تحليل- محمد يوسف
على ملعب «ماراكانا» العريق في مدينة ريو دي جانيرو، وأمام أنظار 75 ألف مشجع، تُوج المنتخب البرازيلي ببطولة كوبا أمريكا 2019. وهي التاسعة في تاريخه، والخامسة من أصل خمس مرات ينظمها على أرضه ووسط جماهيره.
تغلب المنتخب البرازيلي على منتخب بيرو الطموح بثلاثة أهداف لواحد، ليُتوج أخيراً ببطولة كبرى بعد أخر بطولة كوبا أمريكا في عام 2007. بمجرد أن تغلب منتخب السليساو على باراجواي في ربع النهائي بركلات الترجيح، تحولت كل الأنظار إلى الأدوار القادمة للمنتخب، نصف نهائي في ملعب «بيلوهوريزونتي»، والنهائي في ملعب «ماراكانا».
وهي الملاعب التي حملت للجماهير والمنتخب ذكريات كابوسية في مثل هذه المناسبات الكبرى، حيث مثّلت لهم موقعاً لاثنتين من أكبر مآسي كرة القدم البرازيلية ربما على مر التاريخ: نهائي كأس العالم في عام 1950 والمعروف باسم «ماراكانازو»، ثم أكبر الهزائم بسبعة أهداف لواحد أمام الماكينات الألمانية في كأس العالم عام 2014.
ومن هنا رأى الكثيرون أنه في حال تخطى منتخب البرازيل كلا المباراتين، فقد يتمكن من دفن أشباح الماضي أخيراً، وينهي التجارب الكابوسية في تلك الأمسيات المرعبة.
احتفظ المدير الفني تيتي بنفس الأسماء التي لعبت ضد الأرجنتين، برسم خططي 4-2-3-1، بتواجد فيرمينيو في المقدمة، وخلفه كوتينيو في المنتصف، بينما يساراً الجناح الواعد إيفرتون، ويميناً جابرييل جيسوس، وفي منتصف الملعب كل من آرتور وكاسميرو.
بينما بدأ ريكاردو جاريكا بنفس الرسم الخططي 4-2-3-1، بتواجد المخضرم باولو جيريرو، وخلفه كريستيان كويفا، ويساراً أندري كاريلو، وعلى الجهة اليمنى إديسون فلوريس.
دخل البرازيليون هذه البطولة وهم يفتخرون بثروات خط الوسط لديهم، والتي تضمنت لاعبين رائعين أمثال ألان وآرتور وكاسيميرو وفرناندينيو. ولم تكن مفاجأة إذا فضل تيتي أي منهم على الآخر، ومع تقدم أطوار البطولة، أصبح من الواضح أن آرتور ميلو كان الرجل المناسب لتيتي، والذي قدم مباراة رائعة في النهائي.
بدأ لاعب خط وسط برشلونة إلى جانب كاسميرو في منتصف الملعب، حيث سمحت له رؤيته التكتيكية بالتحكم في تيمبو المباراة، وفي المقابل مكّن ذلك البرازيل من الإبقاء على بيرو في حالة تأهب لفترات طويلة من المباراة. وفي مناسبات عديدة، طلب اللاعب الكرة في المناطق الضيقة من وسط الملعب، وسهل الخروج بالهجمات لزملائه بشكل رائع.
وهو ما أتى بثماره في لعبة الهدف الثاني، حين استلم آرتور الكرة في وسط الملعب، وقطع مشواره بهدوء نحو مناطق بيرو، ثم لعب تمريرة مثالية لجيسوس ليضعه في مواجهة الحارس مباشرة.
إحدى المميزات التي جاءت من ثبات تيتي على تشكيلته، هي ظهور وتألق النجم الصاعد إيفرتون، حيث تسبب الشاب البرازيلي في عدّة مشاكل لدفاع البيروفيين بفضل سرعته وانطلاقاته المباشرة على الجناح الأيسر وباتجاه المرمى، وجرأته في مواجهة المدافعين، موفراً لكوتينيو وفيرمينو مساحة للتحرك بحرية أكبر في الثلث الأخير.
أثمرت جهود إيفرتون عندما هرب من رقابة المدافع البيروفي لويس أدفينكولا، ثم حول تمريرة جيسوس العرضية إلى الهدف الأول لصالح السيلساو، ليحرز هدفه الثالث في البطولة ويتساوى في صدارة الهدافين مع البيروفي جيريرو. بينما في لقطة الهدف الثالث، انطلق على الجناح الأيسر إلى عمق دفاع البيرو بجرأة كبيرة، وتسبب في ركلة جزاء أحرزها البديل ريشارليسون.
مع تألق العديد من لاعبي السليساو، أمثال المخضرم داني ألفيش، والذي حصد لقب أفضل لاعب بالبطولة، إلا أن المكسب الحقيقي كان لاعب نادي جريميو الشاب الواعد إيفرتون، والذي ستتجه إليه أنظار أكبر الأندية الأوروبية هذا الصيف بكل تأكيد.
بينما على الجانب الآخر، حاول المنتخب البيروفي اقتناص الفرصة، والضغط على السليساو في مناطقه، حتى نجحت أولى المحاولات وحصل على ركلة جزاء نفذها هدافهم التاريخي جيريرو، لينهي سلسلة المباريات التي لم يتلقى فيها السيلساو أي هدف.
بالطبع وكما شهدنا على مدار البطولة، وبشكل خاص في الأدوار النهائية، لم يخلو النهائي من حالات الجدل التحكيمية، ويبدو أن حكام أمريكا الجنوبية يواجهون مشاكل في العمل مع تقنية «الفار»، حيث يتعرضون لمزيد من الضغوطات، وهو ما يظهر في عدد كبير من القرارات غير الحاسمة. وربما أدت التقنية إلى انخفاض التحكيم بشكل ملحوظ في هذه البطولة، أكثر مما كانت عليه في السابق.
قد يرى البعض أن هذا الجيل من لاعبي البرازيل لا يرقى إلى أجيال سابقة، قدمت المتعة والأداء الرائع، إلا أن شكل البرازيل اختلف مع مدربهم تيتي، من حيث الانضباط التكتيكي والدفاعي بشكل خاص.
رغم كل شيء، لا يمكن دفن أشباح الماضي في لحظة واحدة، لكن الفوز بكوبا أمريكا أخيراً، بعد عام واحد فقط من الخروج ضد بلجيكا في كأس العالم بعد أن كانوا مرشحين للفوز بالبطولة، لا يعتبر بداية سيئة على الإطلاق لهذا الجيل الواعد.