لا جديد يذكر ولا قديم يعاد

كتب- سالم ربيع الغيلاني

لا جديد يذكر ولا قديم يعاد هذه حقيقة مجريات الأمور في رياضتنا المحلية، التي تئن منذ عقود تحت وطأة نقص الإمكانيات، وقلة الدعم سواء أكان حكوميا أم ذاك الآتي من القطاع الخاص.

إن إدارة القطاعات الرياضية المختلفة خاصة عندما نتحدث عن الأندية أو الاتحادات أو اللجان الرياضية بمختلف مسمياتها في السلطنة بمثابة عملية موت بطئ؛ فلو أجرينا مسحا سريعا على أولئك الذين قرروا خوض غمار هذا التحدي المشوب بمختلف العوائق والتحديات لوجدنا أن غالبيتهم يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري وأسقام أخرى لا يعلمها إلا الله.

معظمنا غير راضٍ عن إدارة هذا النادي أو ذاك، وبات شغل بعضنا الشاغل توجيه تهم التقصير إلى القائمين عليها، محملين إياهم مسؤولية تبديد أحلام الجماهير العريضة التي ما فتئت تراودها في ليالي شتائها الطويلة أو في أحلام يقظتها المتقطعة، وهي تزجي الوقت في انتظار تخليص معاملة ما أو في عصاري أوقات الفراغ المملة، ولكن قليلون هم أولئك الذين يضعون الظروف المحيطة بهؤلاء نصب أعينهم قبل القيام بعملية تقييم نتائجهم ومحاكمة أدائهم.

سنوات طويلة ونحن نهاجم هذا الرئيس أو ذاك الإداري، دون أن يتوقف أحدنا أمام الأسئلة التي يستثيرها هذا الواقع مثل: ما الذي يدفع هؤلاء للاستمرار؟ ما الذي يجنونه من تولي مؤسسات مكتوب عليها الذوبان في حرارة الصيف، والتجمد في صقيع الشتاء؟ ما الذي يجعلهم يصبرون على كل الويلات التي يجلبها العمل في أندية واتحادات مترهلة تفتقد لأبسط الإمكانيات التي ينبغي أن تتوافر لمثلها من المؤسسات؟

يقال أن الحب أعمى وفي أحيان كثيرة يكون أصم أيضًا؛ فهل هو الحب ما يجعل هؤلاء لاسيما رؤساء الأندية يصبرون على هذا الجحيم من الشتائم والاتهامات التي يتلقونها من كل حدب وصوب؟ أم أنَّ هناك مصلحة خفية لا تدركها الأبصار، ولا يستوعبها عقل من هم مثلنا، وهي ما تجعلهم يتشبثون بهذه المقاعد المتآكلة؟ ففعلاً هو أمر محير، لكن السؤال الذي ينبغي أن يتبادر إلى الذهن في خضم هذه التساؤلات أيضًا هو: من سيقوم بأمر أنديتنا لو تخلى هؤلاء عن هذا الجهاد المضني؟

بالأمس طالعتنا إحدى الصحف المحلية بعدد ليس قليل من الغرامات التي أصدرها الاتحاد الدولي لكرة القدم على عدد من أنديتنا؛ بسبب عدم التزامها في دفع مستحقات بعض المحترفين ممن كانوا ناشطين في دورياتنا الكروية المختلفة؛ ليتفجر إثر ذلك سيل هادر من السخرية والاتهامات وخليط عجيب من مفردات الشماتة التي نالت من الأندية ورؤسائها الذين آثر بعضهم الصمت بينما حاول البعض الآخر أن يجد تبريرا لنفسه لصد التسونامي الذي تسبب به زلزال الفيفا، وكأن ما حدث لم يكن متوقعًا، أو أن ديدن أنديتنا منذ شروق شمس الاحتراف مخالف لهذا الوضع، أو أن مثل هذه القضايا هي حكر على كرة السلطنة ولا توجد دول تعاني من ذات الوضع رغم الدعم المليوني الذي تتلقاه أنديتها سنويًا!

لا شك أن عدم الالتزام بالاتفاقات أمر يخلو من الاحتراف ويؤثر على سمعة المؤسسات والقائمين عليها، وهو أمر لا ينبغي أن يكون بأي حال من الأحوال؛ لأن أقل عواقبه غياب الثقة، وأقساها ما تأتي به رياح الاتحادات القارية أو المحاكم الرياضية؛ لكن قبل وضع أنديتنا أو القائمين عليها في مقصلة رد فعلنا الغاضبة علينا أن نتمعن فيما حولنا، علينا أن نقرأ واقع أنديتنا؛ فنحن نستظل بواقع سماؤه من الآمال ونفترش أرضًا بساطها من الأحلام. وكل عام نقول سيتغير الوضع، وكلما لاح في الأفق بريق أمل سرعان ما يتلاشى لنصطدم بواقع يسلمنا إلى يأس قاتل نفتقد فيه القدرة على التمييز أو اتخاذ القرارات الصائبة؛ فالجماهير التي جعلت من انتقاد الإدارات على تقصيرها -حسب تقديرها للأمور- لا تساهم حتى بريال واحد من أجل انتشال النادي من أزماته إلا من رحم ربي، بينما الداعمون تحركهم المزاجية، فهم يساعدون هذا الرئيس ويمتنعون عن مساعدة رئيس آخر؛ فالدعم بات يقدم للأشخاص وليس للكيان الذي ينبغي أن يجمع تحت مظلته الكل.

نحن نعيش وضعا رياضيا صعبا على الأصعدة كافة، وانتهاء مخاض أزماته المتواصلة التي تطبق على نفس رياضتنا يتطلب من وزارة الشؤون الرياضية عمل حقيقي يبدأ من إعادة النظر في قوانينها، وسد ثغراتها التي تنفذ منها الأندية لارتكاب أخطاء تجرنا لمستنقعات التشهير وتشويه السمعة. والمسارعة في حث الخطى تجاه القيام بعملية تغيير شاملة، يتم تبنيها بعد دراسة حقيقية يتم فيها تناول مشكلات رياضتنا المختلفة ووضع الحلول المناسبة لعلاجها.

على الوزارة أن تكثف جهودها لعلاج هذه المشاكل بدل تركيزها علي أنشطة لا تعنيها؛ فدورها الحقيقي يتركز على إدارة أمور مؤسسات هذا القطاع ووضع التشريعات وعمل الإصلاحات المتعلقة بها، وليس منافستها من خلال إطلاق بطولات ومسابقات تُهدر عليها مئات الآلاف من الريالات في ظل ما تعانيه أنديتنا، واتحاداتنا من عجوزات مالية ضخمة. وأخيرًا وليس آخرًا نحن بحاجة لنظرة مختلفة لهذا القطاع الحيوي تتبناه حكومتنا الرشيدة ضمن مساعيها المستمرة للتصحيح والتقويم وتعزيز المجالات الحيوية المختلفة في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى