برشلونة – ليفربول .. الجزئيات الصغيرة الطريق المؤدي إلى المترو بوليتانو ..!

تحليل- محمد العولقي

قبل انطلاق ساعة صفر مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بين برشلونة الإسباني وليفربول الإنجليزي، كثر الحديث عن مصطلح الجزئيات الصغيرة التي ستلعب عليها المباراة المرتقبة في الليلة الأوروبية الكبيرة.

محمد صلاح

يبدو مصطلح الجزئيات الصغيرة ينطبق تماما على حساسية المباريات القوية التي تتساوى فيها حظوظ الطرفين ، فتكون الغلبة في نهاية السباق لمن يحسن الاستفادة من الجزئيات الصغيرة التي قد تأتي من لاعب أو مدرب.

ستكون مباراتا برشلونة وليفربول (ذهابا و إيابا) فرصة سانحة لنتمعن في تلك الجزئيات الرفيعة التي قد لا نراها حتى تحت الميكروسكوب، لكن صناعة هذه الجزئيات لن تخرج عن نطاق المدربين يورغن كلوب و إرنستو فالفيردي على الورق.

أما من ناحية الرسم الميداني فلن يأتي بتلك الجزيئات الحاسمة سوى المبدع الساحر ليونيل ميسي من برشلونة وثلاثي الخط المائل في ليفربول الأقوى أوروبيا محمد صلاح وسيدو ماني روبيرتو فيرمينو.

كلوب وفالفيردي .. تكتيك شطرنجي ..

كلوب

حسبي أن معركة كامب نو ستكون تكتيكية، وربما مباراة خاصة في الحذق التدريبي بين فالفيردي وكلوب، سيكون الفيصل فيها للمدرب الذي يحسن ترتيب أوراقه حسب شاكلة لعب يجب أن تتدعم بحصانة ذهنية، لأن الخطأ في المباريات الكبيرة المتكافئة ممنوع أيها السادة.

نظرة بسيطة على نمط المدربين ظاهريا طبعا، تبدو شخصية الألماني يورغن كلوب أكثر تأثيرا، ليس على مستوى التكافل الفردي والجماعي فقط، ولكن على مستوى الفطنة التكتيكية التي تذهب بالبطنة.

ربما يخفي فالفيردي شخصيته في غرف الملابس، هذا اعتقاد يحق للمدرب تحريكه إن شاء في مثل هذه المباريات، ومع ذلك فإن إجماعا في برشلونة على أن فالفيردي يستمد هدوئه على الدكة من ميسي الحاسم الذي يغير من رسم المباريات، بعيدا عن واقعية فالفيردي نفسه.

ولكي يجتاز برشلونة عقبة ليفربول الصعبة فإنه في أمس الحاجة لعقلية مدرب في المقام الأول وليس عقلية لاعب يتأثر بمحيط المباراة، حتى لو كان هذا اللاعب هو ميسي بشحمه ولحمه.

فالفيردي

أزعم أنني أتكئ على خبرة فنية في دراسة أساليب اللعب، تسمح لي بتقسيم مباراة الكامب نو إلى محورين:

الأول: يختص بالمدربين كلوب وفالفيردي ، فهما أمام مباراة شطرنجية تدار على رقعة فيها الكثير من همس البيادق ، ستكون المباراة فرصة المعرفة المدرب الذهب من المدرب الفالصو.

الثاني: نزاع فني وذهني بين ليونيل ميسي ولاعبي ليفربول، قد لا تبدو حسبة عادلة (لاعب مقابل فريق) لكن أيام برشلونة الملاح أكدت لي أن برشلونة هو ليونيل ميسي، فهو صاحب أكبر تأثير فردي على الفريق من جميع اللاعبين في العالم كله..

قد يتبادر إلى أذهانكم أن إيقاف لاعب واحد عملية سهلة وفي المتناول، لكنها مع لاعب ساحر مثل ميسي لا يتقيد بمركز إشكالية معقدة للغاية.

زئبقية ميسي .. قوة ضاربة لنظام برشلونة 

إحصائيات ميسي في مواجهة مانشستر يونايتد

بفراسة وخبرة أقول: إن لقاء كامب نو بين العملاقين برشلونة وليفربول سيكون مضطربا، يقفز أحيانا إلى القمة، ويتهاوى أحيانا أخرى إلى قعر لا مستقر له، من هنا تظهر أهمية توظيف الجزئيات الصغيرة خصوصا من الضيف الذي سيترك الاستحواذ على الكرة للمضيف مع تفعيل خدمة الكونترا تاك.

الملاحظ أن برشلونة ارتبط طوال الموسم بشاكلة 4/3/3، وبعناصر ثابتة عدا المداورة بين كوتينيو وعثمان ديمبلي وأحيانا مالكوم في حالات الطوارئ، لكن الأصل أن فالفيردي يستلهم المناعة الدفاعية و الابتكار الهجومي من قدرات ليونيل ميسي..

و إذا كان البناء التكتيكي لبرشلونة يؤطر لحلول فنية تدعم هشاشة دفاع برشلونة البطيء نسبيا، فإن فالفيردي ما كان له أن يراهن على هذا الرسم الثابت لولا أنه يسخر البنائين التكتيكي والفني لخدمة حلال العقد والمشاكل في العمق ليونيل ميسي..

ستبقى إشكالية فالفيردي قائمة في حماية ميسي من مخططات يورغن كلوب، فهل فالفيردي يمتلك حيلة تكتيكية جيدة تبث الفوضى في دفاع ليفربول الحصين وخط وسطه الذي يزاوج بين الدفاع والهجوم بمرونة تكتيكية مزدوجة..؟

في رأيي أن نصب فخ تكتيكي لليونيل ميسي يتطلب أولا غطاء في الوسط، وقد يشكل هذا الغطاء عبئا على وسط ليفربول عند اللجوء لأسلوب (المان تو مان) الذي لا يجدي مع زئبقية ميسي الذي يلعب بحرية وبذكاء تتيحان له توزيع مجهوده البدني دون أن يفقد لترا واحدا من كثافته النفسية.

لن يجازف فالفيردي بأي تعديل تكتيكي، سيمارس نفس النظام وسيحاصر آلياته دون فلسفة، تير شتيجن للحراسة، وبيكيه ولانجليت متوسطا دفاع، سيميدو أو سيرجيو روبرتو للظهير الايمن وجوردي ألبا للظهير الأيسر، سيحتفظ بثالوث الوسط أرثور وبوسكيتش وراكيتتش، وسيتشكل الهجوم من ميسي (يمينا) وكوتينيو (يسارا) و لويس سواريز (قلب هجوم).

لاحظوا تموضع ميسي المزيف الذي يهزأ من أي اختصاص تكتيكي، فدوره داخل الملعب مختلف تماما من دوره على سبورة الرسم (هذه نقطة قوة برشلونة الفارقة التي صنعت الفارق في المباريات شديدة المراس).

وإذا كان هناك من تعديل في الرسم، فأنه سيتجسد من خلال العودة إلى رأس الحربة الوهمي، وهذا يتطلب تحرك سواريز إلى الرواقين، أو السقوط إلى الخلف ليفتح كل الممرات الآمنة أمام ليونيل ميسي.

فلسفة تحتاج إلى تنوع في الشاكلة بحيث يستطيع فالفيردي الانتقال إلى شاكلة 4/4/1/1 دون المساس بأساسيات الفريق الفنية بالطبع.

كيف يحصل ليفربول على التعادل التكتيكي ..؟

تشكيلة ليفربول

فريق برشلونة بأفضلية عاملي الأرض والجمهور، وضمان ثنائية الدوري والكأس بنسبة كبيرة، سيفرض على ليفربول ممارسة قاتمة لمواجهة طوفان البلوجرانا ، وهو أمر سيحتم على كلوب تركيب أجنحة التنين لحزام الوسط ..

من الأفضل لكلوب مراقبة البناء الفني لفريق برشلونة ككل، بدلا من تشتيت انتباه اللاعبين في الحد من خطورة ميسي الزئبقي الذي يجب على كلوب فهمه في الوقت المناسب أن خطورة ميسي لا تنبع من قدميه ولا من مهاراته الخارقة للعادة فقط ، لكنها تنبع من رأسه ، حيث يبدو أن القائد البرشلوني يمتلك معملا من الحيل التي تهد أكتاف الفرق المنافسة.

ويورغن كلوب يحمي أنفاس فريقه بشاكلة 4/3/3، لأنها الأسلوب الأمثل الذي يجعل إنتاج الثلاثي ماني وصلاح وفرمينيو غزيرا للغاية .. وطالما وأن مباراة برشلونة وليفربول سترتبط بالجزئيات الصغيرة فان كلوب بحاجة ماسة إلى تعديل بعض أوتار الوسط، لضمان الكثافة العددية التي تحرم ميسي من المساحات في العمق.

وإذا كان كلوب يثق في الحارس إليسون ومن أمامه السد العالي فان ديك ومعه جويل ماتيب أو الكرواتي لوفرين المصاب ، ثم الظهيرين روبرتسون (يسارا) و أرنولد (يمينا) ، فيبدو أن كلوب قد يستخدم عامل الخبرة لحسم عناصر الوسط
تحوم شكوك حول مشاركة فابينيو في الارتكاز ، وهذا يعني أنه قد يلجأ لمنح هندرسون هذا الدور ومن أمامه الضلعين كيتا وفينالدوم ، وستكون ورقة جيمس ميلنر خيارا تكتيكيا عند الطوارئ، خصوصا وهو لاعب جوكر يصلح لكل التموضعات..

لاشك أن نقطة قوة الليفر تكمن في قزاحه المائل الذي يمثل العمود الفقري للفريق، محمد صلاح (يمينا) و سيدو ماني (يسارا) وفرمينيو (رأس الحربة) ، قناعة من المستحيل أن تتحول إلى شاكلة 4/4/2 ما لم يحدث غياب مفاجئ لأي لون من ذلك القزاح المائل هجوميا ..

يورجن كلوب سينصب متاهته الدفاعية بهدف الحصول على التعادل التكتيكي ، ثم ستبقى عملية الهجوم تخضع للطوارئ ومهارات ثالوثه الرهيب مع استغلال سوء تموضع خط دفاع برشلونة الذي يعاني من شرخ في جداره، يضطر العملاق تير شتيجن إلى ترميمه بفضل انتحاريته وردود أفعاله الممتازة.

ربما يرى كلوب أنه بحاجة إلى لاعب رواق يراقب ظهير البرشا الأيسر جوردي ألبا، حالة قد تبدو شاذة، لكن المتأمل في نهج برشلونة سيقتنع أن ألبا واحد من أخطر الحلول الهجومية لبرشلونة، بفضل تجانسه الهرموني مع ميسي تحديدا..

كما أن الخطر البرشلوني قد يأتي من أصدقاء الأمس ، أقصد سواريز وكوتينيو لاعبي ليفربول سابقا ، الأمر الذي يجعل ليفربول كتابا مفتوحا أمام إغراءات ميسي ورفاقه.

* بريسنج ليفربول هل يبطل مفعول ميسي ..؟

تروق لي مشاهدة مثل هذه المباريات، لأنها تشكل تحديا في خطط اللعب والمناورة، فنحن سنكون أمام فريق إنجليزي ساكسوني يحرص على خلق ضمانات لتشكيلته وشاكلته انطلاقا من أسلوب دفاع المنطقة ، أو عملية ( البريسنج) التكتيكية التي تستوجب الضغط الكلي والعالي من الأمام للخلف تحسبا لقطع الماء والهواء والأكسجين عن ليونيل ميسي، نجاح (البريسنج) العالي مرهون بمنسوب الطاقة الذهنية عند اللاعبين.

المؤكد أن (بريسنج) ليفربول سيستهدف ميسي بالدرجة الأولى، فكلوب واثق أن التشويش على رادار ميسي كفيل بإخراج منظومة برشلونة عن العمل.

برشلونة يوجد رمحها في غمده، ومحركها الديزل يبدو قد بلغ مرحلة من الصعوبة بمكان إيقافه بالحسنى، حقيقة ستجلعنا ننتظر حلول كلوب على أحر من الجمر ، وسيبقى السؤال المعلق: ترى من سيعزف على أوتار الجزئيات الصغيرة في الليلة الكبيرة، خصوصا وتلك الجزئيات هي الطريق المؤدي إلى المترو بوليتانو ..؟


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى