
كتب: محمد العولقي
غالبا ما تكمن الانتصارات الكبيرة والمتتالية في التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق المعنوي من خارج خطوط التماس، يمكن إسقاط هذه الحقيقة العملية على فريق النادي الأهلي الذي توج ببطولة السوبر الأفريقي للمرة السابعة في تاريخه على حساب نهضة بركان المغربي ..
وإذا كان مدرب الأهلي الجنوب أفريقي (بيتسو موسيماني) قد أخمد بركان نهضة المغرب في الشوط الثاني، ونجح في فك طلاسم خصمه في شوط المدربين، فهناك من خارج حدود الملعب كان الملهم الذي فجر في اللاعبين عيونا ماؤها كالزلال..
الفارق بين الالتزام والفوضى هو النظام الثابت كما ونوعا، والخيط الرفيع الفارق بين النجاح أو الفشل في عالم الساحرة المستديرة هو روح الجماعة والانضباط الإداري، وتلك هي الأساسيات التي أدركها النادي الأهلي منذ ولادته ولم يدركها غيره بعد ولادته..
لقد خفت الحديث في مصر عن فيروس كورونا وإجراءاته الاحترازية، ولم تعد أغنية شعبان عبدالرحيم عن بلاوي الأنفلونزا ذات جدوى بعد أن صار الحديث عن تتويج الأهلي بلقبه الثاني والعشرين إفريقيا هو الشغل الشاغل لأمة مصر هبة النيل..في اللحظة الفارقة التي طوق فيها لاعبو الأهلي عنق رئيسهم الكابتن الخلوق محمود الخطيب بميدالياتهم الذهبية في مسرح الملعب التحفة جاسم بن حمد، أدركت فعلا أن تفاصيل انتصارات الأهلي في المباريات ذات الطابع الكبير تكمن بالفعل في تفاصيل إنسانية خاصة تكشف عن مدى الرابطة الكيمائية التي تجمع اللاعبين بإدارتهم روحا وانسجاما، كما وكيفا وأمور أخرى الإفشاء بها حاليا خيانة للأهلي الفريد من نوعه..
أصبح الحديث عن تلك الصورة الحضارية الرائعة التي انتصب فيها الكابتن محمود الخطيب كتمثال أبي الهول متوشحا بذهب السوبر حديث العالم من أدناه الى أقصاه، وليس في تصرف اللاعبين العفوي إلا اعترافا بالدور الكبير الذي يلعبه الخطيب في حياتهم الكروية الخاصة و المعيشية العامة..
كنت أنوي تحليل طريقة لعب موسيماني وكيفية استبدال الأساليب بخيارات تكتيكية يراها بعض الأهلاوية ناقصة متعة، فيما يراها البعض الآخر هدفا لبلوغ غاية بغض النظر عن المبرر أو الأسلوب، لكن الصورة التي خلدت الخطيب بطلا متوجا للمشهد الأفريقي جعلتني أغير بوصلة مقالتي من ضفة التكتيك إلى ضفة روح الأسرة الواحدة..
دققت النظر في الصورة وفي تقاطيعها وعناوينها فتلمست مجدا ذهبيا أهلاويا يمشي على قدمين، وحينما أصر لاعبو الأهلي على إثقال عنق محمود الخطيب بالميداليات أدركت أنه النموذج الأمثل لكل لاعب أهلاوي يقف على بوابة الألف ميل، ومن يتمعن أكثر وأكثر في تفاصيل العلاقة بين اللاعبين ورئيسهم سيتراءى له على المدى البعيد هذه التراكمات من الأمجاد الكروية التي أصبحت علامة أهلاوية يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل..
وعذرا لصانع الألعاب الحاذق والماهر محمد مجدي أفشة، فالقاضية التي ارتبطت باسمه وصارت غنوة حلوة على الشفاه الحمراء منذ أن استعارها المعلق الكبير عصام الشوالي في ليلة حمراء ساخنة، ليس بالضرورة أن تأتي داخل الملعب وفي الوقت القاتل، فالقاضية أيضا يمكن أن تأتي من كواليس الإدارة ومن حجم التناغم الهارموني بين الأعضاء و اللاعبين.
خذوا مثلا: الكابتن محمود الخطيب قليل الكلام لا يظهر علنا إلا في محافل كبيرة ترتبط بالذهب لا الفالصو، وعندما يهمس بكلمة تخرج الحبة من فمه ضربة قاضية لأحلام المنافسين..
ومحمود الخطيب يمارس القيادة بقريحة حكيم إداري محنك لا يتحدث في المناسبات الكبيرة الا بلغة البطولات والانتصارات والأرقام، يظل الخطيب في الأفراح والليالي الملاح مختلفا عن أقرانه، يحفظ هيبته بمسافات و دهور ، يتواضع مع الوسط الذي يتنفس فيه بتميز نادر، قريب من اللاعبين، يقتسم معهم أفراحهم وأحزانهم، يتعايش مع مشاكلهم ويصغي لمطالبهم بقلب أب يساعد أبناءه على الطاعة، لا يتأفف من شكواهم أو يتذمر من مطالبهم، يشاركهم حياتهم الكروية بكل ما فيها من جزئيات صغيرة، لهذا يقف أمامه اللاعبون ويوفونه التبجيلا قولا وفعلا..
في الدوحة فاز لاعبو الأهلي ببطولتين في وقت واحد، بطولة السوبر السابعة، وبها قلص الأرقام التاريخية مع ريال مدريد إلى رقم يحمل فانلة أسطورته محمد أبو تريكة، وبطولة الأسرةالمثالية التي ترجمها اللاعبون إلى رد فعل يستحقه الكابتن محمود الخطيب ومجلس إدارته وجمهوره الوفي وقود الأهلي في كل المسابقات و المناسبات..
لم يتبق أمام الأهلي سوى بطولة السوبر المصري ليحكم قبضته الحمراء على كل بطولات الموسم، وطبعا سيقلب اللاعبون صفحة الخماسية بحثا عن خماسية أخرى تبدأ عمليا من مواجهة الترجي التونسي في نصف نهائي دوري الأبطال، أما الدوري المصري فلن يشكل له عقبة لأن الأهلي يملك مصيره بيديه حسابيا، وتلك قصة أخرى يحق للاعبي الأهلي إعادة صياغتها بأقدامهم أو كما يحلو لهم، وكل سوبر تاريخي و الأهلي يغرد مع خطيبه المفوه وحيدا على القمة الأفريقية ..!