السنغال والجزائر..العقل قبل العضلات

تحليل- محمد عصام

في قمة المجموعة الثانية، التقى المنتخب العربي الجزائري بخصمه السنغالي، وبطاقة الصعود رسمياً تقبع بينهما، في انتظار أول الواصلين في طريق يمر فقط عبر حصد الثلاث نقاط كاملة.

الرونق الخاص الذي أحاط بالمواجهة كان نتيجة لامتلاك كل منتخب منهما أرمادا من اللاعبين الموزعين بين أندية أوروبا، فلا يقتصر الأمر على رياض محرز وساديو ماني بطل البريميرليج والتشامبيونزليج على الترتيب، بل أسماء عدة آخرى تمزج بين أصحاب خبرات طويلة في القارة العجوز مثل كوليبالي، أو شباب ناشئ يعج بهم تشكيل محاربو الصحراء أمثال عطال، وبن نصار.

وكأي مواجهة معقدة الحسابات بأطراف عالية الجودة، تدخل في البداية في طور التحفظ المهذب، هذا التحفظ الذي يتحول عدوانية عند أول بادرة، وهو ما حدث في شوط المباراة الأول الذي شهد الكثير من المبارزات التكتيكية في وسط الميدان، مع القليل من الفرص الخطيرة، وانتهى بتسديدة واحدة سهلة من جانب الخُضر عن طريق خطأ على حدود منطقة الجزاء.

تنبع القوة التكتيكية للمنتخب الجزائري من اعتماد جمال بلماضي على البناء والعمل في الجبهة اليمنى، ثم قلب اللعب نحو مناطق الخطورة، وذلك بنظام 4-2-3-1 حيث يتواجد فيغولي خلف بونجاح، ومحرز على اليمين، وحين يتسلم رياض الكرة يتحرك بها نحو العمق، مانحاً المجال لتحرك فيغولي نحو اليمين، وصعود عطال للمساندة، فتمريرة بالعرض نحو تحركات البلايلي القطرية من الناحية اليسرى.

يقدم الثنائي عدنان قدورة، والشاب بن ناصر التوازن اللازم من الخلف لإدارة هذه التركيبة الهجومية، عمل وتفاهم هجومي، وتوزيع استراتيجي للمباراة بين الضغط المتقدم، والغلق من وسط الميدان ظهر في أكثر من مناسبة، وكان كلمة السر في هدف البلايلي في بداية الشوط الثاني عن طريق الضغط العكسي مباشرة بعد فرصة فيغولي.

وضع أليو سيسيه إسماعيلا سار على الدكة لصالح العائد ساديو ماني، واستبدل الغائب إدريسا جايي بألفريد ندياي، ليحصل على تركيبة وسط “دياتا، ألفريد ندياي، بادو ندياي” ذات مواصفات بدنية بحتة بلا صانع لعب حقيقي، أو متحكم في نسق الأداء من الخلف، وبدون الزخم البدني وسرعة جانا جايي.

ألقى ذلك العبء كاملاً على ساديو ماني، وكايتا بالدي لصناعة الفرص، ومع كسل من الحاضر الغائب المهاجم مباي نيانج، اصطبغت هجمات السنغال بالعشوائية والفردية.

حرم أليو سيسيه نفسه وفريقه كذلك من مساندة الأظهرة بإعطائهم تعليمات دفاعية واضحة، فظل يوسف سابالي مراقباً لرياض محرز على اليسار، وامتنع صاحب الخصائص الهجومية موسى واجيه عن التقدم يميناً.

حاول أسود التيرانجا بعد الهدف تحريك الأمور لصالحهم، وربما كانت الجزائر محظوظة باستمرار بن عمري في الملعب بعد عرقلة كادت تفضي إلى بطاقة صفراء ثانية، وبعدم استقبال ركلة جزاء لصالح ماني.

وضع سيسيه تبديلات هجومية بخروج دياتا وألفريد ندياي لصالح مباي دياجني وسافيت أصحاب النزعة الهجومية، ولكن حافظ الخُضر على النقاط الثلاثة حتى النهاية، وقاموا بتسيير ما تبقى من المباراة لصالحهم بلا فرصة حقيقية تهدد مرمى ريس مبولحي.

تفنن بن ناصر وقديورة في التلاعب باندفاع وسط السنغال، رغم كبر سن قديورة، وصغر سن بن ناصر صاحب الواحد وعشرين عاماً، ليثبتا أن العقل والمهارة يأتيان قبل القدرات البدنية البحتة والكيلومترات المقطوعة، ويحصد إسماعيل بن ناصر جائزة رجل المباراة للمرة الثانية على التوالي.

فازت بذلك الجزائر بمبارياتين متتاليتين في كأس أفريقيا للمرة الأولى منذ عام 1996، واستمرت العقدة مستعصية على السنغال في التفوق على الجزائر في هذه البطولة، بتسجيل ثلاث انتصارات وتعادل واحد لصالح الشقيق العربي، ليحجز مقعداً على رأس المجموعة، في انتظار مباراة تحصيل حاصل ضد تنزانيا متذيلة الترتيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى