ريال الرابع عشر ..!

كتب: محمد العولقي

مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا بين ريال مدريد وليفربول كانت تكتيكية بامتياز، راهن فيها كارلو أنشيلوتي، على عمق دفاعي أفرغ عليه كل زبر الحديد المسلح، فيما كان رهان الألماني يورغن كلوب يصب في أسلوب الضغط العالي على بناء الريال من الأمام فقط..

ومباراة تكتيكية من هذا النوع، لا تحتاج فقط إلى خبرة كيف تدافع، وتمنع الخصم من الوصول إلى الشباك؟ لكنها تحتاج أيضاً إلى ذكاء وصبر في التعاطي مع الجزئيات الصغيرة بالذات.

صحيح أن ليفربول كان أكثر انتعاشا في السيطرة وخلق الفرص، لكن الذي كان ينقص أبناء يورغن كلوب في ليلة باريس الظلماء هو الوعي التكتيكي .. والوعي التكتيكي في كرة القدم، يعني أن تجد حلولاً لكل المعضلات، في الوقت المناسب، ومن أوضاع تبدو صعبة ومستحيلة، هذه ميزة تكتيكية تحدد أهمية اللعب على الجزئيات الصغيرة، وهي ميزة توفرت بكثرة في لاعبي ريال مدريد الأكثر خبرة بخفايا وخبايا دوري أبطال أوروبا، ولم تتوفر في لاعبي ليفربول ولو في حدها الأدنى.

المعركة الشائكة في هكذا مباراة هي معركة الوسط، فوسط ريال مدريد كان قوياً ومتوافقاً، فمنح العمق الدفاعي تماسكاً وصلابة، وعندما جسد أنشيلوتي خط وسطه، وكيفه نفسياً، مع مهمة تبديد طاقة لاعبي ليفربول، نكان في الواقع يعطي الوسط الدفاعي والوسط الرابط كل مهام النبش في جدار خط وسط ليفربول.

وإذا كان كارلو أنشيلوتي قد أعاد بعضاً من أسمنتية (الكاتناشيو) الإيطالية، في خنق اللعب، فلأن سلاحه الأول، كان التركيز على الحالة الذهنية للاعبي الريال وهي حالة صنعت الفارق في أوقات صعبة وجعلت الليفر كما لو أنه يلعب عارياً.

هل تفوق كارلو أنشيلوتي على يورغن كلوب في الخبث التكتيكي؟ ..لا يمكن الجزم بنعم، فلولا تدخلات الحارس (ثيبو كورتوا) في أوقات كثيرة أمام محمد صلاح وساديو ماني، لكان لزاماً على أنشيلوتي الانتقال إلى خطة الطوارئ التي اعتادها، لكن هذا لا يعني أن أنشيلوتي رهن طريقة لعبه للحظ والتوفيق كما يقول بعض الذين لا يفقهون شيئاً في الحذق التدريبي.

نعم كرة القدم طالما كانت لعبة بشر فإن مباريات من هذا النوع لا تخلو من الحظ، لكن حتى الحظ لا يأتيك على طبق من ذهب تأمره فيستجيب دون تعب، وريال مدريد اجتهد وكافح وتجاوز في مشواره الصعب الكثير من الأسلاك الشائكة، فنال نصيبه من التوفيق.

السيناريو الذي شاهدناه لم يكن خيار ليفربول، إنه في الأساس خيار ريال مدريد، اللعب على فلسفة الجزئيات الصغيرة خلف ظهر عمق دفاع ليفربول البطيء نسبياً، والأهم في تطبيق هذه الفلسفة، أن لاعبي ريال مدريد كانوا صبورين للغاية وواثقين أن القاضية قادمة.

كرة القدم ليست مثل لعبة الملاكمة يا يورغن كلوب لا يمكنك أن تكسب نقاطاً لمجرد أنك فرضت السيطرة على الأداء في الملعب، إذا لم تحرز أهدافاً وتحسم الأمور من الشباك عندها سيكون الحديث عن السيطرة عقيماً للغاية.

لماذا فاز ريال مدريد بلقبه الرابع عشر في باريس، مع أنه لم يكن أفضل من ليفربول بمقياس السيطرة والفرص المتاحة؟

الإجابة ببساطة: ريال مدريد اهتم بالغاية على حساب الوسيلة، لعب لأجل هدف التتويج وتحقق له ذلك، بغض النظر عما إذا كانت الوسيلة محتشمة بعض الشيء وبواقعية تحقيق الهدف كان ريال أحسن من ليفربول في المحتوى وبلوغ المبتغى.

تفوق الريال تكتيكياً على ليفربول، لعب بحذر وعينه على الجزئيات الصغيرة، إما بين قلبي الدفاع فان ديك وكانوتيه أو خلف الظهيرين المتهور ألكسندر أرنولد والمخضوض روبرتسون كانت مباراة تركيز تعتمد على براعة النقلة الأخيرة وكأننا أمام حوار ساخن على رقعة شطرنج.

ولكي تعي وتفهم قيمة القدرات الذهنية عند لاعبي ريال مدريد، ضع الهدف الوحيد الذي سجله فينيسيوس جونيور على طاولة التشريح .. الكرة انطلقت بسرعة السهم من العمق إلى الرواق الأيمن حيث فالفيردي، هنا توقف كثيراً ولاحظ الوعي التكتيكي المذهل للقائد (كريم بنزيمة) كيف تحرك من العمق إلى الخلف؟ وكيف جعل خط ظهر فريق ليفربول مكشوفاً أمام فينيسيوس؟ .. راقب جيداً كيف كان كريم بنزيمة طُعماً أجبر فان ديك وكانوتيه على إفراغ العمق من محتواه؟.. هذا الوعي التكتيكي لكريم بنزيمة هو الذي يجعل كل المدربين يتمسكون به حتى لو لعب على عكاز.

أحيانا أنت كمدرب مضطر لأن تفاجئ خصمك أو تغريه
فيعتقد أنك لقمة سائغة، ولا يتنبه للفخ، إلا بعد خراب مالطا، التخندق الدفاعي للريال كان هدفه استنزاف القدرات الفردية والذهنية، وتشتيت شمل دفاع، ووسط ليفربول، يمكنكم أن تستوعبوا هذا الخبث التكتيكي للاعبي الريال من خلال تلك الكرات الليفربولية الطويلة اليائسة، وهو أمر تسبب في إرهاق المهاجمين وإخراجهم عن تركيزهم.

عموماً فوز ريال مدريد بلقبه الرابع عشر، كان متوقعاً ومنطقياً، ولو لم تنصف كرة القدم عطاءات الداهية كريم بنزيمة في المحطة الأخيرة لكانت من الظالمين..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى