بابو جوميز.. مايسترو أوركسترا جاسبريني

تقرير – أحمد مختار

“لا أريد القول أن مواجهة اتالانتا هو أمر مزعج، سأستطيع بالوصف الذي قاله جوارديولا، مواجهتهم هي كالذهاب عند طبيب الأسنان، تكتيكيا هم فريق قوي ويجيدون الضغط بقوة”. ماوريزيو ساري يتفق مع جوارديولا حول أفضل تعريف ممكن لفريق أتالانتا، لكن ماذا عن مايسترو هذا الفريق؟

أرجنتيني بقلب إيطالي، ليس له حظ مع منتخب بلاده، وربما لا ينجح في حال انتقاله إلى فريق أكبر، ويسلط عليه فلاش الكاميرا باستمرار، لكنه ممتاز جدا بالنسبة للمستويات التي يشارك فيها، هو أفضل لاعب ممكن خارج دائرة الضوء، التي تركز أكثر على النجوم والسوبر ستارز. وهو ذلك الشخص الذي أرهق يوفنتوس في القمة الإيطالية الأخيرة، بأداء واثق ومهارة خالصة، وثقة كبيرة، وسرعة غير عادية في الركض والتفكير والتمرير.

أليخاندرو داريو جوميز، أو البابووو كما يحلو لعشاقه تسميته.

 

البابو سابقاً صانع لعب على الطريقة اللاتينية، الرقم 10 الذي يلعب خلف المهاجم، يصنع الفرص ويمرر في كل مكان، ويصعد بنفسه لتسجيل الأهداف عند الحاجة، مع تمتعه بقوة المراوغة والاختراق، هو صانع اللعب خلف المهاجمين مباشرة في رسم 4-3-1-2 على طريقة الأرجنتين قديما.

في أتالانتا وبالتحديد مع جاسبريني، تطور جوميز كثيراً لأنه يملك الجين الخاص بالجرأة في استلام الكرات تحت ضغط، لذلك يعود كثيرا لمناطقه، يساعد لاعبي الارتكاز، يستلم منهم ويصعد بنفسه دون تردد. ويجمع بين المهارة والقوة والعمل الجاد في آن واحد، لا يتوقف عن الحركة حتى مساندة فريقه.

جوميز منتج جدا، سجل 6 أهداف وصنع 16 أسيست في 29 مشاركة بالكالتشيو هذا الموسم، مع عدد كبير من التمريرات البينية والفرص الخطيرة أمام المرمى، خاصة أن فريقه يلعب بشكل هجومي صريح ويضغط الضغط باستمرار على المنافس في نصف ملعبه، كما حدث أمام يوفي في تورينو.

في التمرير، التسديد، التمريرات التي تسبق التسديد، الأهداف، والأسيست، كل هذه الأمور بابو متفوق فيها بوضوح، حيث أنه إما تخطى المعدل الطبيعي لها هذا الموسم أو وصل إليها، فيما يخص أرقامه وإحصاءاته على مستوى بطولة الدوري.

جاسبريني ليس مهووسا بالاستحواذ، ويختلف مع أريجو ساكي، عراب التكتيك الحديث في إيطاليا، فيما يخص الرقابة الفردية. فإذا كان صانع أمجاد ميلان قضى تماما على فكرة الرقابة رجل لرجل، وفضل دفاع المنطقة عوضا عنه، فإن مدرب أتالانتا لديه تقدير مضاعف للرجل ضد رجل من دون الكرة، وربما هذه المعضلة هي أساس استقبال الفريق أهدافا غزيرة أمام الفرق الكبيرة، سواء في الدوري أو عصبة الأبطال، لصعوبة اللعب واحد لواحد ضد أصحاب المهارات، وسهولة ضرب الدفاع في حالة تخطي أحد لاعبي الوسط أو عناصر الخلف.

من أوائل المدربين في إيطاليا الذين لعبوا بثلاثي الخلف منذ 2006، سواء رسم 3-5-2 أو 3-4-3 أو 3-4-2-1، مع استخدامه خطط 4-3-3 و4-4-2 في عدد من مبارياته رفقة جنوى.

لذلك مع أتالانتا راهن سريعاً على رسم 3-4-1-2، ليحصل جوميز على الحرية الكاملة في الحركة، ويوضع داخل الإطار الذي يناسبه بشدة. ثنائي محوري خلفه مثل ريمو فريلير ودي رون، وأمامه مهاجم “هجام” مثل زاباتا، وآخر متحرك وكرته مميزة كـ جوسيب إيليشيش، مع فتح الملعب عرضياً بواسطة ثنائي من الوينج باك هما تيموثي كاستانيي وهانز هاتيبور.

كل ما سبق ماذا يعني؟

– ثنائي من الأطراف التي تجيد القطع المفاجيء من الخلف إلى الأمام.

– ثنائي محوري قوي بدنيا ولديه القدرة على قطع الأمتار.

– ثنائي هجومي متنوع، واحد هداف صريح والآخر أقرب إلى التسعة ونصف.

مما يجعل جوميز مرتاحا، سواء في الاستلام أو التسليم، لذلك فإنه يحصل على الكرة كثيرا، يقف عليها وحتى يمشي بها داخل الملعب، لأن هناك خيارات عديدة خلفه وحوله وأمامه، مع عدم التزام الفريق بالاستحواذ كفرق أخرى هجومية.

أتالانتا لا يلعب بنظام التمرير القصير مثل نابولي ساري سابقا، لكنه فريق مباشر بامتياز، يمرر بشكل طولي وقطري، ويمرر بشكل قصير أحيانا، يضغط في نصف ملعب الخصم، ويجيد التحولات/ المرتدات من الدفاع إلى الهجوم، مع فتح الملعب عرضيا بشكل صحيح، إيليشيش يميل إلى اليسار تجاه هاتيبور ودي رون. زاباتا يميل لليمين تجاه كاستانيي وفريلير. مثلثات في كل جانب تصنع الفراغ المطلوب لصناع اللعب في العمق، لـ بابو جوميز وأقرانه.

كيف يصنع جاسبريني الفراغ أمام يوفنتوس ساري؟

وسط يوفنتوس لديه رابيو، لاعب ربما مميز بالكرة لكنه ضعيف جدا من دونها، ومع تواجد كوادرادو الجناح في مركز الظهير، وعدم اللعب بجناح صريح على الأطراف هجوميا، فإن هناك نقطة ضعف واضحة سواء أسفل اليمين أو اليسار في الشق الدفاعي، استغلها بابو جوميز بنجاح.

كاستانيي الوينج باك يستلم بحرية على اليسار، كوادرادو بعيد عنه تماما، وحتى في حال صعوده للمقابلة، في حال ضعف رابيو من دون الكرة، فإن بابو جوميز يستلم بحرية خلف ظهير اليوفي، ويجبر دي ليخت على الخروج من مناطقه للمقابلة، مما يؤدي ذلك إلى حرية زاباتا هجومياً.

هذا على مستوى اليسار هجوميا، وفي اليمين الأمر مشابه، لكن بمزيد من التعاون بين إيليشيتش وجوميز، في اللعب بينهما باستمرار، حتى يحصل هانز هاتيبور على الحرية الكاملة بالخط الجانبي من الملعب.

في النهاية تبقى تجربة أتالانتا جاسبريني جديرة بالرصد والتقدير، فالفريق يقدم “أجمل” كرة في إيطاليا هذا الموسم، مع كثرة الإيجابيات مقارنة بالسلبيات، من باب استحالة وجود نظام تكتيكي واحد كامل متكامل، بالإضافة لأهم نقطة على الإطلاق، تسجيله أهدافا غزيرة وصناعته فرص بالجملة، لدرجة أن الفريق سجل حتى الآن 87 هدفا في بطولة الدوري هذا الموسم، رقم استثنائي بكل موضوعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى