* آسيا تسهر على نور الهلال ..!

تحليل- محمد العولقي

لن نقول مبروك للهلال السعودي فوزه بدوري أبطال آسيا لهذا العام، هذا لأن (توووفه) كانت أول صحيفة إلكترونية توقعت فوز الهلال باللقب ط، بل وراهنت على ذلك انطلاقا من الدور ربع النهائي.

ولكننا في خضم الأفراح الزرقاء التي تغطي سماء آسيا نقول للهلال: شكرا على هذا المستوى المبهر الذي قدمه لاعبوه في أمسية (سايتاما) .. شكرا للهلال لأن أشعته فوق الزرقاء أغشت أبصار العيون الضيقة وردت الاعتبار لعرب آسيا..

لن نقول مبروك لأن الهلال عندما اكتسح أوراوا ريد دياموندز في طوكيو بالهدفين وكل الأرقام.. كان أكبر من كل كرنفال نقدم فيه باقات التهاني على طبق من ذهب
موج الهلال ابتلع الماسات الحمراء في متحفها و معرضها ..حطم كل الأرقام القياسية في ليلة (سايتاما) .. رقص قائده الشلهوب .. ومعه رقصت كل آسيا على نور الهلال ..

يج الهلال بكأس آسيا عقب فوزه على أوروا الياباني في لقاءي الذهاب والإياب

تمردت هذه الكأس طويلا على الهلال .. استعصت كثيرا منذ جيل بداية الألفية الثالثة .. خاصمت .. وعاندت .. وقاطعت الهلال لعقدين من الزمن .. لكنها اليوم تدخل هودج الهلال مثل عروسة بحر .. يخطب ودها جيل هلالي جديد لا يشبع من التتويج بالبطولات ..

أخيرا .. كسر الهلال طوق النحس الذي لازمه في نهائيين قاتمين .. كان فيهما قريبا من لقبه الكبير .. لكنه كان يتعثر في الأمتار الأخيرة .. كان هو من يدفع فاتورة خطأ تحكيمي .. أو سوء حظ لازم الفريق ..

اليوم ينفض الهلاليون الغبار عن أرقام التاريخ .. يعيدون جدولة الأبطال .. يسهرون الخلق عشقا .. وينامون ملء جفونهم عن شواردها .. لا زعيم يستحق زعامة آسيا إلا الزعيم الهلالي .. الملثم الأزرق.. البطل الشطرنجي الذي تأبط الجمل بما حمل .. وعاد من طوكيو إلى قبته الزرقاء في الرياض هلالا سامرا فوق مصلى العشق الذي لا ينتهي ..

فاز على الجميع .. كان شرها .. لم يشبع .. الفوز تلو الفوز .. وعند قدميه تساقطت كل الأرقام القياسية ..قالت في لحظة خضوع : لا زعيم إلا الهلال ..

* لوشيسكو .. الرهان على اللياقة النفسية ..

في ملعب (سايتاما).. كان الهلال على موعد مع العيد .. سيطر على المباراة طولا وعرضا و ارتفاعا .. مسح كل الغبار عن ماسات أوراوا الحمراء .. وفي لحظة أتى الربيع يختال ضاحكا .. كان الهلال في طوكيو خصما شريفا و مهذبا .. فهو عندما أمسك بفيروز اللقب وراح يقلبه بحس شاعر .. اكتفى من غنيمة الإياب بهدفين قاتلين ..

كان يمكنه إضافة أهداف أخرى في مرمى حارس أوراوا الثرثار نيشيكاوا .. كان يمكنه هدم كل المعبد على رأس الساموراي .. لكنه كما قلت كان ضيفا مهذبا .. فقد اكتفى فقط ببيع الماسات الحمراء في أسوأ مزاد ..

تحكم الهلال في نسق المباراة .. كان مدربه الروماني رازفان لوشيسكو كمن يمسك بخيوط المباراة ويحركها كيفما شاء .. كان الهلال بهذه الكيفية هو صاحب القرار .. يرفع النسق .. ثم يخفضه .. من دون أن يتخلى عن نهج الضغط الرهيب على كل لاعب ياباني يستلم الكرة ..

أخلع القبعة تقديرا و احتراما للمدرب لوشيسكو .. كان أذكى من أن نلفت نظره إلى ضرورة الحفاظ على نهجه التكتيكي .. كان ثعلبا وهو يداوي خصمه بالتي كانت هي الداء .. التزم تماما بثقافة الهجوم .. و حافظ على نفس الشاكلة .. لكن مع إضافة ملح الخليج إلى الشاكلة .. أقصد أن لوشيسكو اعتمد كثيرا على لياقة لاعبيه النفسية .. وهو أمر مكن اللاعبين من إنهاء المباراة بنفس القوة .. وبدون أخطاء تذكر ..

وما كان ليحدث ذلك لولا أن تدوير الكرة في مناطق أوراوا خدم اللاعبين كثيرا لسببين:

الأول: كان الضغط الياباني على حامل الكرة سيئا .. وهذا يعكس حقيقة أن أوراوا يترنح على المستوى النفسي ويتأرجح لياقيا ..

الثاني : إصرار لاعبي أوراوا على اللعب الانجلوساكسوني الطويل الخالي تماما من الابتكار .. كانت كل الجمل التكتيكية تقليدية و مكشوفة على الهواء مباشرة ..

جيوفينكو .. سيناريو الانقلاب التكتيكي ..

كان الفريق الياباني يظن أن خطورة الهلال تكمن في محمد البريك و ياسر الشهراني .. اعتمد مدرب أوراوا على رواقين ثابتن لمنع تحركات طرفي الهلال .. لم يعمل حسابا للفخ التكتيكي الذي نصبه لوشيسكو ..

وضع لوشيسكو الإيطالي سيباستيان جيوفينكو نقطة انطلاق متحررة من كل رادارات الخصم .. ترك له حرية التنقل بين مختلف محطات الهجوم دون قيد أو شرط .. أتى هذا المتغير التكتيكي أكله في رسم معالم النهاية ..

لعب جيوفينكو واحدة من أجمل مبارياته مع الهلال .. وكان خلف الهدفين في الشوط الثاني .. صحيح أن غزوات الشهراني و البريك قل منسوبها.. ولم نشاهد انطلاقاتهما على الرواقين .. لكن هذا التحايل التكتيكي هو من صنع الفارق في النهاية .. سيناريو خداعي كتبه لوشيسكو .. ونفذه على أرض الملعب جيوفينكو بافتدار ..

خياران .. أحلاهما هلال ..

ظهر أوراوا بشكل مهزوز و مرتبك .. كان واضحا أن اللاعبين خائفون من الفوارق الفنية الكبيرة بينهم وبين لاعبي الهلال .. اتضح جليا أن اللاعبين في حالة نفسية يرثى لها ..كانت العراكية شبه معدومة .. والرقابة الصارمة غائبة .. والانضباط في المشمش ..

بدأ وكأن الفريق الياباني واقع تحت تأثير نفسي خطير .. فهو إن اعتمد مبدأ الهجوم المفتوح انكشف ظهره .. و إن اعتمد دفاع المنطقة كما فعل ذهابا في الرياض توفي الهجوم .. فكيف له أن يعوض فارق الهدف ..؟

تاه لاعبو أوراوا بين الخيارين لأن أحلامهما مر بالطبع .. لهذا ظهر الفريق منفعلا .. يفقد الكرة بسهولة .. يرتكب أخطاء” بالجملة .. ينزعج لاعبوه من الضغط المباشر بفعل الغطاء التكتيكي الذي كان أكبر من الرأس .. والأهم أن لاعبي أوراوا كانوا سيئين في التحرك بدون كرة ..

من كان يتصور أن فريق أوراوا لن يصل لمرمى عبدالله المعيوف إلا في مناسبتين فقط ..؟ من كان يتصور أن محور ارتكاز الفريق ماكينو سوف يخسر المعركة التكتيكية لصالح عبدالله عطيف ..؟

من كان يتصور أن يخبو بريق الماسات الحمراء في ليلة الهلال الزرقاء بكل هذه الكآبة والرتابة ..؟

حقيقة .. نجحت إدارة الهلال في تجهيز الفريق تجهيزا نفسيا.. لهذا ظهر الهلال برصيد قتالي عالي .. وبشهية لعب مفتوحة .. أنظروا إلى الهلالي أندري كاريلو .. حرث الملعب طولا و عرضا .. أعتقد أنه بحاجة إلى النوم 48 ساعة حتى يستعيد قوته ..

راقبوا الدور الكبير الذي لعبه القائد سلمان الفرج .. وكيف كان المقياس الحراري للفريق .. تذكروا أن عبدالله عطيف شوش على كل البناء الياباني .. وفي رأيي أنه تحمل عبئا كبيرا في قتل إيقاع لاعبي أوراوا .. ..تأملوا في الحركات الانسيابية للنجم سالم الدوسري.. الذي دوخ دفاع ووسط أوراوا طوال اللقاء ..

لا ننسى أن خط دفاع الهلال قدم مباراة مثالية دون أخطاء في العمق .. هذا لأن لوشيسكو عرف أخيرا كيف يردم الهوة بين محور الارتكاز و قلبي الدفاع ..

النقلة الشطرنجية القاتلة ..

قلت من قبل إن الهلال هو الفريق الوحيد الذي يستطيع أن يعتنق الكرة الهجومية الرهيبة .. ليس لأن لوشيسكو مغرم بالهجوم فقط .. ولكن لأن لوشيسكو عندما يوظف نفسيات لاعبيه .. و يمارس عملية تبادل الأدوار وفق استراتيجية 4/2/3/1 فهو بهذا الطرح يخلق الكثير من التنوع .. والكثير من الحلول بالطبع .. والكثير من المرونة التكتيكية ..

نعم ساهمت تركيبة لاعبي الهلال الفنية على اعتناق الهجومية الشاملة .. ومع ذلك كان على لوشيسكو أن يلعب مباراة الإياب أمام أوراوا بالكثير من الانضباط في وسط الملعب تحديدا .. والكثير من التوازن في عمق الدفاع .. والكثير من المرونة هجوميا ..

كان على لوشيسكو أن يلعب مباراة شطرنجية في طوكيو .. كان عليه أن يصاقر .. وأن يقسم المباراة إلى مراحل .. ثم الإجهاز على الفريق الياباني المترنح على مستوى الطراوة البدنية ..

كان الشوط الأول هادئا .. عاديا .. فيه الكثير من ضبط النفس .. لم تتحرك آليات الهلال إلا بعد أن اكتشف لوشيسكو أن الفريق الياباني بلا رئة للتنفس ..
اكتشف أيضا وهذا الأهم الذي جعل الهلال يقبض على المباراة بالقبضة الحديدية أن أوراوا يتوفى أكلينيكيا عندما تمنع لاعب الارتكاز ماكينو من تنظيم اللعب من الخلف..

كان ضغط عطيف على ماكينو رهيبا بحق .. وكان سلمان الفرج يتحرك في المساحة عموديا وحلزونيا .. الأمر الذي أدخل لاعبي أوراوا في غيبوبة تكتيكية بالطبع ..
كنا حتى نهاية الشوط الأول نتأرجح بين أن ينتفض أوراوا .. وبين التخوف من أن تتأثر لياقة لاعبي الهلال البدنية ..

كنت أقلب في مفكرتي التكتيكية بحثا عن مخرج يجده اوراوا للهروب من هذا التحنيط النفسي ..وسألت نفسي : لماذا ظل الهلال صامتا لشوط كامل.. مع أن العصمة كانت في يده ..؟

نعم .. كان الشوط الأول .. مثل جولة ملاكمة .. كسب الهلال نقاط السيطرة .. من دون أن يؤذي خصمه .. كان هذا التفوق الفني يزيل الرهبة .. ويؤكد أن الهلال قادر على أن يكسب الجولة الثانية بالضربة القاضية ..

الشوط الثاني.. حمل الكثير من المفاجآت و المفارقات:
مدرب أوراوا استفاد من الشوط الأول السلبي .. لكنها استفادة معكوسة ..
مدرب الهلال .. زاد من حجم الضغط على حامل الكرة.. ليس من منتصف ملعب الخصم .. ولكن من منطقة جزائه ..

كان وراء هذا الضغط الصامت موجا هجوميا هادرا ..ووراء الأكمة الزرقاء سيوفا منسلة .. هنا تبتدي حكاية الاكتساح و الاجتياح ..

منتصف الشوط الثاني ينسل كاريلو من اليمين يتجاوز غابة من المدافعين .. يضع الكرة تحت تصرف جيوفينكو البعيد عن أي ضغط .. هذا الأخير يضع الكرة تحت رحمة سالم الدوسري .. طبخة على نار هادئة لهدف هلالي أنهى المباراة منطقيا ..
الهلال لم يتراجع ..

واصل الضغط والاستحواذ .. فتح اللعب أكثر .. مرة أخرى يظهر كاريلو .. ثم جيوفينكو .. وتأتي النهاية من الفرنسي الاسد جوميز .. هدف أشبه بالمزيكا .. تراقص معه جمهور الهلال في قلب ملعب (سايتاما) .

انتهت الحدوثة الهلالية نهاية سارة وسعيدة .. فرح الهلاليون .. وفرحنا معهم بعودة اللقب إلى الأرض التي تتكلم عربي .. وسنسعد دون شك أكثر وأكثر عندما يستعرض الهلال لوحاته النادرة نهاية الشهر القادم بدولة قطر .. فهناك سيكون عليه تمثيل قارة آسيا والعرب في بطولة كأس العالم للأندية خير تمثيل .. نعم قالها ونالها .. مالها إلا الهلال ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى