أخر الأخبار

إشبيلية مع ماشين.. الفريق الأمتع في الليجا هذا الموسم

 

تحليل: أحمد مختار

نشارة الحياة هي الوقت الضائع الذي لا تهتم به، والفضائل الصغيرة التي قد لا تلفت الأنظار، ولكن هذه النشارة يمكن أن تصنع شيئا جميلا لو أننا التفتنا إليها واستفدنا منها، وصبرنا علي تحويلها إلي قوة تساعدنا علي تحقيق ما نحلم به من أهداف. قرأت هذه المقولة منذ زمن بعيد، وأعتقد بأنها تناسب قصة بابلو ماشين، الرجل الذي قاد إشبيلية لبداية مميزة، بعد مسيرة رائعة رفقة جيرونا سابقا.

لعب ماشين في صفوف نومانثيا سابقا، لكنه أجبر على الاعتزال في سن 23، نتيجة إصابة قوية في الركبة، ليتجه إلى التدريب مطلع الألفية الجديدة، ويقود مجموعة من الفرق الصغيرة، حتى نجاحه في الصعود رفقة جيرونا إلى الليجا، واستفادته من شراكة الفريق الكاتلوني بإدارة مانشستر سيتي، ليحصل على “سكواد” مميز، ويقدم موسم لا ينسى أمام الكبار، قبل أن تلتقطه العين الخبيرة في الأندلس، ويحصل على فرصة لا تتكرر رفقة إشبيلية.

الفرصة تأتي مرة واحدة، هذه علاقة ماشين بإشبيلية. المدرب وجد بيئة مناسبة للتألق، فريق شجاع له صيت واسع، سواء محليا أو أوروبيا. مجموعة لديها صفات مميزة، فقط عانت الموسم الماضي من كثرة تغيير المدربين، والمشاكل الإدارية التي أضاعت الموسم مبكرا، لذلك مع المدير الفني الجديد، أصحبت الأمور أفضل، داخل الملعب وخارجه.

من جيرونا إلى إشبيلية

أسماء مثل فرانكو فاسكيز، بابلو سارابيا، خرجوا من عباءة الضغط العالي الذي ابتدعها سامباولي في الأندلس منذ عامين، لذلك فقدوا ظلهم سريعا بعد رحيله، ليستعيد ماشين بريقهما بأسلوبه القريب من سلفه الأرجنتيني، على الأقل من دون كرة. بينما مجموعة أخرى كبانيجا، وحتى أندريا سيلفا، ووسام بن يدر، كل هؤلاء لديهم القدرة على التألق والإبداع، فقط يحتاجون للثقة المطلقة، وهذا ما توفر مؤخرا، فالارتكاز الأرجنتيني يفعل كل شيء بالكرة، بينما المهاجم الفرنسي يتحرك بذكاء بين الخطوط، أما البرتغالي المطرود من ميلان يبدو أنه استعاد حاسة التهديف في إسبانيا.

خطة إشبيلية هذا الموسم أقرب إلى 3-5-2، لكن كل شيء ينبثق من أسلوب ماشين، الرجل الذي يلعب دائما من أجل المبادرة، ويستخدم عدة عوامل لتنفيذ فلسفته، أهمهما على الإطلاق خلق أكبر كم ممكن من الفرص، بفضل الضغط القوي والمرتدات العكسية، والبناء السريع من الخلف إلى الأمام، مع خلق الفراغ على الأطراف من أجل إدراك التفوق في وبين خطوط الخصم بالعمق.

هذا ما فعله ماشين مع جيرونا بالموسم الماضي، لقد صنع فريقا قويا أمام الكبار، من الصعب هزيمته، ولديه ميزة الاندفاع السريع من الدفاع إلى الهجوم.

سدد جيرونا كرات عديدة على خصومه مع ماشين، لعب الفريق بمزيج من 3-4-2-1 و3-5-2، مع الاستحواذ على الكرة والضغط المتقدم أمام الدفاع المقابل. “ارمي الكرات في نصف ملعب منافسك، واضغط بقوة أملا في قطع الكرة الثانية، أو إجبار المدافع على التمرير تجاه الظهيرين أو المنطقة الضعيفة في إطار مصيدة الضغط”.

مزايا وعيوب

يلعب إشبيلية هذا الموسم برسم 3-5-2 المفضل لماشين، بتواجد ثلاثي صريح بالخلف، ثنائي على الأطراف، ثلاثي متنوع بالمنتصف، وثنائي هجومي. كل ذلك لجعل سارابيا وفاسكيز/ روكي ميسا يضغطان على حاملي الكرة في وسط المنافس.

ويستخدم المدرب ثنائي الهجوم بذكاء، لاعب يتحرك أكثر في القنوات الشاغرة على الطرف، لخلق موقف 2 ضد 1 رفقة الظهير، والآخر يعود للخلف لكي يصبح لاعب وسط إضافي، من أجل تقليل خيارات التمرير أمام دفاع الخصم وارتكازه.

تنوع إشبيلية مفتاح قوته، الفريق يهاجم من العمق والأطراف، يسجل باللعب المنظم والمرتدات. قوي أسفل الأطراف، على حافة منطقة الجزاء، حول دائرة المنتصف، ولديه أظهرة سريعة في التحولات، مع صناعة الفرص وتسجيل الأهداف. ونتيجة لذلك يضم الفريق أكثر من صانع لعب، مع خلق الفرص من أماكن قريبة، والأهم أنه يمنع المنافسين من المرور إلى نصف ملعبه، بفضل منظومة الضغط والعمل الجماعي لمهاجميه، ليس فقط على مستوى التسجيل، ولكن في الافتكاك والعرقلة ومساندة لاعبي الوسط.

بالتأكيد لديه بعض العيوب الواضحة أهمهما إضاعة الفرص السهلة، فالفريق كان يفترض أن يسجل أكثر وفق عدد وحجم وقيمة الفرص التي وصلت للاعبيه، بالإضافة إلى ارتكاب الدفاع هفوات قاتلة حول الصندوق وداخله، بالإضافة إلى وجود بعض الفراغات أثناء فشل منظومة الضغط، سواء خلف الأجنحة المتقدمة، أو أمام الارتكاز الوحيد إيفر بانيجا، إنها المعضلة التي يجب على ماشين حلها في أسرع وقت ممكن.

مدرسة الضغط العالي

ما يميز بابلو ماشين أنه مدرب مبادر، يلعب على الضغط العالي، ومولع بالتحولات والمرتدات السريعة. هو لا يهاب أحد، كبيرا أو صغيرا، من خلال الهجوم المستمر وخلق أكبر عدد ممكن من الفرص، لذلك صنع شيئا مهما مع إشبيلية سريعا، وتحول إلى رسم ثلاثي الخلف، الذي يضمن له بناء أفضل أمام مرماه، ويساعده في تطبيق اللعب المباشر الذي يهواه، بتمرير الكرات العمودية من الخلف إلى الأمام مباشرة، من القلب إلى الوسط، ثم إلى الأطراف، ومنها تجاه المرمى.

بعيدا عن مبادرته، ماشين لديه الخطة ب، فعلها مع جيرونا في أكثر من مرة، وكررها رفقة إشبيلية الآن. يتعامل مدرب سيفييا بعقلية متحفظة، ليشرك ظهيرين على طرف واحد يمينا، والحفاظ على ثنائي يسارا، مع التضحية بواحد من مهاجميه في سبيل ذلك. وفعل ذلك في عدة مباريات، كفوزه أمام ريال مدريد بداية الموسم في البيزخوان.

ليس المهم أن تلعب 3-5-2 أو 4-3-3، الأهم أن تقدم كرة شجاعة، وتلعب بشخصية كبيرة، مع جرأة أمام الجميع. هذه قواعد اللعبة في التكتيك الجديد، وهذا ما يفهمه بابلو ماشين جيدا، لذلك بدأ بشكل رائع مع إشبيلية، ويمكنه أخذ خطوات أخرى، أكثر جرأة مستقبلا، خصوصا إذا قرر الذهاب إلى الدوري الإنجليزي مثل غيره، أو حتى تولي قيادة أحد عمالقة الليجا، لكن عليه أولا فعل شيء كبير في إسبانيا، إما مركز مؤهل للشامبيونز، أو الحصول على البطولة المفضلة لزعيم الأندلس، الدوري الأوروبي هدف رئيسي هذا الموسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى