السوبر كلاسيكو.. والوجه القبيح لكرة القدم

 

كتب- يوسف حمدي

بالطبع هناك محرمات في التعامل مع أحد المهووسين بكرة القدم، أبرزها مثلًا سؤاله عن سبب تعلقه بها، أو محاولة الاستفسار عن عشقه المبالغ فيه لأحد أنديتها، أيضًا ثمة أسئلة أخرى كسؤاله عما يعود عليه بالنفع من وراء فوز فريقه، وما الذي يستحق البكاء في حال خسارته، وأخيرًا بالتأكيد أن تطلب منه البقاء هادئًا طوال الدقائق التسعين، أو أن تبلغه امتعاضك من صراخه المتزايد مع كل لقطة لا تبدو لك أنها تستحق كل ذلك.

التنافسية هي أساس الكرة، ووصولها إلى حد الكراهية أيضًا لا ضرر فيه، أن تشعر كمشجع بالسعادة لأن غريمك خسر لقبًا أو مباراة، وتستشيط غضبًا في حال رؤية مشجعيه يحتفلون بلقب، ابتسامة المنتصر في وجه من سقط أمامك، والهروب من الحياة خوفًا من موجات الشماتة بعد خسارة قاسية، وتعمد تذكير صديقك الغريم بخسارة فريقه دومًا، وقدرتك الهائلة على تفادي ذلك في حال حدوث العكس، من أخبرك أن كرة القدم من الممكن أن تلعب بدون كل ذلك إما يدعي المثالية وإما يتحدث عن لعبة أخرى، هما احتمالان لا ثالث لهما.

لا أحد يحب الكرة الباردة، ولسنا من هواة الحيادية، ولدينا من الجنون ما لا يفهمه إلا نحن، كل ذلك نفهمه في إطار عدم إخراج كرة القدم من إطارها الحقيقي، ولكن هذا يعد منظورًا واحدًا للإطار الحقيقي لها، وثمة مناظير أخرى حول كونها صاحبة القدرة الأكبر على الحشد، والمعلم لكيفية الانتماء والحب وما إلى ذلك، وكون رسالتها رسالة تجميع لا العكس، وأن كل ما سبق ذكره يتم في إطار التنافسية فقط، حتى وإن وصل إلى حد الكراهية فهي كراهية تنافس ليس إلا، أكره أن أرى غريمي فائزًا، ولكنني لا يمكن أن أكره رؤيته حيًا، هنا تنتقل الأمور إلى سياق آخر لا يقبله إنسان، حتى وإن قبله بعض البشر منزوعي الإنسانية.

هذه كانت مقدمة للحديث عما سُمي بنهائي القرن، نهائي كوبا ليبارتادوريس بين يوكا جونيورز وريفيربليت، النهائي الذي يلعب للمرة الأخيرة بنظام مباراتي ذهاب وإياب، قبل تطبيق النظام الجديد بداية من العام المقبل بأن تكون المباراة النهائية عبارة عن مباراة واحدة، تلعب على ملعب محايد يتم تحديده قبل بداية البطولة تمامًا كما يحدث في أوروبا.

نعود هنا إلى بطلي القصة، العداوة بين البوكا والريفير تمتد إلى جذور طبقية، حيث إن نشأة كليهما ترجع إلى حي لا بوكا، ريفيربليت تم إنشاؤه عام 1901 نتيجة لدمج فريق سانتا روسا مع فريق الهواة روساليس، وفي عام 1931 بدأ ريفيربليت ممارسة كرة القدم بشكل احترافي، ليتلقى بعدها دعمًا من أغنياء الأرجنتين انتقل على إثره من حي لا بوكا إلى حي نيونييز، ليتحول بهذا إلى نادي الأغنياء ويصبح ملعبه رسميًا هو ملعب مونيمينتال الذي أصبح معقل الفريق منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

البطل الآخر للقصة فريق بوكاجونيورز فقد تأسس على يد 6 شبان إيطاليين مهاجرين كانوا يعملون بالقرب من حي لا بوكا، وكان هذا سبب تسميته بنادي الفقراء، وما جعل مشجعيه يتهمون نادي ريفيربليت بالنرجسية بسبب انتقالهم من حي لا بوكا إلى حي راقٍ، ومن هنا بدأت العداوة التي ظلت تتزايد يوما بعد يوم.

من المنطقي أن تتزايد العداوة إذا تجمعت كل هذه الظروف، بلاد مجانين كالأرجنتين وغريمين تقليديين يستمران في المنافسة، وصراع طبقي يترسخ جيلًا بعد جيل، لينتقل الأمر إلى خارج حدود نهر لابلاتا وحي لا بوكا ويصل إلى كل شب في العالم، ويصبح اللقاء الذي يجمع بينهما معروفًا بالسوبر كلاسيكو، المباراة التي احتلت مكانتها ضمن المباريات الأكثر متابعة حول العالم.

وبما أننا جزء من العالم، فكان لابد لعدوى السوبر كلاسيكو أن تصبنا، هنا في الوطن العربي الذي أصبح يتغنى بكل ما هو عنيف، ليس وحده، نعلم أن العالم كله يفعل ذلك، ولكنهم يفعلوه فيما يخصهم، أما نحن فنحب مافيا نابولي وعنف إيطاليا وشغب أمريكا الجنوبية وأي شيء من هذا القبيل، في الأيام الأخيرة ترى الجميع يتغنى برفض الحكام إدارة نهائي القرن، هو حدث يرفع من الأدرينالين بكل تأكيد، ومقتل صحفي لمجرد أنه اقترح إقامة المباراة بدون جمهور أمر يدعو للإعجاب أيضًا، ومقتل 17 شخصًا في أحداث شغب جماهير ريفيربليت بعد هبوط فريقهم للدرجة الثانية ممتع أيضا..

الدماء والدمار والشغب أصبح جزءا لا يتجزأ من الكرة لمجرد أنها لعبة تنافسية، وأنه في حال امتعضت من هذا ستصبح ضد التنافسية، فقط لأنه في زمن أصبحت فيه الأخطاء التحكيمية والادعاء والتمثيل والعنف والإصابات الخطيرة والغش والخداع وما إلى ذلك شيئا من متعة اللعبة، فمن الطبيعي أن تكون الدماء والجثث مكملا لتلك المتعة، أليس كذلك؟

في الحقيقة كرة القدم أكثر من مجرد لعبة بالفعل، هذا لا يرجع بالطبع لأن الدماء أصبحت تسيل بسببها في سبيل إسعاد بعض الحمقى، ولا لأن نهاية مسيرة لاعب أضحت خبرا مفرحا للبعض، ولا لأن حجم التلفيات والتهديدات بالقتل يضيف مناخا تنافسيا، في الحقيقة التاريخ الأبيض للكرة يمتد لما هو أوسع من ذلك، والحروب الأهلية التي انتهت على يديها وحضارات الدول التي بنيت بها وحياة البشر التي تغيرت من الشقاء إلى النعيم كل ذلك يشهد، إلا أن هذا الجانب تم تهميشه مقابل كل ما هو عنيف، والحجة طبعا أن كرة القدم لعبة تنافسية، لا مكان فيها للإنسانية وما إلى ذلك من الهراء.

لا يمكننا بالطبع إنهاء حالة العنف من ملاعب كرة القدم، وهذا ليس موضوعنا من الأساس، فقط ما لا نحبه هو الحفاوة بمثل هذه المشاهد، أن تظل تكره منافسك في إطار التنافس، وألا يتوسع ذلك ليصل إلى حد السعادة برؤية الدماء تسيل، لأنه للأسف هذا الجانب سيظل قائمًا رغما عنا، سيظل لصيقا بالكرة حتى وإن كان دخيلا عليها، سيظل وجهها القبيح حتى وإن حاول الحمقى إثبات عكس ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى