حكايتي مع أول مباراة..!

كتب- محمد بن عبدات

أقيمت في عام 1985  أول مباراة دولية رسمية فيما كان يسمى بدولة اليمن الديمقراطي، حيث لعب المنتخب الوطني أمام منتخب البحرين في تصفيات كأس العالم 86، وقبلها لم يستصيف البلد أية مباراة في إطار التصفيات الآسيوية أو أيو بطولة تحت مظلة الاتحاد الدولي لأسباب يعرفها الجميع، وهي عدم وجود بنية تحتية للرياضة حتى يعطي الدولة الحق أن تتقدم بطلب استضافة بطولة أو تصفيات مجموعات أو غيرها..

ربما يقول البعض إننا سبقنا الكثير في كرة القدم وشاركنا في بطولة عربية وآسيوية، وهذا صحيح ولكن كانت كل تلك البطولات أو التصفيات تقام في دول أخرى لديها الإمكانيات والقدرة على الاستضافة، ولهذا لم نستطع المشاركة في تصفيات كأس العالم منذ الاستقلال نظرا لأن هذه التصفيات في الغالب تكون بنظام الذهاب والإياب أي عليك أن تلعب على أرض الخصم وهو يلعب على أرضك لتكافؤ الفرص.

في مطلع العام 1985، افتتح استاد الشهداء بمدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين إبان فترة انفتاحية نوعا ما شهدها حكم الرئيس علي ناصر محمد، وكان حينها محافظ أبين محمد علي أحمد وهو شخصية تحمل أفكارا طيبةبدأ بوضع مداميك لذلك الانفتاح والازدهار الذي ظهر جليا للجميع، فشيد هذا الاستاد وتم زراعة أرضيته كأول استاد رياضي في البلاد، ولهذا أتيحت الفرصة للمشاركة في تصفيات كأس العالم 86، وأوقعت القرعة المنتخب أمام المنتخب البحريني الشقيق، وحقيقة أتذكر تلك المباراة جيدا وحينها كنت طالبا أدرس في العاصمة عدن، وكيف كانت الحشود الجماهيرية تتدفق إلى زنجبار من الصباح الباكر وكانت المدينة في تلك الأيام لايوجد بها مطاعم كثيرة حيث واجهنا صعوبة في الحصول على وجبة الغداء، وكنا في وضع صعب واكتفينا ببسكويت وعصير مانجو( يماني) الذي كان متوفرا في أيام طيب الذكر الرئيس علي ناصر.

بعدها توجه الجميع للملعب الذي فتحت أبوابه منذ حوالي الساعة الواحدة ظهرا وتحملت الجماهير أشعة الشمس الحارقة في لحظة هوس جنوني بكرة القدم، كانت كل ألوان الطيف داخل مدرجات الاستاد الذي امتلأ عن بكرة أبيه قبل المباراة بأكثر من ساعة،وكنت شخصيا تواقا لرؤية الحارس البحريني الأسطورة حمود سلطان وثنائي خط المقدمة النجمين الكبيرين فؤاد أبوشقر وخليل شويعر اللذين شاهدتهما من خلال أشرطة الفيديو وهما يلعبان في بطولات كأس الخليج، إلا أن هؤلاء الثلاثة النجوم لم تضمهم شاكلة المنتخب البحريني الذي أتى إلى زنجبار بوجوه جديدة شابة بينها النجمان حمد محمد وإبراهيم فرحان..

وعقب عزف النشيدين الوطنيين للبلدين بدأت المباراة، وماهي إلا دقائق والمنتخب البحريني يسجل أول أهدافه وسط توهان غريب وتفكك دفاعي صريح للشاكلة الوطنية، وتواصلت الأهداف لتصبح أربعة دون مقابل، سجل منها ثلاثة للتاريخ إبراهيم فرحان أي هاتريك وكان حمد محمد بسرعته ومهاراته له دور كبير في تتويج منتخب بلاده بتلك النتيجة الكبيرة، طبعا كان للكابتن أبوبكر الماس تسجيل هدف شرفي من ضربة حرة مباشرة جعلت النتيجة النهائية 4/1، وبعد ذلك الهدف كانت المباراة على وشك النهاية وحينها فضلت أن أغادر المدرجات مع أحد أصدقائي الذي تحمل مثلي ومثل غيري عناء الرحلة من عدن إلى أبين وما صاحبها من مواقف طريفة إلا أن أهمهما الذي أضحك صاحبي كثيرا حين أخبرته أثناء الخروج من بوابة الاستاد، هل صلينا العصر؟ قال لا وأعتقد أن الكل لم يصل، بالتأكيد لأن المدرجات امتلأت قبل أذان العصر فقلت لهذا خسر المنتخب فانفجر ضاحكا وكانت لحظتها فرصة لنا أن ندرك الصلاة قبل أن يدخل المغرب ويحل الظلام.

ذهبنا إلى حديقة بجوار الملعب وفيها بئر ارتوازي على ما أتذكر، وصلينا وبعدها ذهبنا مسرعين لكي نجد فراغا في أحد الباصات العائدة إلى عدن..وفي الطريق إلى عدن كان صديقي يقول لي اليوم فازوا علينا وعلى أرضنا بأربعة، كيف في البحرين؟!! فقلت له مازحا لا تخف هناك الجماهير ستحضر بعد الصلاة والمباراة في الغالب ستقام تحت الأضواء الكشافة ولهذا ستكون دعوات جماهير المنتخب في البحرين حاضرة، وبالفعل بعد أسبوعين لعب المنتخب هناك وخرج متعادلا بثلاثة أهداف لمثلها سجلها للتاريخ كل من وجدان شاذلي هدفين وطارق قاسم هدف، ولحظتها كنت أعيش أجواء المباراة من على سطح مبنى السكن الداخلي المخصص للطلبة، ومعي راديوا صغير أستمع من خلاله وعبر أثير الإذاعة العدنية بصوت كروان التعليق الرياضي سالم بن شعيب رحمة الله عليه، وهو ينقل لنا أحداث تلك المباراة..

هذه حكاية من حكاياتي التي عشتها مع رياضة ذلك الزمن الذي كانت فيه النفوس طيبة وتعيش يومها بقناعة وفرح وسعادة لاتخلو من قفشات مصحوبة بابتسامات جميلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى