الزعيمان في الدوحة .. إنه الهلال يا عزيزي ..!

تحليل – محمد العولقي

منطقيا، ثبتت رؤية الهلال السعودي في الدور النهائي لدوري أبطال آسيا، بانتظار التأكيد بعد أسبوعين ، عندما يستضيف الهلال شقيقه السد القطري إيابا في جامعة الملك سعود بالرياض.

سطع الهلال كثيرا في سماء الدوحة فأغشى أبصار لاعبي السد القطري ، حيث تنزه لاعبوه في مرمى السد أربع مرات، في مباراة تحول فيها لاعبو السد إلى رجال مرور، وظيفتهم تسهيل وصول لاعبي الهلال إلى المرمى ومن أقصر الطرق.

ورغم أن الهلال السعودي يراهن دائما على أسلحته الهجومية الفتاكة، إلا أنه ما من رجل فني كان يتوقع انهيار السد على أرضه ووسط جماهيره أمام الموج الأزرق بأربعة أهداف مقابل هدف، في مباراة نصف نهائية الخطأ فيها ممنوع..

وهي نتيجة كبيرة وضعت قدمي فريق الهلال في الدور النهائي دون الوضع في الاعتبار مباراة العودة التي تحتاج من السد إلى معجزة كروية، في زمن ازرق تحول فيه الهلال إلى تسونامي، يدمر السدود والحدود، ولا يقيم وزنا لأي منافس مهما كان حجمه أو غلا ثمنه ..

قبل المباراة بيومين، حرص زميل عزيز على قراءة توقعي عن المباراة ، ودون الرجم بالغيبيات قلت له:
الهلال سيفوز على السد ..
قهقه زميلي وهو يعلق على توقعي:
يبدو أنك لا تعرف السد كثيرا في دوري أبطال آسيا ..
تبسمت هذه المرة بغموض ، مردفا:
أعرف السد تماما، لكني أعرف الهلال أكثر ..

فاز الهلال في قلب ملعب الشيخ جاسم بن حمد بنتيجة كبيرة قوامها أربعة أهداف مقابل هدف اعتباري للسد لا يغني ولا يسمن من جوع ، فهاتفني زميلي قائلا :
يبدو أنك تقرأ الكرة البلورية جيدا ، سأضبط كرتي البلورية مستقبلا حتى لا تتوه بوصلة توقعاتي.

والآن بعد أذن زميلي العزيز ، سأكشف له عن سر ضبط كرة بلورتي جيدا ، لكن ليس قبل أن نقرأ ما بين سطور سطوة الهلال وانتكاسة السد ف،عندما التقى الزعيمان ظهر الفارق القاري واضحا بين زعيم ذهبي عيار 24، وزعيم فالصو وقع في أسر حكاية البومة التي قالت لأترابها والصيف يحتضر:
أنا مستعجلة اقطعوا مزقري بسرعة

فيض هلالي ..

تعود الهلال السعودي أن يكون الطرف المستفز في المباريات الكبيرة ، فهو يتريث كثيرا قبل أن يفك قيد نواياه ويطلقها من عقالها.

لم تتغير فلسفة الهلال أمام السد، رغم أن الظروف كانت تحتم عليه عدم المخاطرة في الدوحة ، وعدم إتاحة المبادرة للمضيف، لكن لوشيسكو مدرب الهلال فضل الإبقاء على نفس الفلسفة التي يكتسح بها منافسيه محليا وقاريا.

كان مبدأ الهلال أمام السد التحفظ أولا وعدم المجازفة ثانيا ، ثم ترك الفعل للسد ، بعدها يمتص هذه الكثافة الدفاعية ويبدأ مدربه في جرجرة الخصم وسحب البساط التكتيكي من تحت قدمي تشافي هيرنانديز مدرب السد القطري بحثا عن رد الفعل
أمام أهلي جدة .. تخلف الهلال بهدف .. ثم فاز في النهاية بالأربعة ..!

أمام اتحاد جدة .. تخلف بهدف .. ثم فاز بالثلاثة ..
وها هو يتخلف أمام السد القطري بهدف .. ثم يفوز بالأربعة .. إنها عادة هلالية قطعها عداوة ..

اللافت للنظر أن سحابة الهلال الزرقاء تمطر أهدافا غزيرة في دوري أبطال آسيا ، جرفت معها كل الأرقام القياسية ، حتى بدأ وكأن الهلال قد شيد قبة زرقاء لموسوعة جديدة تضاهي موسوعة جينيس للأرقام القياسية ، وتابعوا معي غيض من فيض هلالي لا ينضب:

– سجل الهلال 21 هدفا في نسخة دوري أبطال آسيا لهذا العام ، والرقم قابل للزيادة أمام السد إيابا في الرياض ، وحتى النهائي الكبير مع بطل شرق القارة الصفراء
الهلال بهذا الرقم (غير النهائي) تجاوز بلدياته الاتحاد الذي سجل 20 هدفا في أيام اتحادية سادت ثم بادت.

– حقق الهلالي المخضرم محمد الشلهوب رقما خاصا عندما سجل الهدف الرابع في مرمى السد بمهارة من يقذف الكرة بيده ، وبهذا الهدف انفرد الشلهوب بميزة قارية لا يدانيه فيها لاعب آسيوي آخر ، فقد بات أول لاعب هلالي يسجل في تسع نسخ من دوري أبطال آسيا.

– وصل مهاجم الهلال الفرنسي بافيتمبي جوميز إلى هدفه التاسع في البطولة ، ويمكنه في مباراة الإياب أمام السد فض الاشتباك مع البرازيلي ليوناردو سيلفا
– حقق الهلال فوزه الخامس على السد في دوري أبطال آسيا بمسماها الجديد ، مقابل انتصارين للسد وثلاثة تعادلات.

شاكلة هلالية مرعبة ..

ظن بعض الفنيين أن مدرب الهلال لوشيسكو سيعدل من شاكلته تكتيكيا، حتى يتسنى له الخروج من الدوحة بأقل الأضرار الممكنة ، لكن الرجل خيب ظن هؤلاء ، فقد حافظ على هيكل الفريق التكتيكي، ولم يدخل عليه أي تعديل.

مارس لوشيسكو شاكلة 4/2/3/1 ، معتمدا على رباعي الدفاع علي البليهي والكوري جانج ومحمد البريك وياسر الشهراني ، ولعب بثنائي محور الارتكاز محمد كنو والقائد سلمان الفرج ، وأمامهما الطوفان الثلاثي المدمر كاريلو (يمينا) وسالم الدوسري (يسارا) وخلفهما صانع الألعاب الإيطالي سبستيان جوفينكو ، وفي المقدمة رأس الحربة الصريح الفرنسي جوميز.

الذين طالبوا لوشيسكو بضرورة تعديل الشاكلة الهجومية البحتة ، كانت حجتهم أن دفاع الهلال يعاني من بعض العيوب، خصوصا في العمق الدفاعي.

عيوب لم تكن لتفلت من لوشيسكو لولا أنه منح كنو أدوارا دفاعية بحتة ، فقد حوله في محور الارتكاز إلى معصرة زرقاء تطحن وسط السد وتعصر كل ملكات حسن الهيدوس صانع الألعاب الماهر.

كان كنو يدمر البناءات الهجومية للسد ، يميت الكرة ثم يحييها عندما يتحول من معول هدم إلى آلة تسليم لزميله سلمان الفرج.

ولكي تتحرك معصرة الهلال هجوميا يجب أن يتعرض الفريق لحالة استفزازية تدفعه للرد، من خلال أسلحته النووية هجوميا غير المحرمة دوليا.

وعندما سجل السد هدف التقدم في وقت مبكر وبنيران صديقه من جوميز ، كان السد كمن ينكش عش الدبابير ، فقد غطى طوفان الموج الأزرق على كل المساحات ، وبدأ بالفعل يبحث عن دليل هاتف النجدة ، ولم يكن السد ليقوى على المجابهة والصمود ، فبدأ تشافي هيرناديز يرفع الراية البيضاء مبكرا ، وتحديدا مع هدف التعديل الذي سجله جوميز.

لم يمض الكثير من الوقت، فقد دخل الهلال استراحة ما بين الشوطين بإريحية واضحة، والفضل في ذلك لهدف المدافع علي البليهي في الرمق الأخير من الشوط الأول.

لم يكن مدرب السد تشافي يعلم أن مصائب الشوط الثاني – وهو شوط المدربين كما علمنا السادة المدربون – لن تأتي فرادى ، ففي الوقت الذي كان السد يبحث عن خرم إبرة ينفذ فيها بو نجاح إلى مرمى عبدالله المعيوف حارس الهلال..

ارتكب أفضل لاعب في آسيا الظهير الأيسر عبدالكريم حسن حماقة أعيت حكم اللقاء، فطرده في مشهد درامي أكد أن السد في طريقه للانهيار على مختلف الجبهات ..

بالفعل جاء الهدف الثالث من توقيع جوميز أيضا ، ثم تلاه البديل محمد الشلهوب بهدف رابع بدأ كرصاصة رحمة ، لأن الهلال وقتها لو كان بحاجة للفوز بتسعة أهداف لسجلها لاعبوه دون أن يخفض لهم طرف ..

تشافي خسر تكتيكيا بسبب محمد البريك ..

اختار تشافي هيرناديز مدرب السد بدلة هجومية للمواجهة ، لكن همه الأول كان كيفية مراقبة محمد البريك في الجهة اليمنى للهلال، رقابة لصيقة (مان تو مان) ..
قد يثور بعضكم ويسأل:
رقابة لصيقة لظهير أيمن .. كيف هذا ؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرس أسلوب الهلال ، عندها سنكتشف أن ظهير الهلال الأيمن محمد البريك هو العنصر الأخطر الذي يصنع انتصارات الهلال في المباريات الكبيرة.

وميزة البريك أنه ظهير زئبقي، تجده شاعرا يصنع الفارق عندما يتمدد هجوميا ، وتجده محاربا قاسيا عندما ينكمش دفاعيا ، لكن الأصل أنه اللاعب الجوكر الذي يكبر هلاله في المباريات الصعبة والحاسمة، على مستوى صناعة الأهداف.

لهذا السبب صب تشافي تركيزه على ضرورة إجهاد البريك دفاعيا، ومنعه من التقدم أو التوغل هجوميا ، وضع أمامه أكرم عفيف، وخلفه كاسحة الألغام عبد الكريم حسن.

كان هذا التزاوج التكتيكي بين عفيف وحسن هو هاجس تشافي ، لكنه في هذه الميزة قرأ الكليات كما هي ولم يتفطن للجزئيات ، أو حتى حالات الطوارئ التي قد تتلف المعادلة وتنسفها من أساسها.

وعندما طرد عبدالكريم حسن لتهوره غير المبرر، انكشفت شاكلة تشافي التكتيكية ، ثم تلاشت كزوبعة في فنجان مدربه المبتدئ.

نجح تشافي في تقييد حركة البريك وأبطل مفعوله الهجومي تماما، غير أنه في النهاية خسر اللقاء الأهم في مسيرته كمدرب، والسبب محمد البريك أيضا ، هذا لأن لوشيسكو ضحى بالبريك، ولم يفكر في فك أسره، لكنه نقل كل العمليات إلى هناك إلى الجهة اليسرى حيث الشهراني وكاريلو و جوميز ..

خاض السد المواجهة بنفس الرسم التكتيكي للهلال 4/2/3/1 ، في الدفاع الرباعي طارق سلمان وخورخي بو علام و الكوري يونج وعبدالكريم حسن ، وفي محور الارتكاز الثنائي القائد جابي نجم أتلتيكو مدريد الإسباني سابقا و سالم الهاجري..

وأمامهما الثلاثي: الكوري نام تاي (يمينا) وأكرم عفيف (يسارا) .. وخلفهما القائد وصانع الألعاب حسن الهيدوس ، وفي الهجوم رأس الحربة الجزائري بغداد بو نجاح.

أخطأ تشافي في حساباته لأنه تصور أن الهلال نسخة طبق الأصل من جاره النصر ، لذا تعامل مع المباراة بنفس السيناريو ونفس الأدوات ونفس الملامح دون مفاجآت تكتيكية.

صحيح أن تشافي راهن على عيوب العمق الدفاعي الهلالي ، ثم التقدم والاقتحام عبر جهة الظهير الأيسر ياسر الشهراني ، لكن تشافي ألغى من مفكرته كليا رصانة وثعلبية مدرب الهلال الروماني لوشيسكو.

كما قلت سابقا: تأسست قناعة تشافي على مراقبة ظهير الهلال الأيمن محمد البريك، وعلى استغلال عيوب دفاع الهلال دون وضع الكثير من الضوابط تجنبا لأي طارئ قد يحدث في المباراة خارج عن السيطرة.

خرج القاطرة عبدالكريم حسن من الملعب فبدأ وكأن تشافي خسر المحرك ، فقد تعطل اللعب وأصبح السد يلعب كرة عشوائية غير منتظمة ، ولو كان الهلال لئيما في الدوحة، ولم يضع الضيافة في اعتباره لفاز بتسعة أهداف على أقل تقدير ..

الطراوة البدنية ماركة هلالية

وإذا كان الهلال السعودي قد لعب في الدوحة مباراة مثالية خالية من الأخطاء ، فلا شك أن عاملا حاسما ساهم في ثبات اللاعبين نفسيا وتكتيكيا حتى الصافرة النهائية لحكم المباراة.

كانت الحالة البدنية للاعبي الهلال في أعلى منسوب لها ، ولقد استطاع مدرب الهلال الاستفادة من هذا العامل ، فجعل منه سلاحا يتماشى مع التبديلات.

بعد عشر دقائق من الشوط الثاني والهلال متقدم بثلاثة أهداف ، أخرج المدرب جوفينكو وأدخل المخضرم محمد الشلهوب ( 39 عاما) ، كان هذا التبديل لحظة تجلي من المدرب ، فقد أيقن أن السد تلاشى مثل خيط دخان..

وعندما يستعين بلاعب خبرة مهاري وقائد يمتلك شعار الفوز ، فلابد أن تثمر هذه المحاولة عن ضربة قاضية ، وهذا ما فعله الشلهوب في هدف الهلال الرابع.

حافظ الهلاليون على الطراوة البدنية، لأن العامل النفسي كان مرتفعا ، على عكس لاعبي السد الذين خارت قواهم بدنيا، لأن الحالة النفسية للاعبيه كانت في الحضيض ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى