التكتيك يحكم بوجوه جديدة..عودة “البوكس تو بوكس”

 

تحليل-أحمد مختار

في كرة القدم هناك مقولات لا تنسى، ربما ثلاثة أرباع تلك المقولات، يمكن إيجادها في مقابلة أريجو ساكي مع صحيفة الجارديان منذ سنوات، حينما تحدث عراب التكتيك وصانع أمجاد ميلاد في القرن العشرين مع الصحافي باولو بالديني، في حديث تكتيكي بحت حول أمور عديدة، من بينها الشق الخاص بما أطلق عليه وقتها، إسم “التخصص المميت في الكرة الحديثة”.

وضع حليق الرأس تركيزه على دور كل لاعب داخل الفريق، وهل المدافع يجب عليه أن يركز فقط على رقابة مهاجم الخصم أم يكون له دور في الجانب الدفاعي للفريق ككل.

قبل أن ينطلق إلى جانب تكتيكي آخر، يندرج تحت فكرة تبادل المراكز والتحول من مكان لآخر داخل الملعب، ليؤكد أن الجمود التكتيكي هو السائد في السنوات الأخيرة. وأكبر دليل على ذلك، زيادة المناقشات حول ما إذا كان هذا اللاعب جناح أم لاعب وسط صريح أم ارتكاز دفاعي؟ إن هذه الأسئلة هي أس البلاء للكرة الحديثة وفق رأي الإيطالي .

التخصص قاتل لكرة القدم، يؤكد بائع الأحذية الذي صار مدربا أسطوريا، هذا الكلام حول فكرة تقيد كل لاعب بمركز معين داخل الملعب، ويستعيد الأيام الخوالي في فترة المجد مع ميلان الذهبي، حينما وضع الثنائي فرانك ريكارد وكارلو أنشيلوتي في منطقة الإرتكاز، في طريقة لعب 4-4-2 الميلانية.

وضع ساكي ريكارد المدافع في المنتصف، وجعل أنشيلوتي، الفاشل في قراءة النوتة الموسيقية، لاعبا آخر يجيد فهم الأوركسترا الكروية، ويعرف من أين يأتي التناغم والانسجام داخل المنتصف، لذلك وصل أريجو إلى القمة، ليس بسبب بطولاته، أو أرقامه فقط، فهناك اسماء أخرى حققت بطولات عديدة، لكن لأنه آمن بالمستقبل، وركز على “عولمة” اللعبة، ليتفوق على أقرانه، ويتم تدريس فكره الكروي حتى الآن في أكاديميات ومعاهد التدريب في أوروبا والعالم.

هذه المقدمة لا بد منها من أجل الحديث عن لاعب الوسط الشمولي، وقيمته المحورية في كرة القدم، خصوصا خلال الفترة الحالية، نظرا لندرة المميزين في هذا المكان، وحاجة معظم الفرق الكبيرة إلى أسماء قادرة على شغل مراكز المنتصف كافة، مع كثرة الإصابات وتوالي المباريات والمسابقات محليا وقاريا وحتى دوليا.

يغيب لاعب الارتكاز فيعتمد المدرب على مدافع في مكانه، وأحيانا يتحول من 4-3-3 إلى 4-2-3-1 لوضع ثنائي محوري بالمنتصف. لقد زاد الحديث عن الخطط وطرق اللعب رغم أنها فعليا مجرد أرقام، وتضاعف اللغط حول مسمى المراكز داخل المستطيل الأخضر، وهل هذا اللاعب رقم 6 أم 8 أم 10، مع التأكيد على قيمة كل نجم يجيد التألق في تلك المراكز، لكن يرغب كل “كوتش” في الحصول على ارتكاز شامل، لاعب وسط متكامل، يستطيع التأقلم تحت أي ظرف، ويمكنه النجاح في أي رقعة داخل الدائرة وخارجها.

من بين هؤلاء هناك آلان ماريز لوريرو، لاعب نابولي الذي يقدم مستويات مبهرة منذ فترة ليست بالقصيرة. ويجب القول بأنه صار أفضل هذا الموسم مع أنشيلوتي، ربما أكثر من فترته السابقة، الناجحة أيضا، رفقة ماوريزو ساري. يفعل كارلو مع آلان مثل ما فعله مع لوكا مودريتش في 2014، حينما استخدمه كلاعب وسط صريح في تركيبة 4-4-2، مع غياب لاعب الارتكاز الدفاعي في تشكيلته لفترات طويلة، جنبا لجنب مع الألماني توني كروس.

لوكا، الكرواتي القادر على هزم التخصص في اللعبة، والنجم الذي جمع بين الدفاع والهجوم في توليفة واحدة وقالب مشابه. لقد كانت تلك الخطوة بداية حقيقية لدخول أفضل لاعب في العالم 2018 عالم الكبار، مع دوره المحوري في تحقيق نسختي 2016،2017 من الشامبيونزليج.

وبعد تولي أنشيلوتي قيادة نابولي، ورحيل جورجينيو إلى تشيلسي، لجأ قاريء النوتة إلى التخلي بعض الشيء عن 4-3-3، والرهان على شيء قريب من 4-4-2، مع ثنائي وسط شمولي يدافع ويهاجم. ربما خذله هامسيك بعض الشيء، لكن آلان أنصفه في كل تفاصيل اللعب حتى الآن.

قدم نابولي فترة جيدة مع ساري، مع حصوله على دور لاعب الوسط المساند، أمام جورجينيو وخلف هامسيك، في دليل واضح على كونه همزة الوصل بين الدفاع والهجوم. رقم 6 صريح كما يقول الكتاب، يقدم الإضافة الهجومية المرجوة، سواء على مستوى صناعة الفرص، الأسيست، الأهداف، مع عودته لمساندة زميله الارتكاز، في الافتكاك والقطع وضبط التحولات بالتأكيد. ويملك اللاعب أرقاما متوازنة دفاعا وهجوما خلال الموسم الماضي.

مع أنشيلوتي لم يعد هناك ارتكاز صريح، الفريق يدافع ويهاجم بعدد شبه ثابت من اللاعبين، مع تمركز كابيخون على اليمين، فابيان رويز يسارا، وفي المقدمة ثنائي هجومي متحرك لا ثابت. هنا أصبح دور آلان أكثر قيمة، لأنه لم يعد لاعب الوسط رقم 6 كالسابق، بل أصبح لاعب الوسط الكل في الكل بالتشكيلة، لأنه يعود أسفل الدائرة للخروج بالهجمة من الخلف، مع ميله إلى اليمين لخلق موقف 2 ضد 1 رفقة زميله الظهير، وخلق الفراغ اللازم لانطلاق كابيخون هجوميا.

بالإضافة إلى دوره كلاعب وسط “بوكس تو بوكس”، يصعد إلى الأمام، يمرر التمريرة التي تسبق التسديدة. آلان مميز في التمرير، الناحية الدفاعية، المراوغة، عمل العرقلة، افتكاك الكرات، التواصل مع زملائه، وصناعة الفرص بالثلث الأخير. فقط ينقصه عامل الحسم أمام المرمى، مع قلة أهدافه وعدم ميله إلى التسجيل كغيره من لاعبي الوسط.

لاعب مثل آلان عمره 28 عام، لعب لفترة طويلة في الدوري الإيطالي، وشارك كثيرا بالشامبيونزليج. يمكنه التألق والمنافسة لمدة 3 سنوات إضافية على الأقل، نظرا لقوته البدنية ولياقته العالية، وسعره وفق موقع “ترانسفير ماركت” 50 مليون يورو، مستحقة تماما وفق الأسعار الفلكية الحالية في السوق.

في إسبانيا، انبهر الجميع بمستوى ريال بيتيس المميز ضد ريال مدريد، رغم خسارته في نهاية المباراة بفضل تسديدة سيبايوس. جزء رئيسي من قوة فريق سيتيين يعود إلى مرونة خط وسطه.

كارفاليو ارتكاز مميز، لكن تقول عليه ذلك عندما تشاهده 5-6 مباريات بالموسم، لكن المتابع الجيد لبيتيس يعرف أن البرتغالي لديه “عيوب” قاتلة، في قلة حركته من دون الكرة، تكاسله في الارتداد، وفقدانه للكرات في أماكن خطيرة من مرماه.

يتألق ويليام في المباريات الكبيرة “التي عليها العين” لكن سيتيين تعب كثيرا مع لاعبه الجديد حتى يجعله أفضل من دون الكرة، أكثر حدة في التمريرات العمودية، ولا يفقد الكرات بسهولة عند الضغط عليه.

السر الحقيقي في النقلة النوعية لبيتيس هو لو سيلسو، لاعب الكرة الذكي الذي بدأ مسيرته كلاعب وسط هجومي، ووضعه إيمري كارتكاز دفاعي، ثم أعاده سامباولي في الوديات كريشة مائلة للطرف، واكتشفه كيكي من جديد في مركز “الارتكاز المساند”.

لاعب الوسط الديب لاينج، القادر على مساندة الارتكاز الدفاعي، لكنه مميز جدا في نقل الهجمة من الخلف إلى الأمام، بحركته، سرعته، مهارته، لمسته، ورؤيته الممتازة. صنع سيتيين الـ سيت آب المثالي لنجمه، تواجد لاعب مهاري بقيمة كاناليس أمامه، جناح داخلي مثل خواكين، ومهاجم كروكي متحرك كسانباريا ثم لورين مورون، مع كارفاليو للتغطية خلفه.

لو سيلو أصبح أكثر نجاعة، يسدد، يصنع، يسجل، ويقوم بالفارق. مع أهم ميزة لديه، ألا وهي التحكم في نسق المباريات، متى يُسرع، متى يكون بطئيا، أين يتمركز، كيف يقف من دون الكرة.

لقد أصبح الأرجنتيني بمثابة الترمومتر لبيتيس هذا الموسم، وما قدمه ضد الريال يوحى بأن لديه أكثر من ذلك، مع قوته من دون الكرة، في الارتداد وقطع الكرات، ليقوم بعمل 4 عرقلة مشروعة من أصل 5، مع 5 مراوغات صحيحة من أصل 6، لقد تحسن أخيرا في الجانب الخلفي، ليدخل عالم “الشمولية” من باب الليجا رفقة المدرب كيكي سيتيين في الأندلس.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً على محمد الأهلاوي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى