بالشق الدفاعي كاملا، سواء عرقلة أو افتكاك أو حجز مشروع، ليكون أفضل تعاقد ممكن بالنسبة لسيميوني، حتى يضعه إلى جوار كوكي أو ساؤول بالمنتصف، داخل خطة 4-4-2، بعد الاحتفاظ بنجم الفريق الأول جريزمان، الفرنسي الراغب في صنع ثنائية تهديفية رفقة دييجو كوستا.

أتليتكو فريق يلعب للداخل أكثر، بمعنى عدم امتلاكه لأجنحة صريحة على الخط، أو حتى أجنحة تقطع للداخل، فساؤول نيجويز لاعب وسط من الأساس، وكوكي أيضا ارتكاز أكثر منه جناح، لتكون صفقة الفرنسي توماس ليمار موفقة للغاية، حيث أنه مميز في لعب الكرات العرضية والتمريرات البينية، مع التسديد من بعيد وصنع الفرص سواء من العمق أو الطرف، مع إمكانية التمركز كجناح أو وسط إضافي أمام ثنائي الارتكاز.

الروخيبلانكوس لا يتوقف في الميركاتو، ليجلب جيلسون مارتينيز من لشبونة، البرتغالي السريع أثناء التحولات، والجناح الذي يتمركز على الخط، مع تمرسه في الركض والارتداد لمساندة زميله الظهير، وبالتالي يمكنه التواجد كجناح صريح على اليمين، بينما يلعب ليمار يسارا بين العمق والأطراف، من أجل مساندة كوكي ورودري أو ساؤول في قلب الوسط.

صنع دييجو سيميوني حالة خاصة جدا مع أتليتكو مدريد، حوله من مجرد فريق سيء إلى آخر صعب المراس، وفاز معه بالليجا على حساب برشلونة وريال مدريد في 2014، قبل أن يصل إلى نهائي دوري الأبطال مرتين، ويخسرهم بطريقة درامية أمام الملكي، بالإضافة إلى تتويجه مؤخرا بالدوري الأوروبي، رفقة جريزمان وكوستا وكوكي وبقية أفراد الأتليتي، لذلك احتل الشولو موقعا بارزا وسط عمالقة المدربين، وأصبح أحد الأسماء القليلة الحاضرة دائما في كل استفتاء كروي، سواء مع الفيفا أو اليويفا أو الفرانس فوتبول.

“أن تلعب كرة قدم سهلة هو أصعب شيء ممكن”، يقول كرويف هذه المقولة ليتبعه مينوتي بتصريح آخر للتاريخ، عندما صرح بأن الدفاع أسهل من الهجوم نظرا لصعوبة وضع السؤال مقارنة بالإجابة عليه. وتبدو هذه الكلمات منطقية لوصف حالة سيميوني، فالرجل أوجد نظاما دفاعيا صلبا وممتازا، لكن عندما تعلق الأمر بالهجوم المنظم، سقط في فخ التكرار والرتابة وفقدان التركيز في لحظات الحسم.

جلب أتليتكو أكثر من لاعب هجومي مميز، مثل ليمار ومارتينيز وحتى رودري، بالإضافة لثنائية هجومية لا تتواجد في أعظم أندية أوروبا والعالم، مع جريزمان وكوستا، بالإضافة لدفاع يعتبر الأفضل على الإطلاق، لذلك لا أجد أي عذر لهم هذه السنة، خصوصا أن الدوري الأوروبي لن يكون كافيا، لكن لا يزال سيميوني في حاجة إلى لمحة هجومية أكثر وضوحا، إلى جرأة أكبر في التغييرات، وفراسة حقيقية في قراءة المباريات، عند التأخر في النتيجة أو التعادل أمام خصم يدافع مثله، فهل يتغير الشولو ولو قليلا، أم يكتفي بالتمثيل المشرف، الذي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع!؟

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. مشكلة سيميوني أنه لا يعرف كيف يهاجم.. اترك له الكرة لن يفعل بها شيء
    لذلك إذا واجه ريال مدريد في أوروبا سيخسر.. فرق مثل يوفنتوس ومانشستر يونايتد ستسبب له مشاكل كبيرة.

    تحليل ممتاز خصوصا في جزء كرويف.. بصراحة كاتب رائع

اترك رداً على السيد محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى