هل تهبط عدالة السماء في الواندا ميتروبوليتانو؟

تحليل- أحمد مختار

ثلاث سنوات بدون بطولة، 0 دوري 0 ابطال 0 كأس، بطل الخسارة في النهائيات، وعشرات المقولات الأخرى التي قيلت للتقليل من عمل يورجن كلوب في ليفربول. كثير من “الساركازم” الذي تأجل أو انتهى لأجل غير مسمى، بعد العودة التاريخية لفريق ليفربول أمام برشلونة في الأنفيلد، خصوصاً أن الليفر كان قاب قوسين أو أدنى من موسم صفري جديد، لكن هذه المرة مع ترك علامة ربما لا تنسى لأنهم تعبوا وبذلوا مجهوداً قياسياً، لذلك قد تكون ريمونتادا الأنفيلد بمثابة طوق النجاة لمسيرة يورجن في ميرسيسايد.

مفهوم الكوتش بالنسبة لي هو الشخص الذي يوفر أساليب تدريبية مميزة، يقوم بتطوير لاعبيه، يجعلهم من جيد إلى جيد جدا، ومن جيد جدا إلى ممتاز، هذا هو تعريف المدرب. وهذا الوصف يصلح جدا ليورجن كلوب، وغيره من مدربي البريمرليج سابقا وحاليا، كبيب جوارديولا، ساري، أنطونيو كونتي، وبوكيتينو وغيرهم. لكن نعود إلى كلوب، عريس الثلاث سنوات، الذي له دور محوري في تطوير اللاعبين وتحسين قدراتهم.

محمد صلاح على سبيل المثال، سباليتي له دور في تعديل مركزه وأهدافه، لكن كلوب أساس لم يعرف تحويل اللاعب من مجرد “ستار” إلى “سوبر ستار”. أن تقنع فيرمينو لاعب الوسط بأن يكون مهاجم، أن تجبره على أداء الشق الدفاعي. أن تحول ماني من لاعب جناح إلى صانع لعب بالعمق. وتجعل كوتينيو أقرب للمرمى، لا يفكر في شيء إلا التسجيل أو الصناعة، رغم أنك تلعب بطريقة قائمة على الضغط، ولا شيء غيره.

الأمثلة عديدة للغاية، لكن يورجن كلوب من أفضل المدربين، عندما تحول كلمة مدرب إلى معناها الأصلي، تدريب، تحسين، تعديل، وتطوير. هذا الألماني المعروف باسم “الرجل العادي” أو “تورمال وان” لديه سحر خاص في إضافة بصمته إلى فرقه، وجعلها تلعب وفق منظوره الخاص.

“كل مدرب لديه أفكاره، ولكن فقط العظماء يستطيعون تمريرها بدقة إلى الآخرين الذين يجب عليهم اللعب على أرض الملعب. تحتاج إلى أن ينظر إليها على أنها ذات مصداقية في أعينهم”، لا يوجد أفضل من ذلك لوصف المدرب، القدرة على توصيف الأفكار الصعبة والمعقدة، وجعلها سهلة للاعبين داخل الملعب.

كلوب

بالتأكيد يورجن كلوب لديه ديفوهات مثل أي مدرب آخر، لا يوجد إسم واحد في العالم كامل متكامل على مستوى التدريب، لماذا؟

لأن عالم التدريب ليس تكتيك، بل هناك أمور أخرى مهمة، كنوعية اللاعبين “وهذا العامل أهم وأكبر من تأثير أي مدرب”، بالإضافة للتحفيز وإدارة غرفة الملابس، والوصول إلى منطقة وسط بين الانضباط والفوضى، لجعل النجوم في وضعية أفضل للارتجال إذا استدعى الأمر لذلك، دون نسيان التوفيق والحظ، والأخطاء التحكيمية، هنا وهناك!

بعيدا عن هذه الأمور، علينا أولا الحديث عن بعض المبادئ الثابتة غير القابلة للتغيير. القادم أقرب إلى قواعد وقوانين لا تتحمل وجهات نظر، بمعنى أنها مسلمات طبيعية في عالم الخطط والتكتيك والتدريب. كلوب لا يحصل على بطولات مؤخرا، ليس لأنه محافظ على أسلوبه، وأنه مدرب متعصب لوجهة نظره في الكرة ولا يقوم بتغييرها أبدا، وهذه هي الأمور التي تجعله يخسر نهائي دوري الابطال، أو حتى يخسر بسهولة في بعض الكؤوس.

أسلوب المدرب مثل الـ DNA، مثل شهادة الجودة، وبالتالي كيف تطلب منه تغيير أسلوبه وستايل لعبه؟ وأي أسلوب لعب سيناسب اللاعبين؟ العبارة الصحيحة، خطة، طريقة لعب، عوامل تناسب قدرات اللاعبين وظروف الدوري، وخصائص الخصم، لكن الأسلوب ومشتقاته أمور غير قابلة للمس.

هناك قواعد تكتيكية غير قابلة للمس، أسلوب اللعب هو نوع اللعب الذي تشاركه ويشكل رسم الفريق، شيء قريب من “الماركة” المسجلة، يعرف به المدرب أو النادي بعد سنوات. أما “الموديل” أو الخطة، فهذه باختصار بمثابة المسار الذي تتعبه حتى تحقق الفوز، وبالتالي يمكنك تطويره أو تغييره في بعض المباريات حتى يناسب خصائص اللاعبين وقدراتهم. تلعب بهذه الخطة أمام ذلك الخصم، ثم تقوم بقلبها في مباراة أخرى، وفق ما تملك من أسماء.

تشكيلة ليفربول

فلسفة كلوب هي الكرة السريعة، مبادر لا يهاب. بعد الفلسفة تأتي “الاستراتيجية” واستراتيجية الألماني فيما يعرف بالكونتر بريسينج أو الضغط العكسي في نصف ملعب الخصم، بينما تكتيكه، يأتي ثالثا، مزيج بين 4-3-3 و 4-2-3-1 وفق ظروف وإمكانات لاعبيه.

كلوب من المدربين الذين لديهم أفكارا قوية، أسلوبا فريدا من نوعه، هذه الأمور سر قوته من الأساس، لكن لديه بعض العيوب أيضا. تبقى مشكلة “التحكم” في نسق اللعب، تسريع أو بطء وتيرة الركض، وبالتأكيد ضبط البوصلة وتعديل الأوراق، أملا في خطة بديلة أو طوارئ عند تأزم الوضع، كلها عوامل لا تزال تؤرق جمهور الأنفيلد، رغم الميركاتو الخيالي هذا الصيف، وتحسن الدفاع بشكل كبير جدا.

ليفربول كلوب أشبه بالطفل الصغير السعيد بدراجته الجديدة، والذي لا يتوقف أبدا عن اللعب بها، أقرب إلى قطار بلا محطات توقف، إلى سيارة فقدت فراملها الأمامية دون سابق إنذار. متى يعطل المباراة، كيف يدافع بالكرة، طالما أنه لا يجيد الدفاع من دونها! بمعنى أن الاستحواذ أحيانا يجعلك في مأمن. وهذه الأمور من يحتاج فعلا إلى تحسينها في القادم.

هذه المشاكل تحتاج إلى تعديل في طريقة اللعب، وربما تطوير استراتيجية الضغط العكسي، بجلب لاعب وسط “ريجستا” أو “لاوبوزا”، يتحكم في النسق، يبني الهجمة من الخلف، يجعل التحولات أهدأ وأكثر ذكاء، بالإضافة إلى صانع لعب متقدم أو جناح مهاري في صناعة الفرص، خصوصاً مع نجاح الألماني في تطوير أظهرته سواء روبرتسون أو أرنولد، الثنائي الذي صنع فرص عديدة وقلل كثيراً من ديفوهات وسطه هذا الموسم.

قال كلوب بعد ريمونتادا الأنفيلد: “المستحيل لا شيئ في كرة القدم، المسألة ليست متعلقة بالتكتيك، المسألة في الروح والايمان بالنفس . ورغم كل العراقيل لدينا لاعبين رائعين وإذا سألتني عن المباراة فأنا صراحة لا أعرف ما الذي حدث في المباراة، ولكنني فخور بكل ما حدث الليلة”. تعلم الألماني الكثير من أريجو ساكي، عراب ميلان وصانع أمجاده في القرن العشرين، خصوصاً فيما يتعلق بالضغط العالي واللعب بحمية دون توقف.

يقول ساديو ماني مؤخراً عن حالة مدربه قبل ساعات من مباراة العودة ضد برشلونة: “لم أر يورجن كلوب بهذا الضعف من قبل، لقد فقد الأمل فعلياً في العودة، لكننا فعلنا شيء مستحيل داخل الملعب، بالتاكيد ما حدث لا يصدق”. تصريحات السنغالي لم تختلف أبداً عن كلمات مدربه الذي قالها بعد الفوز. لم يتحدث عن نفسه أو عن أي تكتيك، بل وصف الأمر بالروح والرغبة والإعجاز.

ليست الإجابة في الحيازة أو البناء من الخلف أو اللعب القائم على التمرير القصير المنبعث من روح التيكي تاكا، بل تحول أداء أصحاب الأرض إلى نسخة عدوانية بحتة، لدرجة أنهم ركضوا أكثر من منافسهم بنحو 7-8 كيلو مترات، لقد جاءت المواجهة غير متكافئة داخل الملعب، رغم أنها على الورق لم تكن أيضاً متكافئة ولكن لصالح البارسا لا الليفر.

الخلاصة أن روح كلوب المستوحاة من ضغط وسرعة وعنفوان أريجو ساكي تواكب وبشدة مباريات خروج المغلوب في دوري الأبطال، لا مستحيل وكل شيء وارد، وفكرة تسجيل هدف واثنين وثلاثة أمور متاحة وواردة ويمكن تحقيقها، لذلك وصل هذا الفريق مرتين إلى نهائي دوري الأبطال.

في النهائي قد يختلف كل شيء، مباراة واحدة، الخطأ يساوي الكثير، إصابة بطاقة طرد، كل شيء وارد في مدريد. الحقيقة أن توتنهام مع بوتشيتينو يستحق أيضاً، ولديه مشوار استثنائي لا يقل عن خطوات ليفربول الأوروبية هذا الموسم، لكنني اخترت الحديث أولاً عن “النورمال وان” وحددت هذا العنوان بالأخص عطفاً على ما تعرض له هذا الرجل في النهائيات السابقة، لذلك أتمنى هذه المرة -دون حيادية- أن تهبط عدالة السماء في الواندا ميتروبوليتانو، ولصالح يورجن كلوب فقط!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى