يرويها- محمد العولقي
* رفع قائد منتخب فرنسا زين الدين زيدان رأسه واضعا يديه حول خصره، وهو يتابع باهتمام ذلك الحديث الهامس بين الحكم الأرجنتيني والحكم الرابع ، بدأ الأمر يتعلق بقرار صعب ، فجأة ركض الحكم نحو زيدان ومن دون أن يتبادل معه كلمة واحدة رفع الكارت الأحمر ..
لا أحد حتى ممن احتوتهم
المدرجات (خمسة وستون ألف متفرج) يمكنه أن يروي تفاصيل ما حدث عند الدقيقة 110 من نهائي مونديال المانيا عام 2006.
لا أحد يمكنه أن يصف كل تلك الأهوال والمصائب التي سقطت فجأة على رأس (زين الدين زيدان) يوم التاسع من يوليو ..
سار النجم الفرنسي في مباراته الدولية الأخيرة مطأطأ الرأس ، مرق إلى جوار كأس العالم وشياطين الدنيا تتقافز أمام عينيه الرماديتين، كان متجهما مقطب الجبين ، لم يبك وقتها أو يندب حظه العاثر، وهو يخرج مطرودا بطريقة يصعب على (هتشكوك) تشخيصها سينمائيا.
وقف المشاهدون حول العالم مذهولين غير مصدقين لما تحمله الشاشة من ردة فعل زيدانية بالغة الغرابة ، كان طرد (زيدان) صدمة للاعبي منتخب فرنسا ، لقد تآكلت أحشاء المنتخب وبلغ التصدع الداخلي مبلغه..
انسحب (زيدان) من المشهد بطريقة درامية مؤثرة ، كان أغرب انسحاب صدر في تاريخ بطولات كأس العالم ، استدار (زيدان) مغادرا المشهد الأخير وترك خلفه منتخبا محطما من الناحية النفسية والمعنوية.
حانت ركلات (التجريح) وليس الترجيح، كان لاعبو منتخب إيطاليا يقهقهون والفرحة تكاد تقفز من عيونهم ، في حين كان الوضع في المعسكر الفرنسي مختلف داميا بحق
خيم الحزن على لاعبي منتخب فرنسا ، وبدأ وكأن أرجلهم تغوص في رمال زرقاء متحركة ، لم يهضم اللاعبون طريقة طرد القائد في أحلك الدقائق ، حاول (ليليان تورام) القائد البديل تحريك هرمون الأدرينالين في أعصاب زملائه ، بدأ له الأمر عسيرا للغاية.
انتفض جسد تورام في قوة وهو يحدق في وجوه زملائه قائلا :
علينا الثأر لقائدنا الذي طرد غيلة وعلى حين غرة ، الانتصار في ركلات الترجيح لا يعني فقط فوزنا بكأس العالم، ولكنه سيمثل رد اعتبار للقائد في ليلته الأخيرة ..
اغرورقت عينا تورام بالدموع تأثرا من هيبة الحداد المسيطرة على زملائه ، لكنه استدرك قائلا:
تصرفوا كالرجال أمام هذا الصعلوك الحقير
لم تبد على محيا المدافع الإيطالي (ماركو ماتيراتزي) ذرة واحدة من التوتر ، كان قد وضع في أذنية وقرا هروبا من هتافات الجماهير الفرنسية الغاضبة ، فضل (ماتيراتزي) النظر إلى كأس العالم، وهو يقول لنفسه:
أيتها الكأس الذهبية لقد ارتكبت لأجلك خطيئة القرن في حق واحد من كبار عباقرة اللعبة ، لكنني هنا لست نادما على فعلتي مع (زيدان) لسبب بسيط جدا : لقد كنت أطبق سياسة الأعرج ميكيافيللي الذي علمنا منذ الصغر أن الغاية تبرر الوسيلة ..
أخطأ المهاجم الاحتياطي (ديفيد تريزيجيه) في الركلة الثانية ، قبل أن يركل الكرة واتته فكرة عجيبة ، لماذا لا يستخدم مع الحارس العنكبوت (جانلوجي بوفون) نفس حيلة زيدان ..؟
الخيار المتاح أمامه ان يسدد من الأسفل إلى باطن العارضة ، لكن (تريزيجيه) ضغط قليلا على الكرة فارتفعت لتصيب العارضة الأفقية وتخرج ..!
سجلت إيطاليا ركلاتها الخمس بتركيز من تدرب طويلا على هذه الاستراتيجية النفسية ، فاندفع جميع اللاعبين نحو (ماتيراتزي) ، فوضوي (الكالشيو) الذي أهدى إيطاليا نجمتها الرابعة بالحيلة والخديعة والتمثيل البارع ..
قبل النهائي بيومين، وفي قاعة المحاضرات دس مدرب منتخب إيطاليا (مارتشيلو ليبي) كفيه في جيبي سرواله الجينز ، ومط شفتيه كالمعتاد وهو يثبت نظارته الطبية على أرنبة أنفه ، ثم تطلع إلى (ماركو ماتيراتزي)، قائلا في لهجة بدت هادئة لكنها تخفي خلفها ثورة شك عارمة:
ماركو .. هل استوعبت طريقة إيقاف زيدان عند حده ..؟
أجابه ماركو في هدوء مثير:
لا تقلق سأكون ذلك الفيروس الذي يفسد برمجه مخه الذي يقرأ بالقدم ..
اعتدل ليبي ، وظهر التفكير على صفحات وجهه ، قبل أن يقول :
لقد زودناك بكل شيء تقريبا عن زيدان ، يفترض أنه الآن مثل الكتاب المفتوح .. أليس كذلك يا ماركو ..؟
هز ماركو رأسه متفهما ، وهو يحتفظ بذلك البرود قائلا:
بلى يا أستاذي ، لازالت وصاياك ترن في رأسي : منتخب فرنسا يبدو غامضا مثل سفينة تيتانيك ، ونقطة قوتها الخفية في ربانها الماهر زيدان ، والمطلوب أن تنبت أنت يا ماركو من العدم مثل جبل ثلج أمام السفينة وتغرقها بكل ركابها وحمولتها دون شفقة أو رحمة..
ولكي يتحقق المراد لابد من دفن زيدان حيا في ملعب برلين طوال دقائق المباراة النهائية بالحيلة أولا، ثم بالغدر لو استعصى عليك إخراجه عن طوره بالوسائل التقليدية ..
حك (ليبي) ذقنه الأمرد بإبهام وسبابة يده اليمنى ، وهو يستذكر لقاء الأمس مع لاعبيه، والذي خصصه لضرورة إبطال مفعول زيدان داخل الملعب ، في ذلك المساء الذي يسبق المباراة توقف كثيرا أمام جملة قالها (إليساندرو ديلبيرو):
نحن الاثنان نعرف زيدان تماما ، ولكي تعطل هذا المحرك الضخم عليك أن تسلم مقاليد ذلك لرجل فوضوي لا يتورع عن تقديم فواصل من الصعلكة والوقاحة إذا تطلب الأمر ذلك ..
ليلتها قضى ليبي خمس ساعات إضافية يدرس شخصية زيدان بكل جزئياتها ، كانت من ضمن الملاحظات التي استرعت انتباهه عبارة قالها متوسط ميدان يوفنتوس (كامرونيزي) والذي زامل زيدان في الفريق قبل انتقاله إلى ريال مدريد صائفة 2001:
زيدان لاعب هادئ يتحكم في إيقاع المباريات كما يتحكم المايسترو بفرقته الموسيقية ، لكن أخطر عيوبه أنه يثور ويفقد مزاجه عندما تمس شخصيته من العمق ، دائما تكون ردة فعله عنيفة تجاه من يمس شغاف خصوصياته ..
فجأة وفي قلب الليل، وفي ردهة الفندق خافتة الإضاءة هتف ليبي بكل الانفعالات المتراكمة في أعماقه:
وجدتها ، زيدان لا يحتاج إلى رقيب شريف مؤدب ونظيف ، ولو طبقت هذه القاعدة على جميع اللاعبين لانطبقت تماما على ماركو ماتيراتزي، إنني أحتاج إلى محتال له سوابق في قلة الأدب ..
برقت عينا ليبي بوميض فيروزي مخيف وبدأ في الظلام مخيفا، وهو يلوك سيجارته من الصنف الكوبي ، قبل أن يهتف في ظفر:
زيدان الخجول المرعب يحتاج إلى صعلوك كي يخرجه عن طوره، ويفسد عليه ظهوره الأخير ، نعم ضع أمام زيدان المحافظ نقيضه ماتيراتزي الصعلوك ..
بتر عبارته وهو يفرقع أصابع يديه في توتر ، قبل أن يضيف قائلا :
لنتخيل الصورة من الآن : لاعب فوضوي لا يقيم وزنا للأخلاق الرياضية ، يراقب لاعبا كبيرا باذخ الشرف والأمانة كزيدان، ما الذي سيحدث ..؟
عاد ليبي يلوك سيجارته وينفث دخانها أمام عينيه ، وهو يتمتم في همس :
سيكون المشهد أقرب إلى نملة دخلت رأس أسد هصور فقتلته من الألم ..
استمع (ماتيراتزي) إلى كل كلمة نطق بها الإخصائي النفسي للمنتخب الإيطالي، وجسده يرتجف انفعالا وعيناه تتسعان في دهشة حتى انتهى الإخصائي من ملاحظاته ، عندها انتحى (ماتيراتزي) جانبا، شبك أصابع كفيه أمام وجهه المحدب، وراح يفكر في عمق ، قبل أن ينتفض جسده فجأة، والإخصائي النفسي يقول له :
هل فهمت الآن أين تكمن نقطة ضعف زين الدين زيدان ..؟
أومأ (ماتيراتزي) برأسه :
نعم أيها الطبيب ، صدقني أنا أعرف كيف أضغط على منطقة الألم ..
ثم برقت عيناه في وحشية واضحة مضيفا :
سأجعله يخرج من هدومه ويرى النجوم في عز الظهر ..
ليلة الثامن من يوليو ، ظل (ماركو ماتيراتزي) يتقلب على فراشه ، وعقله يسترجع الطرق والوسائل التي قرر استخدامها مع (زيدان) ، كان (زيدان) قد تحول عند الطليان إلى هاجس مقلق يقض مضاجعهم ، ولا سبيل للفوز بكأس العالم إلا لو خرج زيدان من المعادلة، وبأي ثمن ..
فجأة أظلمت الدنيا في عيني (ماتيراتزي) ، كتلة من الظلام تحيط بمسرح الحدث ، وفي المنتصف برزت فجوة زرقاء تتألق ، صورة موجية ضخمة لفارس يمتطي سيفا ويتقدم بثبات نحو (ماتيراتزي) ، وبسرعة فائقة وضع الفارس ذبابة سيفه على عنق (ماتيراتزي) مباشرة ، لم ير (ماتيراتزي) في حياته كلها مثل هذا المشهد المخيف والمرعب ..
سيف يهوي على عنقه ليجتزه من منتصفة ، ازدرد (ماتيراتزي) لعابه في صعوبة ، ثم ندت منه حركة بائسة يائسة، حركة مباغته أزالت اللثام عن الفارس الأزرق ، وشهق (ماتيراتزي) من الرعب وهو يقول بصوت واهن بدأ لاهثا:
زيدان .. مستحيل ..
ولم يتأخر زيدان الذي رمق (ماتيراتزي) بنظرة غاضبة ، قبل أن يهوي بسيفه على رقابة (ماتيراتزي) مباشرة .. و ..
واستيقظ (ماتيراتزي) وهو يتحسس عنقه ، قبل أن يبذل مجهودا خرافيا للسيطرة على لهاثه ، ثم جرع كأسا من الماء دفعة واحدة ، وهو يتمتم :
يجب أن أتغدى بزيدان قبل أن يتعشى بي ..
نبتت تلك الأفكار الشيطانية في رأس (ماتيراتزي)، وقرر أن يضعها موضع التنفيذ ، لكن الدقائق الأولى من المباراة النهائية بين إيطاليا وفرنسا كانت تحمل للمدافع (ماركو ماتيراتزي) مفاجأة ، بل قل مفاجآت بالجملة ..
التاسع من يوليو ..كانت ليلة صافية ، خلت سماء العاصمة الألمانية (برلين) من الغيوم لأول مرة منذ شهر تقريبا ، بدت السماء المخملية زرقاء توسطها بدر مكتمل الاستدارة ، كقرص فضي لامع ، أضاء الملعب الأولمبي بضوئه الحاني ، وألقى ظلا طويلا لمقصورة الملعب.
رفع (ماتيراتزي) عينيه إلى السماء ، ثم تذكر ذلك الحلم ، دقيقة واحدة عندما وقعت عيناه على (زين الدين زيدان)، بدأ له مثل ذلك الفارس الذي ينتظر نهاية سعيدة ..
اقترب قائد منتخب إيطاليا (فابيو كانافارو) من (زيدان) لتبادل الهدايا قبل المباراة ، تقدم خطوتين لمعانقة (زيدان)، وفجأة تراجع إلى الخلف ثلاث خطوات ، لقد وصله تحذير مدربه (مارشيلو ليبي) في الوقت المناسب:
فابيو .. حذار من معانقة زيدان ، اكتف فقط بمصافحته ، ثم ابتعد عن أي تلامس ..
الواقع أن تحذير (ليبي) لكانافارو وديل بييرو كان في محله تماما ..
في ذلك المونديال ، كان زيدان يعانق زملائه الذين زاملوه ، كانت قبلته لهم سامة ومميتة بحق ، فكل من عانقه لقي حتفه في المونديال ..
بدأ زيدان أولا بالأسبان أيكر كاسياس وسيرجيو راموس وراؤول ، مرورا بالبرازيليين روبرتو كارلوس ورونالدو وروبينيو ، ونهاية بالبرتغالي لويس فيغو ..
لم تكن الدقائق الأولى قد شهدت بعض المناوشات مع زيدان ، وفي الوقت الذي كان فيه (ماركو ماتيراتزي) يبحث عن وسيلة لبدء خطته الاستفزازية كان ينتظره أمام خمسة ستين ألف متفرج حدث جلل..
تيري هنري يحول كرة ثعبانية برأسه نحو لاعب الوسط فلوران مالودا ، يتنحى من اليسار ، ثم يقلب الاتجاه المعاكس ، مبادرة اربكت ماتيراتزي ، فكان أن وقع في المحظور ، لقد أسقط مالودا بقدم كالمنجل ، فلم يتوان الحكم الأرجنتيني هوراسيو اليزوندو من احتساب ركلة جزاء ..
استرجع الحارس الإيطالي العملاق جانلوجي بوفون كل خدع زيدان ، راقبه كظله ، وراح يدرس ما يدور في رأس زيدان ، ثم التقط نفسا عميقا ، متخذا قرارا مصيريا:
الزاوية المفضلة لزيدان دائما هي الزاوية اليمنى ، وبما أنه سدد إلى يمين حارس البرتغال ريكاردو في نصف النهائي ، فحتما سيتخذ نفس المسار ، أصبحت واثقا مليون في المائة أنه سيسدد في نفس الاتجاه ..
في الجانب الآخر ، حك زيدان ذقنه الحليق ، وقف دقيقة متأملا المشهد ، هل يسدد إلى اليسار هذه المرة ، فجأة باغته النداء :
زيزو .. إنها لحظاتك الأخيرة في الملاعب ، لماذا لا تجعل هذه الركلة تاريخية ..؟
ربما كان هذا النداء قادما من الغرفة التي ترقد فيها والدة زيدان عليلة، على إثر وعكة مفاجئة ، تلقاها زيدان صبيحة النهائي بكل القلق والانفعال ..
زوى زيدان حاجبيه ، مص شفته السفلى ، ثم قرر في الثانية الأخيرة :
لأجلك يا أمي سأتخذ مسار التسديد إلى باطن العارضة ، نصف هوائية ، سأقتلع الكرة من الأسفل بمشط القدم ، فتسقط مثل ورقة الشجرة في المنتصف تماما ..
كانت هذه نفس الحيلة التي استخدمها لاعب منتخب تشيكوسلوفاكيا (أنطونين بانينكا) مع القط الألماني (سيب ماير) في نهائي أمم أوروبا الخامسة عام 1976 ببلغراد ..
لكن التنفيذ كان مختلفا تماما ، بانينكا اكتفى بإسقاط الكرة منخفضة فوق جسد ماير ، أما زيدان فقد كانت فكرته عبقرية، لكنها في نفس الوقت مجنونة لا يحتمل مشاهدتها أصحاب القلوب الضعيفة..
فغر خمسة وستون ألف مشاهد في الملعب ومعهم ثلاثة مليارات حول العالم أفواههم في دهشة، هل يريد زيدان أن يمشي على سطح القمر وحيدا؟
لحظة مضت على زيدان كالدهر وهو يقذف الكرة بمشط القدم كمن يقذف الكرة باليد، احتكت الكرة بباطن العارضة ثم سقطت تتراقص خلف خط المرمى ..
ألجمت المفاجأة المبتكرة بوفون، كان يشاهد انسيابية الكرة الزيدانية في ذهول، قبل أن يهتف:
يا لك من عبقري ..!
كان زيدان حتى هذه اللحظة يقف على مسافة قريبة جدا من الثنائي اللاتيني بيليه ومارادونا، كل شيء كان مهيأ أمام زيدان للفوز بكأس العالم للمرة الثانية .. لكنه في الواقع لم ينتبه للفخ الاستفزازي الذي عربد مباشرة في عقل ماتيراتزي..
الواقع أن اللعبة الدامية بدأت من هنا ..
ركنية إيطالية من اليمين ، بيرلو يتولى رفع الكرة ، ماتيراتزي يقفز أعلى من باتريك فييرا، يفتح يديه لمنح جسده التوازن المطلوب ، ثم يسكنها بقوة في شباك الحارس الفرنسي المذعور دائما فابيان بارتيز ..
ظهر أول احتكاك بين زيدان وماتيراتزي في كرة مشتركة، خرجت الكرة إلى الآوت ، عندها بدأت لعبة الاستفزاز :
أنت رجل عجوز لا تصلح للالتحامات ..
كانت عبارة ماتيراتزي شرارة لما هو قادم ، عبارة قاس من خلالها ماتيراتزي ردة فعل زيدان ، لكنه في الواقع كان يبحث عن منطقة الألم في عقل زيدان ..
حافظ زيدان على رباطة جأشة ، إنه يعلم طبيعة المدرسة الإيطالية ، حاول قدر الإمكان ألا ينجر إلى لعبة ماتيراتزي القذرة ..
خمس دقائق أخرى ، يرفع ماتيراتزي نسق لعبة الاستفزاز ، يقترب من زيدان هامسا :
كلنا نعلم أصلك وفصلك أيها الأصلع ..
مضى زيدان بعيدا عن ماتيراتزي ، عدل من وضع شارة القيادة ، ثم زفر بركانا من الحمم :
يا إلهي الهمني الهدوء أمام هذه الصعلكة الإيطالية ..
قبل نهاية الوقت الأصلي للمباراة ، وقعت واقعة تمهد لما هو قادم ..
كانافارو بكل جسده يسقط على كتف زيدان الأيمن ، يسقط الفرنسي متألما ، ومن حوله أربعة لاعبين طليان يقهقهون ويتغامزون ، قبل أن يتقدم ماتيراتزي قائلا لزيدان:
لقد سقط الأبله العجوز ، هيا لملموا عظامه ..
بدت إصابة زيدان قوية للغاية ، هو نفسه وسط حرب الاستنزاف النفسي طلب من المدرب رايمون دومينيك التغيير ..
كان أكثر الطليان سعادة بإشارة زيدان هو ماتيراتزي بطبيعة الحال ، وظل في منطقته يراقب الفريق الطبي وهو يعالج قائد الديوك ..
هتف دومينيك :
لا نستطيع اللعب بدونك ، يكفينا أن تكون داخل الملعب واقفا ..
تحسس زيدان موضع الألم ، قبل ان يرمق مدربه بنظرة ذات مغزى قائلا :
أنت لا تعلم ما يدور في الخفاء ..
مرة أخرى يقترب ماتيراتزي من زيدان والكرة خارج الملعب قائلا بلهجة تهكمية:
ها قد عاد العجوز الأصلع ، يبدو أنك تأثرت بمحيط العاهرات ..
كان هرمون الأدرينالين يتصاعد في أعماق زيدان ، ابتعد عن ماتيراتزي مرة ومرتين ، لكن الإيطالي طور من أسلوب الشتائم وهو يستذكر نصيحة الإخصائي النفسي:
اضغط عليه في أعمق أعماقه ، نقطة ضعفه أسرته وأهله..
مع نهاية الشوط الثاني مد ماتيراتزي قنينية مياه لزيدان، قائلا:
خذ هذه القنينية واغسل بها بيت العاهرات ..
قطب زيدان جبينه، وهو يبتعد عن ماتيراتزي ، في حين بدأ أن الأدرينالين قد أفرز كل هرمونه ، فأصبح زيدان قابل للانفجار في أي وقت..
الوقت الإضافي الأول ، يستخدم ماتيراتزي ألفاظا يندى لها الجبين مست زيدان في العمق ، سمعها في 15 دقيقة ثلاث مرات ، لكنه رفض توريط نفسه في لعبة الاستفزاز، لكن الصاعقة قادمة لا ريب ..
الدقيقة 110 ، كرة فرنسية عالية نحو منطقة جزاء إيطاليا يبعدها كانافارو إلى منطقة بعيدة ، ماتيراتزي يمسك بقميص زيدان من الخلف ، حاول زيدان التخلص منه ولم يفلح..
استدار زيدان وقد كان خارج منطقة جزاء إيطاليا نحو ماتيراتزي قائلا:
مالك وهذا القميص، إذا كنت تريده سأعطيك إياه بعد نهاية المباراة ..
أفلت ماتيراتزي القميص ، وهو يقول بلغة سوقية:
لست بحاجة إلى قميص عجوز مثلك، أريد قميص نوم أختك..
زيدان يغمغم بغضب وهو يبتعد عن ماتيراتزي:
كف عن هذا الكلام البذيء ..
رفع ماتيراتزي صوته وهو يقول:
كلنا نعرف حكاية أمك و اختك، سأكون سعيدا بقميص اختك أو حتى..
بتر ماتيراتزي عبارته، وزيدان يهتف بنفاد صبر:
قلت لك كف عن هذا ، و إلا ..
هتف ماتيراتزي في سخرية :
و إلا ماذا يا ابن ال ……
( ماتيراتزي استخدم مفردات قاسية ترجمتها معاهد قراءة الشفاة في البرازيل وبريطانيا، جميعها تخص الأم والأخت كما قال زيدان بعد ذلك لقناة كنال بلوس الفرنسية)
زيدان يتوقف فجأة ، يتقدم خطوة .. خطوتين ، الإيطالي يواصل مسلسل الشتائم بحق والدة زيدان المريضة، وصرخت كل خلية في جسد زيدان ، كان الأدرينالين هو المتحكم في ردة فعله :
يلتفت زيدان إلى ماتيراتزي ، يتوقف بغتة، يقترب قليلا ثم يوجه إلى صدر ماتيراتزي نطحة قوية ، متبوعة بجملة :
اخرس أيها الصعلوك القذر ..
بوفون وكانافارو يهرعان نحو الحكم ، وبين شد وجذب مع الحكم الرابع ، كان قرار الطرد
فتح ماتيراتزي عينا وهو يبتسم للقائد كانافارو ، ثم همس ضاحكا :
لقد فعلتها كما وعدتكم، فعلتها بلا رحمة ..
راقب ماتيراتزي زيدان وهو يخرج صاغرا في ظهوره الأخير ، ثم التقط نفسا عميقا وهو يغمغم :
لم تفهم اللعبة مثلنا ،لقد كنت أطبق وصية السياسيين فحسب يا زيزو : الغاية تبرر الوسيلة ..!
نهض ماتيراتزي في تشخيص سينمائي بارع ، وهو يغمغم بينه وبين نفسه :
إننا في ساحة حرب ، لا نقيم فيها وزنا للعواطف ..
كان زيدان يعلم تماما أنه سكب الكثير من الحبر على ردائه الدولي الأبيض ، لم ينبس ببنت شفه ، وقد سقط في فخ التعليب النفسي في الرمق الأخير ، سقط وقد أدرك أن ماتيراتزي سحق حلمه الأزرق إلى الأبد ، سحقه تماما وبلا رحمة ..!