ليلة تدمير برشلونة بكوفيد8

تحليل- محمد العولقي

حسنا، عن قريب سيكون لي في برشلونة عرش ذهبي أو يكون لي فيها قبر، عبارة ربما تنسب إلى محمد الفاتح في زمن غابر من فتح القسطنطينية، لكنها في الواقع تختزل حالة ليونيل ميسي مع برشلونة برمتها أمام بايرن ميونيخ.. كل كاتالونيا اهتزت وربت على وقع زلزال ألماني دمر برشلونة وسحق عظامها في ملعب النور بلشبونة، عشية أمسية أوروبية تجرع فيها ليونيل ميسي السم الزعاف مرغما ومكرها ..

هل هذا هو برشلونة الذي ظل يدور في فلك ميسي سنوات لم تطرح للبلوجرانا ولو قطرة عسل في برميل الخل البرشلوني ..؟، هل هذا الفريق الذي تعاطى أمام بايرن ميونيخ كل دراما التبكيت والتنكيت هو ذاته الفريق الذي يقال إنه إف.سي.ميسلونة..؟، وحتى لو سلمنا أن لكرة القدم مفارقاتها العجيبة ومفاجآتها الغريبة، ففي أية خانة يمكننا تصنيف هزيمة برشلونة أمام بايرن ميونيخ في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بثمانية أهداف عدا ونقدا ..؟، الهزيمة في كرة القدم أشكال وألوان، منها الهزيمة المقبولة، والهزيمة المشرفة، والهزيمة المذلة، والهزيمة غير المنطقية، لكن سقوط برشلونة المدوي أمام الماكينات الألمانية التي تعمل بدقة الساعات السويسرية كانت عاصفة وفضيحة القرن الكبرى، ففي أية درجة يمكن تصنيف هزيمة البرشا الذي كان يا ما كان يلعب بشياكة وببرستيج الشوكة والسكين ..؟

سنكون مجحفين في حق بايرن ميونيخ لو أننا علقنا هزيمته التاريخية للبرشا على أنها مفاجأة، وسنتجنى كثيرا على الفريق البافاري الصارم لو أننا تعصبنا لمبدأ المفارقات، فالانتصار البافاري لا غبار عليه، و لا يمكن إدخاله في خرم إبرة الحظ والمفاجآت، لأن بايرن ميونيخ عندما دمر كل فنيات برشلونة وفضح منسوب ميسي القيادي، كان في الواقع يمارس تجلياته مع الأرقام القياسية، يخترق التاريخ والجغرافيا ثم يوقع لاعبوه على ثمان صدمات جعلت برشلونة فريقا يتوسل ويتسول رحمة عزيز القوم الذي ذلته ديكتاتورية فريق ألماني جاد وصارم لا يرحم ..،ستعود جعجعة عشاق برشلونة إلى عادتها القديمة، كيكي سيتين لا يفهم في كرة القدم، وكل علاقته بها لا تخرج عن نطاق تربية الأبقار والاستمتاع بوحشية الماتادور أمام ثيران كاتالونيا ..حسنا .. سيتين لا يفهم ولم يسبق له أن قرأ أبجديات التيكي تاكا الغبية حاليا، لكنه بالتأكيد ليس الثور الوحيد الذي نقل برشلونة من مصفوفة إرنستو فالفيردي إلى حلبة العار والفضيحة والمهزلة ..

لم نشعر أبدا أنها مباراة في دور ملتهب، كانت مباراة من طرف واحد، صال وجال لاعبو بايرن ميونيخ، استحوذوا وأبدعوا وسجلوا ثمانية أهداف وأهدروا مثلها، وقف لاعبو برشلونة يتفرجون ويتعذبون، غير قادرين على استخلاص الكرة من أقدام لاعبي البايرن، وحتى عندما تصلهم الكرة يرتعشون ولا يعرفون ماذا يفعلون بها .. تفنن مولر وبريزيتش وجنابري وكيمتش وليفاندوفيسكي وكوتينيو في ترجمة الفرص إلى ثمانية أهداف أسقطت تيرشتيجن من برجه العاجي، في ليلة غطت فيها الأهداف الثمانية على سكون المدرجات الخالية، لم يكن الجميع على دراية بأن هناك فيروسا أكثر شراسة من فيروس كورونا اسمه كوفيد 8 الذي قطع أوصال برشلونة ودفنه في مزاد ملعب النور ..


فليك.. أستاذ الانضباط

دعونا أولا نخلع كل القبعات لمدرب بايرن ميونيخ هانز فليك، فهذا المدرب الذي استلم فريقا مهلهلا من الكرواتي نيكو كوفاتش، وفي ظرف شهر أعاد ترميم واجهة الفريق التكتيكية معتمدا على انضباطية الألمان وقدرتهم دائما على ترويض النفس الأمارة بالسوء ..فليك لم يهب برشلونة، و لم يسجن نفسه في مربع ليونيل ميسي، قدر اهتمامه بتطويق عناصره وتوظيفهم تكتيكيا تحت غطاء شاكلة 4/2/3/1، شاكلة تعتمد على الضغط المتقدم والتدرج بالكرة عبر العمق .. انتهز فرصة المديح الباذخ في حق ليونيل ميسي، فلجأ إلى إثارة الرعب الكامن داخل لاعبي برشلونة، فلم يكترث كثيرا بمهمة رقابة ميسي، وفضل الضغط على ميسي عن طريق أقرب لاعب، لهذا شاهدنا توماس مولر المهاجم يضغط دائما من العمق ليحفر في جدار برشلونة المتهالك ..

لم يجد برشلونة الوقت الكافي ولا المساحة المطلوبة لممارسة نهج الخروج بالكرة من الخلف، ومع خيار الضغط على بناء برشلونة تحول رباعي دفاع برشلونة إلى فئران تنفر مع أول إشكال تكتيكي ..لم يكن مألوفا مشاهدة مدافعي برشلونة وهم يشتتون الكرة دون وعي، ويتخلصون من الكرة بكل وسائل الرعب والخوف، فمع كل تمريرة في عمق دفاع البرشا ترتعد فرائص بيكيه ولانجليت وألبا وسيميدو .. كان الضغط المتقدم من رجال فليك شرسا، لكن وفق بناء تكتيكي يعتمد على الحالتين البدنية والنفسية، وهو أسلوب ذكي وماكر أسفر عن ارتباك برشلوني في الدفاع وعمق الوسط، مما أنتج غزارة في الغزوات المتنوعة عبر الرواقين حيث المبدع ديفيز يسارا وكيمتش يمنيا في ظل حيوية بريزيتش وتوغلات توماس مولر من العمق ..وأهم ما ميز لاعبي بايرن ميونيخ في ليلة تدمير برشلونة بكوفيد 8 الثبات الانفعالي والتركيز المذهل في الأداء الحيوي السلس البعيد عن فلسفة التعقيد، اتسم أداء لاعبي البايرن أيضا بثقة عالية وفرت مناخا خصبا لمرونة التعامل مع الخصم بجدية وصرامة فيها شراسة هجومية وشراهة تهديفية ..

أجاد مدرب البايرن أسلوب التدرج في بناء الهجمات بسرعة ذهنية رائعة، ولهذا السبب كانت خطوط الفريق متقاربة وفي حالة تكافل جماعي عند ممارسة عمليتي الامتداد والارتداد، ولأن لاعبي البايرن كانوا معلمين في الضغط العالي فلم يمنحوا لاعبي برشلونة المساحات المطلوبة لبناء استراتيجية التيكي تاكا، خصوصا في ظل ضياع ميسي وغيابه الكلي عن أحداث المباراة من ألفها إلى يائها ..تفوق البايرن في عمليات الضغط على بناء برشلونة، وفي ألعاب الهواء، وفي القدرة على مزج فنيات لاعبيه بنهج تكتيكي واضح، لأن لياقة اللاعبين البدنية والنفسية والذهنية كانت بالفعل في أعلى منسوب..

سيتين ضحية منظومة النجم الأوحد

بدأ كيكي سيتين المباراة مفضلا إغلاق عمق الوسط عبر شاكلة 4/4/2، وهي شاكلة تعطي انبطاعا بأن سيتين يفضل التخلي عن التيكي تاكا الغبية هذه الأيام، لكن المشكلة ظهرت فجأة في صورة سؤال: كيف سيبني برشلونة نظام اللعب من الخلف في ظل تهالك قطع غياره من بيكيه الأهبل إلى سيرجي بوكسيتش الكهل إلى فيدال الأرعن ..؟، وكيف يبدأ سيتين في هضم تصوراته وقد أشرك لاعبا حريريا في العمق سيرجيو روبيرتو.. فعن أي تدرج يبحث سيتين ..؟ ثم كيف له أن يمارس أسلوب النبش دون مخالب في العمق، ودون وعي تكتيكي يحرم لاعبي بايرن ميونيخ من تفوقهم النفسي والعضلي ..؟، الواقع أن مدرب البايرن أحسن حقيقة في توظيف ودمج المخ بالعضلات، فكان التفوق البدني واضحا والعطاء الفني غزيرا للغاية .. قد يقول قارئ سطحي لأحداث المباراة إن برشلونة كان سيئا، وهو من سلم مفاتيح كاتالونيا للألمان دون مقاومة حقيقية، وهذا طرح ساذج لأن البايرن هو من دفع برشلونة لارتكاب الأخطاء الكارثية في العمق، وهو من فتح ثغرات عديدة في دفاع البارشا، وهو من منح لاعبيه حلولا كثيرة للإجهاز الكلي على البلوجرانا في نصف ساعة لاغير، فعندما امتص بايرن ميونيخ صدمة هدف التعادل بنيران صديقة، بدأ الطوفان البافاري يرتفع إلى أن أغرق كل مراكب البرشا ..

كيكي سيتيين

احتاط سيتين كثيرا من المهاجم الهداف روبرت ليفاندوفيسكي، فتم اختصار خطورة البايرن في هذا اللاعب فقط، لكن المفاجأة أطلت من العمق ذاته وعن طريق لاعب آخر هو توماس مولر، عاد للحياة متألقا بعد أن أحسن مدرب البايرن توظيفه كلاعب متحرر يمكنه أن يمرر بشاعرية، ويمكنه أن يوقع على الصدمات عن طريق التصويب الدقيق الفعال.. ربما يسأل أحدكم: طالما كانت مصيبة برشلونة في عمق الدفاع، فلماذا لم يتدخل سيتين لسد هذه الثغرة بدلا من الوقوف كالمتفرج على طوفان بافاريا ..؟، الإجابة: ليس هناك من بين البدلاء من يصلح للقيام بهذا الدور، ففي ظل اختزال برشلونة في ميسي النجم الأوحد لم يكن الوضع يسمح بالترميم، ثم إن النهج نفسه لا يخدم جماعية الفريق الذي تتلخص مهامه في إيصال الكرة إلى ميسي ..لم تكن هناك إشارات مرور في دفاع برشلونة تتصدى ولو قليلا لتسونامي البايرن، لهذا كان في وسع بايرن الفوز بدرزن من الأهداف، لو أنه لم يتعال على خصمه المتهالك في بعض فترات المباراة ..

ليو.. هيمنة قاتلة

هذه المرة يا ليو انكشف المستور، والمغطى الذي بات مكشوفا يشير إلى أن ميسي كان سببا مباشرا في فضيحة الثمانية، ليس لأنه كان القائد في ليلة المهزلة الأوروبية، ولا لأنه كان عنصرا أساسيا في التشكيلة، ولكن لأن برشلونة بحث كثيرا عن منقذ يحفظ لكاتالونيا قليلا من ماء الوجه، فلم يجد ميسي الذي فقد ظله، فكان ظهوره مأساويا لا يقل عن مأساة الثمانية.. وبصراحة يا ليو قد لا نختلف حول قدراتك الخارقة وتعدد بطولاتك، لكنك دائما تختفي في المواعيد الكبرى ، وتتوارى عن المشهد كلما استنجد بك فريقك.. ليس مهما غزارة أهدافك في الدوري، فالأهم أن تأتي بالهدف في الوقت الذي يحتاجه فريقك وليس أنت ..

أكثر من مليون علامة تعجب تحوم حول قدرات ميسي كقائد داخل الملعب، فتأثير قيادته يساوي صفرا، وتأثيره على زملائه معنويا يساوي صفرا، وقدرته على تحمل ضغط المباريات المصيرية يساوي صفرا، وهذا يعني أن ميسي الذي يمسك بزمام الأمور يتبع سياسة أنا ومن بعدي الطوفان ..، فليب كوتينيو الذي طرده البرشا من الباب الخلفي بناء على توصية ميسي انتقم من فريقه في ظرف عشر دقائق فقط، سجل فيها هدفين وصنع هدفا ثالثا لليفاندوفيسكي، فعلى أي أساس عوقب كوتينيو بنظام الإعارة إلى البايرن ..؟، نعم.. ميسي أصبح مشكلة كبيرة في برشلونة، أصبح الحاكم بأمره، يعزل من يشاء ويجلب من يشاء، يضع التشكيل، يرضى عن هذا ويغضب من ذاك، فنظرة خاطفة إلى فريق برشلونة الحالي سنجده يضم خيرة لاعبي العالم فنيا مثل دي يونج وجريزمان وفاتي وآرتور وديمبلي وسواريز، لكن المشكلة أن منظومة الفريق في عهدة ميسي .. إذا غضب هدد بفزاعة الرحيل إلى إنتر ميلان، فتسارع الإدارة إلى إعلان الولاء والطاعة..

ميسي لم يستوعب قاعدة السيرك في والت ديزني: اترك العرض في الوقت الذي يطلب منك الجمهور المزيد، أظن أن العمل بتلك القاعدة الذهبية لم يعد مجديا بعد ثمانية الإذلال .. أليس كذلك يا ليو ..؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اتمنى اي شخص عربي لا يتعب حاله ويحلل ويسب اللاعبين امثال كريستيانو وميسي وغيرهم ، برشلونة ليس ميسي فقط ، برشلونة 11 لاعب وعندما تقتصر ان ميسي ليس القائد هنا اسكت ولم نفسك يا هذا واترك عنك المهاترات ، الكل يعرف ماقدمه ميسي للبارسا ولكرة القدم عامة فمن غير المعقول تعصف بتاريخه كاملا وتضرب به عرض الحائط ، برشلونة انتصر على الريال ب6 اهداف وب5 اهداف في التاريخ الحديث ولم يتكلم عليه احد وكانت من النسيان وبحضرة رونالدو ، هل نسيت ؟ ولاكنكم لا تفهمون سوى النعيق فقط

اترك رداً على أبو يزن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى