ثعالب البريميرليج.. قراءة تكتيكية لما حققه وولفرهامبتون

تحليل- أحمد مختار

راقب العملاقان برشلونة وريال مدريد لاعباً برتغالياً في صيف 2015، وكان قريبا بشدة من الانتقال إلى واحد منهما لولا السعر المبالغ فيه من طرف بورتو.

لقد تصارع الثنائي الكبير وقتها على روبين نيفيز، ارتكاز تنين الدراجاو والنجم البرتغالي الصاعد بسرعة الصاروخ في تلك الفترة. ورغم بقاء اللاعب مع بورتو لموسمين متتاليين، إلا أنه انتقل مؤخرا إلى نادٍ غريب بعض الشيء، وولفر هامبتون الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا، مقابل 18 مليون يورو تقريبا.

مقدمة لا بد منها عند الحديث عن وولفرهامبتون هذا الموسم، حتى لا نقع في فخ التمثيل المشرف وأسطورة “روبين هود” والفريق المسكين الذي بدأ من الصفر وتحته، حتى وصل إلى البريميرليج ونافس الكبار دون خوف.

كل هذه العبارات مجرد “إكليشيهات” لا أكثر ولا أقل، لأن الثعالب لديهم ميزانية مالية ممتازة، ويستطيعون التفوق على أي فريق متوسط فيما يخص الصفقات، بالإضافة إلى صعودهم السهل واليسير في “الشامبيونشيب”، بقيادة الملاك الأجانب، ونونو سانتو، والعراب خورخي مينديز.

قررت إدارة هامبتون التعاقد مع نيفيز، بسبب وكيله الشهير خورخي مينديز، البرتغالي الذي يعمل كمستشار للملاك الصينيين، ويرتبط بعقد دائم مع المدرب الجديد، نونو سانتو، لدرجة ترشحيه من قبل لقيادة فالنسيا ثم بورتو، والآن ولفر هامبتون.

الجدير بالذكر أن بورتو اضطر لبيع لاعبه في الوقت الحالي، بسبب مشاكل مالية متعلقة باللعب النظيف، وحاجة النادي إلى تحقيق 116 مليون يورو حتى يبتعد عن شبح العقوبات التي يفرضها اليويفا على الأندية المخالفة، واستعان النادي بالخبير مينديز لضمان أفضل تسويق ممكن لمجموعة من الأسماء داخل الفريق الأول.

هذا ما قيل في وسائل الإعلام وللعامة في العلن، لكن ما حدث في الغرف المغلقة من الصعب الوصول إليه أو فك طلاسمه حتى الآن. لأن مينديز فعل ذلك من قبل مع فالنسيا قبل أن يرحل ومعه نونو وطاقمه إلى مكان آخر.

القصد أننا علينا ألا ننبهر من مشروع وولفرهامبتون مالياً واقتصادياً وحتى تنافسياً، لكنهم يستحقون الذكر والرصد والتقدير والإشادة على ما قدموه تكتيكياً وخططياً وفنياً هذا الموسم مع نونو إسبرينتو سانتو.

واجه مانشستر سيتي وولفر في بداية الموسم، وفشل فريق جوارديولا في تحقيق الفوز أمامهم لينتهي اللقاء الأول بالتعادل الإيجابي، مع إبهار تكتيكي حقيقي للوافد الجديد. رسم 5-4-1 بالكرة ومن دونها، تمركز صحيح داخل الملعب، تقليل الفراغات في وبين الخطوط، وغلق زوايا التمرير أمام حامل الكرة، بالإضافة إلى الرقابة الذكية على مفاتيح لعب السيتي طوال المباراة.

وولفر فريق إنجليزي يلعب على الطريقة الإسبانية في الدفاع، بمعنى أنهم يعرفون كيفية التصرف عند الاستحواذ، ويقتلون الوقت جيدا من بدون الكرة. السيتي في هذه المباراة أخطأ كثيرا في التمريرات، خصوصا أثناء البناء من الخلف بواسطة كومباني، أو تشغيل الجبهة اليسرى هجوميا، نتيجة نسق جاندوجان البطيء، مما جعل ميندي يلعب كثيرا على الخط، ويبتعد تماما عن الوسط والدفاع، مما جعل الفريق ضعيفا أثناء التحولات/المرتدات، نتيجة ابتعاد الأظهرة في الهجوم، وعدم قدرة ثنائي الوسط المتحرك دافيد سيلفا وجاندو على صنع الفارق بين الخطوط.

وولفر فريقه لديه إيجابيات عديدة، يعرف كيف يسجل بالمرتدات، كذلك يصنع عدد لا بأس به من الفرص بطريقة اللعب المنظم، بالإضافة إلى ضغطه الإستراتيجي المنظم في نصف ملعب المنافسين، وقدرة لاعبيه على الخروج بالهجمة من الخلف إلى الأمام دون المشاكل.

ولديه أيضاً بعض العيوب الواضحة في كيفية تعامله مع الكرات الثابتة والركنيات دفاعياً، بالإضافة إلى ارتكاب دفاعه أخطاء عنيفة في بعض المواقف تؤدي إلى مواقف سيئة للفريق ككل.

رسم قريب من 3-5-2، ثلاثي دفاعي بالخلف، وثنائي على الأطراف بالإضافة إلى ثنائي هجومي صريح، وفي الوسط هناك موتينيو ونيفيز وديندونكير، ثلاثي وسط متنوع ومرن وقوي بالكرة ومن دونها.

مع هذه المجموعة المميزة، يستطيع نونو سانتو فرض أسلوبه بأريحية، هو رجل لا يعتمد على الاستحواذ بشكل مبالغ فيه، ولا يلجأ إلى الدفاع على طول الخط. براجماتي تجاري واقعي يهدف إلى استغلال أخطاء منافسيه وخلق التفوق النوعي والعددي في الوقت المناسب.

يعرف خط وسطه كيف يصعد بالكرة دون مشاكل، ولديه ميزة البناء المنظم من الخلف، بالإضافة إلى تنوع هجومه واختلافه. خيمينيز هداف يستطيع اللعب كرأس حربة صريح، بينما جوتا هو اللاعب المتحرك بين الطرف والعمق، نصف مهاجم ونصف لاعب وسط إضافي عند الحاجة، بالإضافة إلى تميزه في اللعب بظهره ومن لمسة واحدة، لذلك يعتبر هذا اللاعب أحد أهم أسلحة وولفر أمام الكبار، لأنه عنصر رئيسي في التحولات السريعة من الخلف إلى الأمام، بينما ينطلق زميله خيمينيز في الجانب المظلم للدفاع، أي يأتي من خلف مراقبه لا من أمامه حتى يستطيع ترجمة الفرص إلى أهداف.

إحصائية مهمة جداً تم تداولها عبر تويتر، حيث إذا تم حذف نتائج الفرق مع الرباعي الذي يحتل المراكز الأخيرة في البريمرليج، فإن وولفرهامبتون سيحل ثالثاً خلف الثنائي مانشستر سيتي وليفربول. وولفر فريق يعرف هزيمة الكبار، لديه سجل مثالي أمام معظم المنافسين، هزم مانشستر يونايتد، آرسنال، توتنهام، تشيلسي، وتعادل مع السيتي ذهاباً، وأقصى ليفربول من بطولة الكأس، لكنه يملك سجلاً ضعيفاً أمام الفرق الأقل منه مستوى وترتيب بالجدول.

ربما الأمر نفسي بعض الشيء، حيث يركز نونو ولاعبوه أكثر على المباريات الكبيرة، ويهملون بعض الشيء المواجهات السهلة على الورق، لكن أيضاً هناك بعد تكتيكي مهم مرتبط بتركيبة هذا الفريق القائم على إغلاق الفراغات في نصف ملعبه، الرقابة الفردية القوية على مفاتيح اللعب، رمي الكرات الطولية والقطرية خلف الأظهرة والمدافعين، وبالطبع تنفيذ التحولات السريعة والمرتدات الخاطفة، بواسطة خط وسط يجيد التمرير وهجوم مرن للغاية في اللعب من لمسة واحدة ولمستين، دون نسيان ميزة الأظهرة التي تستغل القنوات الشاغرة عند الحاجة.

كل هذه الأمور تكون متاحة أمام الفرق الكبيرة التي تهاجم وولفر وتستحوذ أمامه، لكن أمام الصغار يحدث العكس، لأن فرق مثل برايتون، هدرسفيلد، بيرنلي، وغيرهم، غير مهتمة بالحيازة والهجوم أبداً، لذلك تترك الكرة لفريق نونو سانتو وتعود إلى مناطقها في انتظار المرتدة أو الكرة الثابتة، مما يجعل الأمور أصعب أمام الثعالب، حيث تزيد الحاجة إلى اللعب المنظم، التمريرات القصيرة، المراوغة، ومحاولة فك طلاسم الدفاع المتأخر.

تجربة بسيطة في مباريات وولفر ضد بيرنلي، برايتون، فولهام، هدرسفيلد هذا الموسم في الدوري. تعرض الفريق لخسارتين أمام بيرنلي وهدرسفيلد مع تعادلين ضد برايتون وبيرنلي، وفي المواجهات الأربع كان الاستحواذ أكثر لفريق نونو سانتو، بنسبة تتراوح بين 63 % إلى 70 %، لذلك فشل الفريق في تنفيذ مرتداته لعدم وجود مساحات من الأساس، وسقط في فخ الكرات الثابتة التي يعاني منها رقمياً، لينقلب السحر على الساحر ويفعل الصغار في الثعالب ما فعلوه أمام كبار الدوري الإنجليزي هذا الموسم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى