المنتاليتي وحد السكين.. عوامل تفوق ليفربول على الجميع

كتب- أحمد مختار

قبل حلول عام 1954، كان هناك شبه إجماع بين المتخصصين في مجال مسابقات العدو (الجري)، أن الجنس البشري لا يستطيع– بحكم تكوينه الجسماني– أن يقطع مسافة الميل طولا في زمن أقل من أربع دقائق.

في 6 مايو عام 1954، حطم العداء البريطاني روجر بانيستر هذا الاعتقاد، وقطع مسافة الميل في زمن قدره ثلاث دقائق و59 ثانية وأربعة أجزاء من الثانية.

بعده بأسابيع ستة، حقق جون لاندي زمنا أقل منه، ثلاث دقائق و58 ثانية، بعدها بعامين، حقق ديرك إيبوسطن زمنا أقل من لاندي بقرابة ثمانية أجزاء من الثانية، بعد إنجاز بانيستر بسنوات ثلاثة، بلغ عدد من حطموا اعتقاد مستحيل الدقائق الأربعة 16 عداء.

بالمثل في كرة القدم، فإن الإيمان بالشيء يعني إمكانية تحقيقه، لذلك تتفق معظم الفرق التي تحقق بطولات في كونها تعرف كيف تفوز، ولديها ميزة التسجيل في الدقيقة الأخيرة، واللعب حتى آخر ثانية، كما يفعل ليفربول هذا الموسم في الدوري الإنجليزي الممتاز، وقبله خلال “ريمونتادا” دوري الأبطال أمام برشلونة في ملعب الأنفيلد.

هناك جانب من التوفيق بلا شك في بعض مواجهات ليفربول، لكن الحظ أيضاً يأتي لمن يستحقه، لأن لاعبي الفريق يحاولون حتى آخر لحظة بالمباراة، ولا يتوقفون أبداً عن الركض والضغط والتسديد والانتشار، وإبعاد اليأس عن تفكيرهم كما حدث في عدة مباريات، هذا ما يعرف بالعقلية، وفي رواية أخرى “المنتاليتي”!.

لا يفضل أي منافس في الوقت الحالي مواجهة ليفربول، محلياً أوأوروبياً، لعدة أسباب أهمهما أن هذا الفريق يمكنه إيذاء خصمه، حال عدم تركيزه لدقائق معدودة، سواء بتسجيل عدة أهداف في آن واحد أو بممارسة الضغط القوي في نصف ملعبه، والأمثلة عديدة خلال الموسمين الماضيين.

كذلك أصبح لدى المجموعة ثقة عمياء في قدرتهم على التسجيل بأي وقت، مما يجعلهم أبعد ما يكون عن التسرع أو التشتيت أو فقدان الأمل بالثواني الأخيرة.

مثال على ذلك قدرة الهجوم، بالأخص ماني، على اتخاذ قرارات ذكية في توقيت حرج، كوقوفه أمام مدافع ليستر ثم توتنهام داخل منطقة الجزاء، وإجبار خصمه على ارتكاب مخالفة أدت إلى ضربة جزاء، أو ارتقائه المثالي ورأسيته المحكمة في شباك أستون فيلا.

إنها أمور تدل على تركيز شديد وهدوء يحسد عليه، منبثق من شعوره بأنه يستطيع الفوز بأي سيناريو ممكن.

كلوب

كلوب رجل يلعب كرة هجومية تعتمد على التحولات السريعة، التمرير والانطلاق إلى الأمام، مع لا مركزية في التحرك من أجل تغطية المساحات.

يقول في حوار قديم عند مواجهة آرسنال: ” فكرة آرسنال بمثابة الأوركسترا، لكنها أوركسترا هادئة فيما أحب أنا الضجيج والصوت العالي، كرتي ليست على النقيض تماما، لكنها أقرب إلى الهيفي ميتال”.

كرة الهيفي ميتال بالنسبة للألمان هي الأجواء الإنجليزية في اللعب، أن يكون الجو ممطرا، مليئا بالغيوم، والملعب في حالة صعبة للغاية، مع أصوات قوية تعلو من خلفك، حيث يتواجد الجمهور بالقرب من الخط طوال التسعين دقيقة، لكنها بالنسبة لكلوب أعقد من ذلك بمراحل، لأنها ترتبط بالسرعة والضغط والهجوم الكاسح في كافة تفاصيل اللعب.

تعادل الهيفي ميتال في الموسيقى استراتيجية الضغط العكسي أو “الجيجن بريسنج” كما يفضلها الألمان، في كرة القدم، ويعني هذا المصطلح أن يضغط الفريق بقوة عندما يفقد الكرة، ولا يعود إلى مرماه بالخلف، بل يتمركز قرب منتصف الملعب، ويغلق كافة زوايا التمرير أمام حامل الكرة، وبمجرد قطعها والحصول عليها، تتحول الهجمة إلى مرمى المنافس في لمح البصر، عن طريق تمريرات سريعة وعمودية من الوسط إلى قلب منطقة الجزاء.

نجحت هذه الاستراتيجية، لكن أمام الفرق التي تدافع من الخلف عانى ليفربول ومدربه مراراً وتكراراً، لكن هذا الأمر تغير تماماً خلال الموسمين الحالي والسابق، لأن بطل أوروبا صار لديه عدة مصادر للتسجيل، بعيداً عن الضغط والمرتدات، فالليفر يستطيع التسجيل من الكرات الثابتة، الركنيات، استغلال أنصاف الفرص، وحتى اللعب المنظم المفتوح.

محمد صلاح

تخبرنا إحصائيات ليفربول هذا الموسم في البريميرليج أن الفريق سجل 5 أهداف من كرات ثابتة وركنيات، بالإضافة إلى 3 أهداف عن طريق ضربات جزاء، و17 هدفا من لعب مفتوح، لذلك عرف مهاجموه كيف يعاقبون خصومهم بعدة طرق غير متوقعة، كتسديدات صلاح المركزة، وانطلاقات ماني الشجاعة، مع الدور التكتيكي للبرازيلي فيرمينو داخل وخارج منطقة الجزاء، دون نسيان أهمية الظهيرين في الصناعة والتسجيل، فأرنولد وروبرتسون ساهما معاً في تسجيل وصناعة 8 أهداف حتى الآن هذا الموسم بالدوري.

إذا راقبت الثلاثي الهجومي فإن هناك أظهرة لا ترحم، وفي حال إغلاق الأطراف جيداً يأتي ماني من بعيد بموهبته وجرأته وتحركاته الفوضوية، وحتى إذا قللت من خطورة هذا وذاك، فإن الكرات الثابتة والركنيات تبدو حلاً سحرياً..

بالإضافة إلى إجبار المدافعين على ارتكاب الهفوات داخل منطقة الجزاء بسبب الضغط القوي، بفضل نظام التغذية الذي يتبعه كلوب وجهازه للاعبيه، ليجعلهم في أفضل حالة بدنية ممكنة، كما أشار تقرير سابق في صحيفة “تايمز”.

“يُنظر إلى ليفربول على أنه فريق مرتدات وضغط عكسي فقط، لكنهم يهيمنون ويسيطرون، ويسجلون من اللعب المنظم والضربات الثابتة وحتى بالاستحواذ وكل آليات الهجوم تعمل جيداً، لديهم مجموعة متنوعة، فرق كلوب صعبة، جسدية. يذهبون إليك مثل الحيوانات.

إنهم مثل السكين، واحد يأتي إليك، ثم الآخر يُنهيك إذا لم تكن في أعلى درجات التركيز”، هكذا يصف رودري، لاعب مان سيتي، خصمه القادم في البريميرليج، وكأنه يدرك جيداً مدى صعوبة مهمة فريقه في رحلته نحو المجهول، إلى الأنفيلد رود!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى