كيف أكل (لوبتيجي) يوم أكل الثور الأبيض ..؟

 

تحليل – محمد العولقي

ما بال عناقيد الغضب المدريدي تتساقط على رأس المدرب المخلوع (لوبتيجي) بغزارة أمطار صيف الأندلس ..؟
هل (لوبتيجي) المذنب الأهم في سلسلة المذنبين الذين مثلوا بجثة عزيز القوم المدريدي الذي ذل ..؟

حسنا، يمكن وضع (لوبتيجي) تحت مجهر المذنبين، لكن ليس قبل أن نعري شخصيته على طاولة التشريح ..

لو فعلنا ذلك بعيدا عن الاستهداف (المشخصن)، ستتجلى أمامنا ثلاث حقائق تشكل شخصية (لوبتيجي) ..

الحقيقة الأولى :

يميل (لوبتيجي) إلى البرود الذي يصل حد التجمد، شخصية مثلجة تتفوق على برود الإنجليز أنفسهم، ومن الطبيعي أن يسيطر البرود على تعاملاته وعلى قراراته، يبدو برود (لوبتيجي) مستفزا للاعبي ريال مدريد، ولعل هذا البرود ساهم بشكل أو بآخر في تراكم الزوابع ضده قبل أن تتحول إلى عاصفة، لم تبق ولم تذر ..

الحقيقة الثانية :

تلقائية رد الفعل في كثير من الأوقات تدل على أن شخصية (لوبتيجي) لا تقيم وزنا للعامل النفسي، ولا غرابة عندما يشعر اللاعبون أن مدربهم يبدو مثل أي تمثال رخامي لا يهش ولا ينش، حيث يترك للآخرين حرية رد الفعل ..

الحقيقة الثالثة :

شعور (لوبتيجي) بعقدة النقص حيال تعامله مع النجوم، ثم السير قدما مع أفكار اللاعبين وليس أفكاره، كانت المحصلة أن (لوبتيجي) كما لو أنه ذلك الغراب الذي قلد مشية الحمام فنسي فيما بعد مشيته ..

 الطبخة المحروقة ..

الخطأ الأول في سلسلة أخطاء (لوبتيجي) بدأ مبكرا للغاية، فبعد خسارة الريال للسوبر الأوروبي أمام الجار أتلتيكو مدريد، بدا وكأن أعراض (اللامبالاة) تتوغل بسرعة في عمق الريال ..

كانت هذه المباراة تحديدا هي من فرملت أعصاب المتطلعين للفرحة، للتوضيح أقول : “تعامل (لوبتيجي) مع الريال بنفس عقلية تعامله مع منتخب إسبانيا”..

وقع (لوبتيجي) في خطأ مزدوج عندما ظن أنه مجرد (مرشد) للفريق، مهمته تنحصر في وضع التشكيلة، ثم تسليم كل مقاليد الأمور للاعبين أنفسهم ..

لا يمكن لعين أي خبير أو حتى غفير أن تخطئ تمازج الألوان داخل الملعب، كانت الفوضى العارمة تستوطن باطن وظاهر الريال، والسبب ببساطة يكمن في أن الريال كان يلعب بلا قائد حقيقي على دكة الاحتياط.

ظل (لوبتيجي) يتفرج على طبخته المحروقة وكأن الأمر لا يعنيه، لم يراع مقادير الطبخة جيدا، ولم يكن ماهرا وهو يتحول دون وعي من مدرب لأكبر فريق في العالم إلى معجب يصفق للاعبين بوداعة طفل يرى كل هذه النجوم ﻷول مرة ..


      
 سد لوبتيجي المنيع ..

ظن (لوبتيجي) أنه مثل (ميداس) بلمسة واحدة يستطيع تحويل الأشياء التي يلمسها إلى ذهب، ثم كان الخطأ المركب أنه حافظ على استراتيجية زيدان في نظام اللعب ..

عندما بدأ (لوبتيجي) مبهورا بلاعبي ريال مدريد، كان يترجم حقيقة أنه مجرد متفرج أو مشاهد، لأنه لو كان ضليعا في ميادين الحذق التدريبي، لاكتشف بسهولة نشاز العمق الدفاعي مبكرا، ثم لتيقن أن (كريم بنزيمة) ليس (السوبر مان ) بعد رحيل الملهم التاريخي كريستيانو رونالدو ..

وضع (لوبتيجي) نفسه في مقارنة مع سلفه زين الدين زيدان، كانت هذه المقارنة تمحق شخصيته أمام اللاعبين، لذا ترك لهم الحبل على الغارب، ثم كانت الطامة التكتيكية أن (لوبتيجي) حافظ على هيكل زيدان، لكن (لوبتيجي) قرن هذا الاعتناق التكتيكي لزيدان بالكثير من الأخطاء الفنية والنفسية ..

الواقع أن (لوبتيجي) عرف كيف يتقوقع داخل شرنقة زيدان، تقوقع سلبي لأنه حافظ على الإطار العام، ولم يغير الصورة رغم تداخل الألوان التي كانت تحتاج إلى فرز مبكر حتى لا تتكاثر الأخطاء، وتتحول إلى سد  نفسي يقف حائلا بينه وبين اللاعبين، كالسد الذي شيده (قارون) لعزل قوم يأجوج ومأجوج ..

لوأن (لوبتيجي) تخلى عن هوسه بتراث ريال مدريد السابق، ولو أنه تمعن في حقبة زيدان الخارقة أوروبيا، لفهم أن تسلسل الإنجازات القارية لم يكن صنيعة تكتيكية لزين الريال زيدان، لكنه نابع أساسا من شخصية زيدان القيادية، ومدى سيطرته تماما على غرفة الملابس البيضاء صعبة الترويض ..

صال ريال مدريد وجال في ملاعب أوروبا بالروح القيادية لزيدان وليس بنهجه، فزيدان رغم عبقريته كلاعب كرة لم يأت بجديد على المستوى التكتيكي، ظل ملتزما بشاكلة 4/3/3  وأحيانا كان يمنحها نفسا إلزاميا بالتحول إلى شاكلة 4/4/2، لكن الحقيقة أن شخصية زيدان القيادية هي من كانت تصنع الفارق وليس أسلوب أو نهج اللعب، وطبعا بدعم مباشر وخارق من الهداف المستحيل كريستيانو رونالدو، والذي كان يبرز دائما في الليلة الظلماء لزيدان ..

نفس الأخطاء الدفاعية التي ضربت الريال في مقتل مع (لوبتيجي)، كانت في الأصل تركة ورثها الرجل من زيدان، كانت الكارثة أن (لوبتيجي) لم يعالج ضعف العمق الدفاعي، ولم يتبن نهجا تكتيكيا جديدا يختزل هذه الأخطاء الكارثية، بل إن الرجل تبنى هذه الأخطاء في الوسط والعمق الدفاعي وضاعف من تناسلها ..

فلسفة تدوير الكرة والاحتفاظ الزائد بها لا يمكن تجسيدها في نوعية اللاعبين فقط، وإنما في المرونة التكتيكية التي لا تأت بين يوم وليلة ..

حسنا، يستهوي اللعب الهجومي عقلية (لوبتيجي)، فهل يمكن أن يتحقق هذا الزخم دون فلسفة تكتيكية تحتفظ بهوية الفريق ..؟

هل يمكن لأي فريق تقمص أسلوب برشلونة دون الالتفات إلى تراث الماضي ..؟

كان في وسع (لوبتيجي) قراءة إمكانيات عناصره أولا، ثم كان عليه تطويق أسلحته التي ستحقق له مبدأ الكثافة العددية المقرونة مع الحلول الهجومية الدفاعية، وللأسف تخطى (لوبتيجي) كل تلك البديهيات البسيطة معتمدا على رأس الهرم لا قاعدته ..

 فلسفة بلا تجويع ..

ليست المشكلة في عمق وجوهر الشاكلة، مهما بدت لنا تقليدية جربتها الكثير من الفرق، لكن مشكلة شاكلة 4/2/3/1 أنها شاقة على مستوى الارتداد الدفاعي ..

لا بأس، فريال مدريد حقق بعض السطوة على مستوى الاستحواذ، لكنه بكل أسف استحواذ دون رد فعل، هذا لأن الفعل في الأصل ظل محنطا عند (لوبتيجي)، نفس الملامح .. نفس الأخطاء .. ثم تراكم في العقم الدفاعي والهجومي .. كلها أعراض توحي أن ولع (لوبتيجي) الهجومي لا يتناسب تماما مع مزاج لاعبي ريال مدريد ..

لم يكن الريال بحاجة إلى أسلوب لعب في المقام الأول، كان يحتاج في الأساس إلى ملهم خارج الملعب، يبث الحماس وينفخ في روح فريق بدأ متشبعا بما حققه من مجد مع زيدان ..

كنت أول من طرح الجانب التكتيكي للمدرب (لوبتيجي) على الرف، فقد كنت مثل غيري من المحللين نرى أن أول مهام (لوبتيجي)  إشعال جذوة التنافس بين اللاعبين، وخلق الكثير من الحلول لمعالجة داء العمق الدفاعي، لكن الإشكالية التي تجاهلها (لوبتيجي) أنه تسلم فريقا متخما بالإنجازات القارية الكبيرة، وكان يفترض على (لوبتيجي) البحث عن حبوب فتح الشهية، ومن ثم تجويع اللاعبين، بعدها يمكن له البحث عن نهج تكتيكي يستوعب فلسفته حتى ولو كانت هذه الفلسفة دخيلة كليا على تراث ريال مدريد ..

كريم بنزيمة .. رأس حربة المأساة المدريدية ..

ترى كيف يرتكب (لوبتيجي) حماقة اللعب المفتوح دون ضوابط تكتيكية تخدم نهج وشخصية الفريق ..؟
ثم ما جدوى الرهان على الرواقين فحسب ؟
أين الحلول المباغتة من العمق ..؟
أين التسديد البعيد المركز الذي يعد الوجه الآخر لأي عملة تكتيكية ..؟

لم يفعل (لوبتيجي) خطوط الفريق، لم يشحن خطوط فريقه بعناصر حماسية قلبها على كبرياء بطل العالم، ولم يحم أنفاس إطاره التكتيكي بغطاء نفسي خصوصا وأن اللياقة المعنوية للفريق تحت الصفر، والسبب أنه غامر بالاعتماد على عناصر صدئة معنويا، لا تمتلك مرونة رد الفعل دون عامل تحفيز خارجي يحرك فيها هرمونات الغيرة والتحدي ..

و تابعوا هذه الحقائق :
–  كريم بنزيمة لم يخرج من متاهته الهجومية، ظل كما هو مجرد ساعي بريد وظيفته إيصال الكرة دون إنهاء الهجمة، لم تعد أسطوانة بنزيمة مناسبة اليوم للحديث عن دوره التكتيكي في فتح ممرات العمق أمام القادمين من الخلف، هذه الأسطوانة كانت مقبولة أيام رونالدو الذي كان يغطي على الكثير من عيوب بنزيمة ..

–  كانت كل المؤشرات تشير إلى أن بنزيمة تآكل هجوميا، ولم يعد في وسعه أن يتذكر خريطة الطريق نحو المرمى، فقط (طالع مع الطالعين .. نازل مع النازلين)، وبدلا من جلب مهاجم بقيمة الريال ليكون متمما للهجمات، كان (لوبتيجي) يخضع لرغبة (بيريز) في أن بنزيمة لا يمس مهما كان مستواه ومردوده داخل الصندوق ..

حتى عندما ضرب (بيريز) بكل المعادلات عرض الحائط، وهو يصر على استعادة (ماريانو دياز) من ليون الفرنسي، كان في الواقع يحمي مركز كريم بنزيمة، ويحرضه على إهدار المزيد من الفرص السهلة التي لا يهدرها لاعب في العالم سوى بنزيمة نفسه ..

– الشئ الثابت أن ريال مدريد بدأ الموسم الجديد بلا حافز، عندما رحل زيدان قل منسوب الحافز المعنوي، ومع قدوم (لوبتيجي) اضمحل هذا الحافز تماما، يمكنك أن تبرهن على كلامي برغبة (لوكا مودريتش) في الرحيل إلى إنتر ميلان، رغبة جامحة تؤكد أن الريال معنويا بلغ حافة الإفلاس ..

– غادر (كوفاسيتش) ريال مدريد متوجها إلى تشيلسي الإنجليزي، هذا الخروج خلق فجوة في خيارات المدرب، فكيف يفرط الريال في لاعب مقاتل وحيوي ويبقي على من هم أقل منه خبرة وموهبة ..؟

– فشل (لوبتيجي) في تكريس منظومة انضباطية داخل الملعب تشد الوثاق التكتيكي، وسط ميدان ضائع تماما، يتمدد دون وعي، ولا يعرف كيف ينكمش لتفادي المرتدات، محاور الوسط مشلولة تماما، لا كروس يؤدي أدوارا دفاعية، ولا مودريتش يفرض شخصيته كصانع ألعاب، يبدو التضارب واضحا بين مودريتش وإيسكو، ولك أن تضيف إلى هذا الهراء دفاعا متهالكا لا يعرف كيف يستر عورة منطقة جزائه ..

–  تصوروا .. ريال مدريد بكل ثقله العالمي لا يمتلك مدافعا احتياطيا لراموس أو فاران، ولا يمتلك بديلا ذا قيمة للظهير الأيسر مارسيلو، مفارقة عجيبة لا نستطيع هضمها حتى ولو اعتبر بعض المهرجين أن ناتشو هو الرجل الخارق الذي يصلح كل ما يفسده عطار ريال مدريد ..

– إذا كان (لوبتيجي) قد تصور أن (جاريث بيل) يمكنه تعويض رحيل رونالدو، فقد شرب المقلب في النهاية، لأن رونالدو تحديدا كتاب من نسخة واحدة لا يمكن استنساخه في ظل تحول الهداف إلى عملة صعبة ..

      * الثور الأبيض ..

تحول ريال مدريد في عهد (لوبتيجي) إلى إسفنجة متشبعة بكل السلبيات والأخطاء الساذجة، ولعل مدرب فريق ليفانتي لم يكن متحاملا على ريال مدريد، عندما قال بعد فوز فريقه على الريال في (سانتياغو برنابيو):

” إذا لم نفز على الريال في هكذا أوضاع ، فمتى يمكننا هزيمته ..؟”

لا شك أن أسبابا أخرى موضوعية وذاتية ساهمت في تقليم أظافر الوحش الملكي الذي روض أوروبا والعالم لثلاث سنوات كاملة، غير أن المتناقضات التي شرحناها في هذا التحليل كفيلة بتوضيح الصورة أمام مدرب الطوارئ (سولاري) حتى لا يأكل في نفس اليوم الذي أكل فيه الثور الأبيض، كما كان الحال مع (لوبتيجي) الكبش الذي قدمه (فلورنتينو بيريز) قربانا لمذنبين قتلوا الريال ومشوا في جنازته ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى