يان أوبلاك .. ليس كل طائر سلوفيني يؤكل لحمه ..!

تقرير – محمد العولقي

يا لها من مصادفة مدهشة تحبس الأنفاس ..!

في مونديال المكسيك عام 1970 ، تصدى حارس مرمى إنجلترا الرائع غوردن بانكس بإعجوبة لرأسية ملك الزمان والمكان البرازيلي بيليه، بطريقة استعار فيها الحارس الإنجليزي البارع كثيرا من انسيابية سمكة السلومون.

أتت الكرة في طريقها إلى أقصى الزاوية اليمنى لمرمى إنجلترا ، صرخ بيليه بكل ما أوتي من قوة : (غووووول)، لكن في لحظة سينمائية مدهشة انسابت سمكة السلومون بنعومة و بحركة أكروباتية بارعة قل نظيرها ، فتمكن بانكس من إبعاد الكرة عن مرماه بمعجزة حقيقية.

تصدي بانكس لرأسية بيليه

انعقدت ألسنة أكثر من مائة ألف مشاهد في مدرجات ستاد أزتيك العملاق، لم يصدقوا أن حارسا مهما كان وزنه يستطيع أن يقف في وجه بيليه بكل هذا الإصرار والتحدي، ثم يحبطه تماما ويجعله يندب حظه أمام السحرة وملوك طلاسم الكعوب.

مع نهاية المباراة التي انتهت بفوز البرازيل على إنجلترا بهدف سجله جارزينهو وليس بيليه المحبط، تقدم الملك بيليه من بانكس، والإحباط يبدو واضحا على محياه، قائلا: “بكل عزيز عليك يا غوردن، كيف توصلت للكرة وهي تبعد عنك بمسافة مترين على الأقل .؟

هز الحارس الإنجليزي منكبيه العريضين مجيبا:
لست أدري ، لقد كانت لحظة إلهام ليس إلا..

تعليق بانكس ضاعف من إحباط بيليه، فقد كان يتوقع محاضرة طويلة عريضة من الحارس الإنجليزي يتباهى فيها بقدراته وحدسه وحسن توقعه، و قدرته على قياس الزوايا، لكنه بعد هذه الحادثة بأيام، أعلن أنه يرفع القبعة لبانكس فقط، ليس لردة فعله على إنجازه الأسطوري فقط، ولكن لتواضعه وبساطته في التعامل مع لحظة نادرة لم تتكرر حتى الآن، على الأقل في بطولات كأس العالم.

بارحة بيليه وبانكس المونديالية ألقت بكل ظلالها على واقعة الأمس، التي كان بطلاها كريم بنزيمة ويان أوبلاك، هذه المرة استنسخ ثنائي ريال مدريد وأتلتيكو مدريد حادثة البارحة بين بيليه وبانكس مع تعديل طفيف في السيناريو.

كان ملعب مترو بوليتانو الخاص بنادي أتلتيكو مدريد مسرحا للحظة هاربة من الزمن، وكأن وحي بارحة بيليه وبانكس هبط في ليلة كريم و أوبلاك، ليخلص اللقاء من خجله الهجوم ، لحظة خالدة ستبقى في الذاكرة لقرن أو يزيد.

 أوبلاك .. التصدي المدهش ..

أوبلاك

في ملعب مترو بوليتانو التقى الجمعان ريال مدريد وأتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني، مباراة تكتيكية قاتمة ألقت بحمولتها على الحالة البدنية للاعبين، ووسط مباراة مغلقة للغاية، مغلفة بكل توابل انفلات الأعصاب، طغى فيها الحرص التكتيكي على الحس الفني، شهدت هذه المباراة وتحديدا في آخر ربع ساعة من المباراة المشهد الأهم الذي لم يفرغ المباراة من محتواها و إثارتها.

ظهير ريال مدريد ناتشو من الجهة اليسرى يرسل عرضية ملتوية صعبة على حدود نقطة الجزاء، بمهارة فائقة يقفز المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة عاليا، ثم يلوي عنقه وهو يوجه ضربة رأسية دقيقة جدا نحو الزاوية اليسرى لحارس أتلتيكو مدريد السلوفيني يان أوبلاك، كانت كرة مركزة وفي زاوية منحرفة صعبة يستحيل أن يتتبعها بشري مهما كانت قدراته.

راقب بنزيمة رأسيته وهو واثق مليون في المائة أنه اختار القرار الصائب، رفع قبضته في الهواء وهو يهتف بانفعال: (غووووول)، لكن مهلا فليس كل طائر سلوفيني يؤكل لحمه، فهذا الحارس العملاق يان أوبلاك يقفز كسمكة السلومون، يحلق تحليقا نصف قطري كالسوبر مان، وفي جزء من الثانية وصلت أنامله الفولاذية لتمنع هدفا مدريديا لم يكن ليسأل عنه أوبلاك، لو أن كرة كريم ولجت شباك الروخي بلانكوس.

وقف ثمانون ألف مشاهد في مدرجات ستاد المترو بوليتانو على أطراف أصابع أقدامهم، وهم يحظون بمشاهدة لقطة سينمائية واقعية لا تنتمي لأفلام الخيال العلمي، و عندما استفاقوا من تجليات المشهد المهيب صفقوا طويلا للحارس يان أوبلاك.. كان هذا أكبر تكريم يمكن أن يحظى به حارس مرمى لا ينتمي منتخبه ولا فريقه للقوى الكروية العظمى.

نفس المرارة التي شعر بها بيليه قبل 49 عاما، شعر بها كريم بنزيمة في تلك اللحظة المجنونة، مع الفارق أن الفرنسي بدأ مذهولا من وثبة أوبلاك، ومن قدرته على اختزال الزمن عند إبطال مفعول كرته التي صب فيها كل سموم الأفاعي والعقارب معا.

نشوة وإحباط ..

احتاج مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة إلى أيام ليستعيد توازنه النفسي، بعد ما بدأ مذهولا من حجم إنجاز يان أوبلاك في موقعة المترو بوليتانو

“لست أدري كيف فعلها يان ..؟ كنت متأكدا تماما أنني وضعت الكرة برأسي في زاوية مائلة ومنفرجة، وهذه الوضعية تصعب من ردة فعل الحراس عاد ، كل شيء بالنسبة لي كان يسير على ما يرام، تابعت الكرة بطرف العين وهي تنحدر بسرعة مخيفة، تأكدت أنه ما من عائق يستطيع منع الكرة من معانقة الشباك، فجأة رأيت ضلا ضخما يحلق على ارتفاع مخيف، هتفت في لحظة نشوة: غوووول، جزء من الثانية رأيت أنامل تبعدها كما لو أنني أشاهد حركة سينمائية مدبلجة من أفلام المخرج سبيلبيرج”

هكذا وصف كريم بنزيمة تلك الحركة التي جاء بها أوبلاك من وحي إلهامه.

لم يشأ أوبلاك إضفاء المزيد من التشويق الهتشكوكي، فقد تعامل مع اللحظة على أنها مجرد توفيق بالدرجة الأولى، و إن كان لم يلغ معادلة ردة فعله ..

“لا .. ليس في الأمر ثمة معجزة أو دراما تتعلق بمواهبي في الحراسة ، إنها مجرد لحظة توفيق مدهشة امتزجت مع ردة فعلي السريع الخاطف ”

الخامسة في الطريق..

في الواقع لم يكن حارس مرمى أتلتيكو مدريد يان أوبلاك بحاجة إلى هذه الحركة المدهشة التي حرمت ريال مدريد من تسجيل فوز مستحق في لقاء الديربي، فكل أرقام أوبلاك مع أتلتيكو مدريد ولخمسة مواسم تؤكد أنه يستحق جائزة أفضل حارس مرمى في العالم.

وبالنظر إلى النصف الفارغ من الفنجان ، فيبدو أن جنسية يان أوبلاك ظلمته كثيرا وحرمته من مكانة خاصة بين الحراس العظام يستحقها بكل تأكيد.

لاحظوا أن يان أوبلاك لا ينتمي لمنتخب أوروبي كبير، ولا ينتمي لفريق أوروبي كبير في وزن الريال أو البرشا أو مان يونايتد، لكنه مع ذلك فاز أربع مرات متتالية بجائزة أفضل حارس مرمى في الليجا الإسبانية، وفي طريقه هذا الموسم بعد حركته الأكروباتية للحفاظ على اللقب للمرة الخامسة، رغم أنه يلقى منافسة شرسة من الألماني تير شتيجن.

وللذين يستكثرون على أوبلاك لقب أفضل حارس مرمى في العالم، ما رأيكم أن الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل تدعم أوبلاك، وتنصره على كل حراس المرمى في العالم؟

يمتلك يان أوبلاك أهم رقم في تاريخ أي حارس مرمى في العالم قديما وحديثا، فقد خاض هذا العملاق 216 مباراة مع أتلتيكو مدريد، أنهى فيها 122 كاملة بشباك نظيفة (كلين شيت).

وأوبلاك حارس مرمى ذو حدس فريد من نوعه، فهو بالإضافة إلى مرونته وقوته الجسدية وطوله الفارع، يمتلك قرون استشعار بالخطر، الأمر الذي يجعل من ردة فعله مفاجئا وتلقائيا.

لم يكن غريبا على مدرب باريس سان جرمان الألماني توماس توخيل إصراره على جلب أوبلاك إلى البارك دي برنس، فقد كان صادقا عندما قال لرئيس باريس سان جرمان ناصر الخليفي:

“أيها البريزيدانت .. أستطيع جلب دوري أبطال أوروبا لباريس، عندما يكون حامي عرين شباك الفريق يان أوبلاك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى