منتخب اليمن.. بداية الغيث احتضار ..!

تحليل- محمد العولقي

هل جربت يوما أن ترقص داخل الملعب من دون رغبة ..؟، كيف لك أن ترقص وكرة القدم معادلة سهلة جدا؟، لا تعني ركوب حافلة (رايح جاي) دون إلمام بمتطلبات كرة القدم ..

في البطولات المجمعة، أقسى شيء أن تختار السيناريو الأسوأ منذ البداية، منتخب اليمن فعل ذلك وهو يسلم كل شيء لمنتخب الإمارات، دون مقاومة أو رغبة في خوض جولة رقص على السلالم الموسيقية..

المنتخب الذي يذهب إلى البطولة بعقلية الخروج بأقل الأضرار الممكنة، يضع قدميه ويديه في الجحيم، ومنتخب اليمن اختار الاحتضار كبداية لغيث ما هو أقسى وأسوأ ..

كرة القدم لعبة سهلة شعارها التكامل في الأداء، ومنتخب اليمن استصعب هذه المعادلة، وجعل بينه وبين التكامل التكتيكي والفني هوة شاسعة وكبيرة، هوة تنبه لها الهولندي فان مارفيك منذ الدقيقة الأولى، ومع ذلك لم يبحث عن مزيد من الأهداف في مرمى منتخب يمني لا يعرف يدافع ولا يعرف يهاجم، ربما اكتفى فان مارفيك من الغلة بالثلاثة، حتى لا تزيد مواجع الجمهور اليمني، الذي تعود من منتخبه السقيم على ذر الرماد في عيونه ..

الإمارات واليمن – خليجي 24

بعض الفنيين الذين ينظرون للقشور فقط، لخصوا الفارق بين منتخبي الإمارات واليمن في الجولة الأولى لبطولة خليجي 24، في المهاجم الإماراتي التحفة علي مبخوت، وزميله الزئبقي بندر الحبابي، وهذا الانطباع السطحي مخادغ ومغلوط، لأن الفوارق الفنية والفردية بين لاعبي المنتخبين كانت كبيرة وشاسعة، ولأن الفكر التكتيكي بين سامي نعاش وفان مارفيك كان منطق تلك المباراة التي انتهت بهزيمة يمنية مدوية قوامها ثلاثة أهداف كاملة الدسم، ومن توقيع الثعلب الذكي علي مبخوت، منطق وضع الفواصل بين مدرب محترف وآخر هاو، وجد نفسه في أتون مهمة مشحونة ومفخخة ..

نعم تألق مبخوت في لدغ الشباك الحمراء، وتفنن الحبابي في العزف المنفرد، غير أنهما لم يخرجا عن جوقة التكامل مع رفاق حمدان الكمالي ..

فان مارفيك والنعاش .. هناك فرق

كان مدرب الإمارات فان مارفيك يعلم أن مباراته الافتتاحية مع اليمن مجرد محطة تزود بالوقود تحسبا لمنافسيه المباشرين العراق وقطر ..

اختار فان مارفيك التعامل مع مباراة اليمن على أنها وحدة تسخين، يجب حصد نقاطها بأقل مجهود بدني وفني ممكن، لكنه مع ذلك لم يتصور ظهور منتخب اليمن بكل هذه السذاجة الفنية والقتامة التكتيكية، لم يكن يتوقع أن الوصول إلى النقاط الثلاث مفروش بالاستسلام وكل هذه الغيبوبة الجماعية، والفوضى الفردية ..

مارس فان مارفيك منذ البداية أسلوب استطلاع نوايا منتخب اليمن، كان يخشى قتاليته، آلياته في الوسط، وقطع غياره في الهجوم، كان يتصور أن البناء الدفاعي يمكن أن يخلق له مشاكل على مستوى العراكية، لكنه اكتشف مبكرا أن خط دفاع اليمن أوهن من بيت العنكبوت ..

الإمارات واليمن – خليجي 24

كان منتخب اليمن يعاني من ارتجاج تكتيكي في جهته اليسرى حيث مفيد جمال، نقل فان مارفيك كل آليات الوسط إلى هناك، ثم ترك عملية الاقتحام للزئبق بندر الحبابي، ظل هذا اللاعب يركض في كل مساحات الجهة اليسرى، أرسل كرات مشتعلة بالفرص الخطيرة، ومع ذلك لم يفكر لا سامي نعاش ولا لاعبيه في تقييده، أو مراقبته رقابة فردية (مان تو مان) ..

كان الارتجاج التكتيكي قد بدأ يكبر يسارا دون علاج، ثم خلق شرخا نفسيا في العمق، لاحظوا أن علي مبخوت سجل الهدف الأول برأسه وسط ستة مدافعين، كان تموضع الستة وتمركزهم خاطئا، ودليلا على أن اللاعبين قد شنجتهم الخسارة من سنغافورة في التصفيات المزدوجة ..

الهدف الثاني، نفس الموال، بندر من اليسار، ومبخوت يقبل من العمق دون حراسة، الهدف الثالث، تسلى مبخوت بمدافعي اليمن سمينهم ونحيفهم فسجل هدفا مارادونيا جميلا ..

بدا التنافر الفني في خطوط منتخب اليمن واضحا، كان جليا أن منتخب اليمن هش يسهل كسره دون الحاجة للدخول مع لاعبيه في مواجهات فردية، احتجت فقط لخمس دقائق كي أسبر أغوار طريقة لعب منتخب اليمن الغريبة والعجيبة، قلت لمن حولي : ربنا يستر، منتخب اليمن بلا إيقاع لعب، بلا ضوابط فنية، بلا غطاء تكتيكي، بلا حماس منظم، بلا نفس، بلا ممارسة لأسلوب الضغط على البناء الإماراتي من الرواقين، بلا نهج واضح ..

كل هذه العيوب المخيفة اكتشفتها في خمس دقائق فقط، وأظن أن فان مارفيك اكتشفها بعد ثانية واحدة من تحريك الكرة، توقعت بعد الخمس الدقائق الأولى هزيمة ثقيلة مروعة و قاسية، لكن منتخب الإمارات – والشهادة لله- كان رحيما بمشاعر الجماهير اليمنية، كان لاعبوه في قمة التعاطف والحنان، وهم فقط يكتفون باللعب على أخطاء الوسط والدفاع، كانوا كرماء لأنهم توقفوا عن النبش وعن النبض بعد هدف علي مبخوت الثالث، الذي تقمص فيه دور مارادونا أيام زمان ..

الإمارات واليمن – خليجي 24

الخبرة يا خبرة

سنبخس حق منتخب اليمن إن قلنا إنه يلعب كرة قدم حقيقية، سنتجنى أكثر على هذا المنتخب إن قلنا إن الحظ خانه أمام الإمارات، أو إنه لعب مباراة كان فيها ندا للأبيض ..

اللاعب عبدالواسع المطري خرج مكفهر الوجه، يعلل، يبرر، قال كلاما غير منطقي، وغير واقعي، تأملوا من فضلكم :”نحن أضعنا الفرص، وهم سجلوا الفرص التي سنحت لهم “، بالله عليكم ذكروني بهجمة واحدة منظمة أزعجت حارس الإمارات محمد الشامسي.. الذي عانى من بطالة حقيقية في مرماه، أين هي تلك الفرص يا كابتن، ونحن لم نشاهد إلا منتخبا فرديا، بلا نظام، بلا هوية، بلا إيقاع، فقط شاهدنا هراء، ولعبا متخلفا يذكرك بمباريات عيال حارتنا ..

قال عبدالواسع المطري أيضا : “لاعبونا بلا خبرة وصغار في السن، لم يتعودوا على أجواء بطولات كأس الخليج”، بالذمة هل هذا تبرير منطقي؟، من فضلكم تابعوا معي :

– سالم عوض كان متواجدا في مرمى اليمن كحارس أساسي في أول مشاركة في الكويت عام 2003، بسم الله ما شاء الله، خبرة!، مدير عبدربه، ثالث مشاركة في بطولات الخليج، عاش الأجواء، يعني خبرة!، أحمد صادق، شارك في أكثر من بطولة خليجية، يعني خبرة، عبدالواسع المطري نفسه، شارك في بطولتين، وهذه الثالثة، يعني خبرة!، علاء الدين نعمان ثالث بطولة، يعني خبرة!، عماد منصور ثالث بطولة، يعني خبرة ! وأحمد الحيثي، ثالث بطولة، يعني خبرة! ومحمد بقشان ثالث بطولة، يعني خبرة!، أحمد السروري ثاني مشاركة، يعني خبرة ..!

يمكنك أن تستثني من الأساسيين عمر الداحي وناصر محمدوه ومناف، لكنهم خاضوا غمار بطولات أكثر قوة و شراسة من بطولة الخليج ..

بواقعية ومنطق، الخبرة الأكبر توفرت للاعبي اليمن، أكثر مما توفرت في منتخب الإمارات، وحتى إن كان في الموضوع تكافؤ، ففي الأخير نتائج كرة القدم لا تعتمد على الخبرة وحدها، فهي إلى جوانب فنية ونفسية وتكتيكية وبدنية مجرد عامل ثانوي لا يرجح الكفة ..

الذبحة النفسية.. أسبابها

لن أدخلكم في متاهة التحليل التكتيكي لشاكلة منتخب اليمن، لأنني لم أشاهد أسلوبا، ولا نظاما، ولا ثباتا، لم أر سوى أداء فردي بحت، مغلف بحضور لاعبين يثيرون الشفقة،لا أدري كيف لدفاع مترهل، كتلة من الشحم أن يحافظ على مرونته ولياقته؟، رغم أنني هنا معجب بانزلاقات وطحسات أحمد الصادق الذي منع بعض الكرات من العبور، تعجبت من وزن أحمد الصادق ومدير عبدربه وعلاء الدين نعمان وأحمد الحيثي، شحم زائد، دهون زائدة، وأسأل : أين القائمون على المنتخب من فنيين وإداريين ..؟، ماذا يأكل اللاعبون بالضبط؟،هل هناك نظام غذائي معين أم أن العملية تخضع للبطن التي لا تشبع والنفس التي لا تقنع ..؟، وهل يحلون يوميا بأطنان من حلويات البوفيهات المفتوحة أم أن الحرية متاحة لالتهام كل حلويات الخليج ؟.

كان علاء نعمان في وزن الريشة، فكيف أصبح مثل مدير وأحمد الصادق كتلة من الشحم ..؟، أتعجب أيضا أحمد الحيثي رفض اللعب مع المنتخب، ثم وافق على المشاركة في كأس الخليج، كيف يستدعى لاعب جاهزيته الفنية والبدنية صفر، ويتم تسريح لاعب جاهز مثل أحمد باحاج ..؟، تعجب آخر، منتخب اليمن يلعب بلا مهاجم في العمق (رأس الحربة)، وهناك فوضى بين أحمد السروري و الداحي والمطري، كان يمكن الاعتماد على عماد منصور مهاجما، وإسناد مهمة الارتكاز في عمق الوسط لمناف سعيد ..

إذا كان المنتخب اليمني يعاني من ذبحة نفسية، فبدون شك هذه الذبحة يسأل عنها مسؤولو المنتخب، بداية من المدرب والإداري ونهاية بالمناوب المساعد ..

كان الشوط الأول ترجمة حقيقية لمترسبات الضغوط النفسية والبدنية التي عاش المنتخب نفس تفاصيلها أمام سنغافورة، وتم استنساخها أمام الإمارات صوتا وصورة بكل سلبياتها ..

طبعا أسباب سقوط منتخب اليمن نفسيا أمام الإمارات لا يمكن تعليقها على شماعة المدرب والإداري فقط، فاتحاد الكرة هو المذنب الأول في مهزلة الافتتاح ..

أكرر عن قناعة فنية :منتخب اليمن يمتلك إمكانيات بشرية جيدة للغاية، بإمكانها أن تكون رائعة، لكن المسألة تحتاج إلى توظيف المهارات الفردية لتكون في خدمة اللعب الجماعي، وهذا موضوع شائك وطويل يحمل فلسفة إعداد أي منتخب، طبعا الخبرة في اللجنة الفنية لا يعرفون ذلك، وأخشى أنهم لا يفهمونه أصلا ..

ترى كيف سيخرج منتخب اليمن من ذبحته النفسية، وهو الذي يعاني لاعبوه من إرهاق نفسي انعكس على الحالة البدنية بوضوح ..؟، كيف يمكن مداواة الجرح النفسي والبدني الغائر بعد هاتريك علي مبخوت؟،ويا جمهور منتخب اليمن، أنت من يدفع الثمن، أعانك الله على التخلص من هواية شد الشعر مع كل مباراة يخسرها منتخب اليمن ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى