
تحليل- محمد يوسف
في العصر الذي نملك فيه أطناناً من المعلومات، والمئات من الطرق والوسائل لتحليل مدى جودة أداء أي نادي لكرة القدم الآن، غالباً ما ننسى أو نتجاهل كيف نشعر كمشجعين حول اختلاف نوع وجودة الأداء، والذي لا يمكن قياسه بالأرقام في أحيانٍ كثيرة.
ربما عليك أن تسأل أي من مشجعي برشلونة الآن، حتى لو كان من المبكر جداً الحكم على كيكي سيتين، إلا أن هناك شكل واضح لاختلاف الأداء في المباريات القليلة التي لعبها، وبالمثل يمكنك أن تسأل مشجعي أرسنال ما هو شعورهم الآن بعد تولي أرتيتا الإدارة الفنية للنادي؟
سوف يخبرك أغلبهم، أو ربما جميعهم، أنه مقارنة بالأيام المظلمة الأخيرة لعصر أوناي إيمري، فإن الفريق يظهر بشكل أفضل بكل تأكيد.
عندما تنظر إلى النتائج والأرقام، ربما من الصعب أن ترى ذلك؛ حيث أدار ميكيل أرتيتا منذ توليه المهمة 9 مباريات حتى الآن، فاز في ثلاثة منها، وتعادل في خمسة، وخسر في مباراة واحدة.
إذا نظرت إلى الأمر بهذا الشكل، فلن يظهر تحسناً جذرياً عمّا سبق، ورغم ذلك سوف تخبرك عيناك، وحتى بعض الإحصائيات، أن أداء المدفعجية قد تحسن فعلاً.

اختلاف ملحوظ في الأداء الدفاعي
أولاً وقبل كل شيء، هناك التأمين الدفاعي، والذي يختلف بشكل ملحوظ عن عصر إيمري. بغض النظر عن قوة المنافس، كانت كل الطرق تؤدي إلى مرمى أرسنال بسهولة غريبة؛ على سبيل المثال، كرة طويلة بسيطة تُلعب خلف المدافعين، أو تمريرة روتينية تتجاوز لاعبي الوسط، أو المساحات الشاسعة خلف الأظهرة، ناهيك عن الأخطاء الفردية التي لا يتسع المجال هنا لذكرها، والتي ما زالت مستمرة لكن ليس بنفس المعدل بالتأكيد.
تشعر وأن الفريق تحت قيادة إيمري كان هشاً أو فريق زجاجي، وهي نقطة يمكن توضيحها بتلك المباراة ضد واتفورد في الأسبوع الخامس من الدوري الإنجليزي، حيث كان الأرسنال متقدماً بهدفين دون مقابل في الشوط الأول، ثم بطريقة غير مفهومة تركوا المباراة لـ واتفورد، وسمحوا لأصحاب الأرض بعدد قياسي من التسديدات على المرمى وصل إلى عشر تسديدات، مما أسفر في النهاية عن انتهاء المباراة بالتعادل بهدفين لمثلهما.
هذا لا يحدث تحت قيادة أرتيتا؛ حتى في المباراة التي خسرها أمام تشيلسي، في الأسبوع 20، تلقى الفريق أربع تسديدات على المرمى، وكان أكبر عدد من التسديدات أيضاً في مباراتهم ضد تشيلسي (8 تسديدات)، في الأسبوع 24، والتي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدفين لكل فريق. هل الدفاع مثالي؟ بالطبع لا، لكن هناك تحسن وواضح وملحوظ، برغم استمرار بعض الأخطاء.
المثير للاهتمام هو أن اللاعبين لم يتغيروا؛ مثلاً هناك تغير واضح في أداء قلوب الدفاع بين ديفيد لويز وسوكراتيس وموستافي، والذي كان يجب أن يُطلق الرصاص على أقدامهم في وقت من الأوقات بسبب الأخطاء الكارثية، ما زال موستافي بالطبع ممن يجب أن يُطلق على أقدامهم الرصاص، لم يتغير شيء هنا.
حتى أن لاعب الجناح بوكايو ساكا، الشاب الصغير ذو الـ 18 عاماً، يلعب الآن في مركز الظهير الأيسر، وحتى في مباراة التعادل أمام تشيلسي، بعد طرد ديفيد لويز منذ الدقيقة 26 في الشوط الأول، تمكن لاعب الوسط جرانيت تشاكا من العودة إلى مركز قلب الدفاع وقدم أداءً جيداً.
3 – Bukayo Saka has both scored and assisted in three separate games for Arsenal this season (vs
Eintracht Frankfurt, Standard Liège and today against Bournemouth), no other player has done so more than once for the Gunners in 2019-20. Future. #FACup #BOUARS pic.twitter.com/3fzm8AEPgo— OptaJoe (@OptaJoe) January 27, 2020
تغيير المنظومة والعقلية
بالتأكيد لم يتطور أداء هؤلاء اللاعبين فجأة، وبشكل خاص لاعبي الدفاع، لكن كان المفتاح الرئيسي في هذا التطور هو الهيكل والتنظيم الذي يخلقه أرتيتا، والذي يساعد في ظهور الفريق كوحدة واحدة، بدلاً من مجموعة من الأفراد، الذين لم يعرفوا تماماً ماذا يفعلون أو ما هو دورهم تحديداً على أرض الملعب سابقاً. فالمساحات الآن أفضل، واللاعبون أكثر قرباً من بعضهم، والأهم أنهم يتعاملون مع تلك المساحات أثناء الاستحواذ وبدونه، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على المنافس.
القائد السابق للمدفعجية تولى قيادة فريق منعدم الثقة تقريباً؛ من الصعب دائماً قياس هذه الأشياء غير الملموسة، ولكن كان هناك شيئاً واضحاً للغاية في الآونة الأخيرة: عندما كانت الأمور تتجه إلى الأسوأ في الملعب، كان يصعب على الفريق جداً التعامل معها، لم يملكوا قدراً كبيراً من المرونة، وكان الفريق يتقبل أن النتيجة ستؤول إلى الأسوأ بشكل حتمي، وهو ما كان يحدث فعلاً في أغلب الأحيان.
تحدث أرتيتا في لقائه الصحفي الأول عن تغيير العقلية، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت عدّة أدلة على تطور عقلية الفريق لتصبح أكثر قوة. مرة أخرى في مباراتهم على ستانفورد بريدج، يعود الفريق مرتين من التأخر في النتيجة، رغم أنهم لعبوا لمدة تزيد عن الساعة بعشرة لاعبين، وهو ما يظهر أن أرتيتا قد تمكن من خلق الروح القتالية والتنافسية اللازمة لاستعادة عقلية الفوز لدى الفريق. فالقدرة على التعامل مع أسوأ الظروف، ضد منافس كبير وفي مباراة الديربي، وإظهار قوة الإرادة والعزم على عدم الاستسلام، تبدو كخطوة كبيرة على الطريق الصحيح.
وقد ازدهر الأفراد أيضاً، فضلاً عن التطور الجماعي، مثلاً أصبح لوكاس توريرا الآن جزء هام من منظومة أرتيتا، مع إعادة تأهيل جرانيت شاكا، ويظهر ديفيد لويز الآن كلاعب مختلف، لاعب يتطلع إلى المسؤولية وقيادة الفريق، في حين أن الشباب مثل ساكا وجابريل مارتينيلي يثبتوا جدارتهم بحجز مكان في تشكيلة الفريق الأساسية.
بالتأكيد لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين على أرتيتا القيام به؛ لم يجد الفريق الشكل الصحيح كقوة هجومية حتى الآن، وإيجاد التوازن بين التأمين الدفاعي والهجوم القوي سيكون تحدياً كبيراً بالنسبة لأرتيتا. أيضاً يجب أن يجدوا طريقة لتجنب تلقي الأهداف المتأخرة، وبالتالي خسارة النقاط، ولا يزال الفريق بحاجة إلى بعض التعزيزات في عدّة مراكز.
ومع ذلك، في وقت قصير، وكمدير فني مبتدئ قادم إلى نادٍ كبير وهو يمر بأسوأ فتراته منذ عقود، فإن ما تمكن من فعله أرتيتا كان إيجابياً إلى حد بعيد. ونال بالفعل ثقة المشجعين حتى الآن. قد يكون تغير الأداء خطوة صغيرة للأمام في هذه المرحلة، لكنها بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح للمستقبل.