بروسيا دورتموند 2018/2019..كيف أثر علم النفس على كرة القدم؟

تقرير- محمد عصام

حتى يوم الثامن عشر من هذا الشهر، كان بروسيا دورتموند ما يزال على قيد الحياة في سباق البوندسليجا، يخرج إلى الملعب في كل جولة مراهناً على حظوظه في حصد اللقب، بعد أن أهدر فارق النقاط بينه وبين منافسه البافاري، وقبل نهاية البطولة بثلاث جولات حين سقط في ديربي الرور، احتاج معجزة في نورنبيرج حين تعادل بايرن ميونيخ، لتستمر المنافسة قائمة حتى تلك اللحظة.

في الواقع، فإن موسم 2018-2019 كان حالة تدرس في تداخل علم النفس مع كرة القدم، حيث رسمت الحالة النفسية للفريق أبرز منعطفات موسم الجراد الأصفر.

لوسيان فافر

سنتذكر بلا شك تلك المنافسة الضارية على اللقب، وكيف قاد لوسيان فافر هذا الفريق من براعم اللاعبين، والمشروع الذي ما زال في شرنقة التكوين، نحو منافسة عملاق بحجم بايرن ميونيخ حتى آخر جولة، كل ذلك في السنة الأولى له، وللعديد من الأسماء في فريقه.

لكن لن نغفل نحن أو مشجعي الفريق هذه الثلاث لحظات الحاسمة، والتي اختلت فيها عجلة قيادة الفريق، وفقد اتزانه، بداية من الهزيمة والخروج في دوري أبطال أوروبا بأربعة أهداف نظيفة في مجموع اللقائين ضد توتنهام، عبوراً بالأداء الكارثي في الأليانز أرينا والسقوط ضد المنافس المباشر بخماسية نظيفة، وصولاً إلى خسارة الديربي ضد شالكه، في قلب السيجنال أدونا بارك، وسنتجاهل عن عمد الخسارة ضد فيردر بريمن، والإقصاء خارج الكأس.

لا شك أن الخسارة ذات وقع عاطفي أقوى من المكسب، وأنه يجب تفادي الوقوع في فخ الأنماط المعلبة لتصوير الموسم بناء على عينة عشوائية من المبارايات حين لم يُوفق الفريق، والفصل بين الأمور، وخصوصاً في المواعيد الكبرى، على العكس، فإن جميع فرق أوروبا، ومن ضمنهم بايرن ميونيخ، قد تعثروا مباريات هامة هذا الموسم.

لكن كما يقول السينمائيون، فإنه لابد من التكرار ثلاث مرات حتى يفطن المشاهد للعلاقة بين الأحداث، لذلك أن تسقط في جميعها يفتح باب الكليشيه المعتاد عن “عقلية الفوز” التي يفتقدها الفريق.

وأدعَى أن يتم التوغل في هذا الباب، حين تشاهد كيف وقعت تلك الخسارات، لا يمكن أن تكون قضية “الانهيار النفسي” تحت الضغوطات أكثر وضوحاً من ذلك.

المعادلة قد تكون بهذه البساطة، هذا فريق يقوم بأكمله على أسماء شابة، ومجموعة تلتقي للموسم الأول، من غير الاعتيادي أن يصل للتنافس حتى شهر مايو، حين تكون أكبر إنجازات أغلب أفراده هو كأس ألمانيا، وعقلية الفوز تتشكل بالخبرة والتجربة، والمرور بمثل هذه الانهيارات قد يكون مفتاحاً لمزيد من الصلابة مستقبلاً.

نتناول الريفير ديربي ضد شالكه على سبيل المثال، امتلك بروسيا دورتموند نسبة أهداف متوقعة 1,12 وشالكة 1,10، نسب متقاربة مع الأخذ في الاعتبار حالتي الطرد من جانب الفريق الأصفر.

في البداية سجل دورتموند بعد سلسلة من التمريرات البديعة، ثم تحصل شالكة على ركلة جزاء قاسية، بعد لمسة يد غير متعمدة من جوليان فايجل، قبل أن يسجل الثاني عبر رأسية ساليف ساني.

دورتموند متأخر في النتيجة، ومازال في جعبته شوط كامل، وأهداف شالكة جاءت عكس مجريات اللعب، وضع لا يجذب القلق عادة للفرق أصحاب الثقل النفسي، كل ما عليك هو أن تلتزم بتقديم نفس الأداء كما فعلت طوال الموسم، النصيحة الأبرز من المدربين في هذه الظروف “لا تنتبهوا للنتيجة، ألعبوا كرتنا المعتادة”.

تشهد تحول عاطفة القلق تدريجياً إلى هاجس، وترى في العيون أشباح فقد البطولة، وتأثير الإعلام الذي تحدّث قبل المباراة عن تشابه هذه المواجهة بمواجهة الفريقين في 2007، حين حرم بروسيا دورتموند خصمه من لقبه الأول في البوندسليجا، ورغبة شالكه في الانتقام.

ثم تعم الفوضى، وتبرز ظاهرة الانهيار النفسي من العدم، كل تمريرة، وكل تحرك تغلَّف باليأس المتهور، حتى قام كابتن الفريق ماركو رويس بعرقلة غير شرعية منحته بطاقة حمراء مستحقة، كررها زميله ماريوس وولف بعدها بدقائق قليلة، وحصد نفس البطاقة الملونة، ثم انتهت الأمور بأكبر نتيجة لشالكه هذا الموسم.

تتكاثر العُقَد الفلسفية والنفسية هنا، ولا تبدو الخطوط الفاصلة بين سوء الحظ، والعشوائية، والأخطاء الفادحة واضحة للعيان، لكن هذه الانهيارات تراها بوضوح حين يتشوش الإرسال بين اللاعبين، ويفتقد الفريق الموجة الواحدة، ويتملك الذعر أفضل أفراد الفريق وأكثرهم هدوءاً في العادة، ثم ينتقل كالفيرس بين الجميع.

ماحدث ضد بايرن ميونيخ أكثر سوءاً، حين تشاهد نسبة الأهداف المتوقعة 4.28 للبايرن مقابل 0.48 لدورتموند، يفصل بين كل هدف والآخر فترات راكدة تماماً، وكأنه خط توقف نبضات القلب، وحتى مع الإصابات التي ضربت دورتموند، فهناك ما هو أفضل من ذلك الخط المشؤوم، والسلبية في ردة الفعل.

ما نحاول الوصول إليه هو عبور أسوار قلعة الإحصائيات والتحليل التي تحيط باللعبة، والإقرار بتأثير علم النفس بوضوح على مجرياتها، وتقدير هذا الجانب بشكل أكبر من إلقاء كلمات محفوظة خاوية لا تتجاوز قيمتها اهتزاز طبلة الأذن لسماعها، وتحدد في كثير من الأحيان مسارات البطولات كما حدث في هذه الحالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى