جوارديولا.. المسألة يا عزيزي جينات

كتب- محمد العولقي

للموسم الرابع على التوالي، يخرج بيب جوارديولا خالي الوفاض من دوري أبطال أوروبا مع فريق مانشستر سيتي الإنجليزي، ترى أين يكمن القصور في ناد غني ماليا وبشريا حد التخمة ..؟، هل المشكلة تكمن في عقلية المدرب بيب جوارديولا الذي يستنسخ التيكي تاكا أينما حل وذهب ..؟، بالتأكيد ينصب السواد الأعظم من فشل السيتزن على فكر جوارديولا، وإصراره على تقليد رقصة برشلونة أيام السنوات السمان، وكأنه هو من ابتدع واخترع التيكي تاكا، أو الكرة الشاملة القائمة على استنزاف قدرات الخصوم بأكبر عدد من النقلات، مع الاستحواذ شبه الكامل للكرة بهدف إنهاك الخصوم بدنيا وذهنيا ..

فارق كبير بين جيل كان يقدم التيكي تاكا في أبهى صورها وفاعليتها النتائجية كما ونوعا، وبين جيل يفتقد جينات تلك الفاعلية التي بنى عليها جوارديولا مجده الذهبي مع برشلونة، لا يريد هذا الإسباني الخروج من جلباب الكرة الشاملة، فهو يعتقد أن في وسعه تطبيق فلسفة التيكي تاكا مع أي فريق يدربه، وكأنه يريد القول إن التيكي تاكا تنبع من فكره ومن فلسفته ومن حركاته الكوميدية التي يؤديها أحيانا، حيث يبدو وكأنه يعمل في مدرسة للمكفوفين ..، أبدا لا يمكن إنكار حقيقة أن جوارديولا طور من سرعة التيكي تاكا مع برشلونة، ثم منحها نفسا جماليا مثيرا للإعجاب، لكن ما كان لهذا الشاب أن يجني ثمار الكرة الحلوة والناعمة المدهشة لولا أن برشلونة كان يضم نخبة من اللاعبين النادرين، امتلكوا ناصية وبديهية هضم وتطبيق فلسفة جوارديولا المستلهمة من تعاليم الطائر الأشقر يوهان كرويف..

مشكلة (بيب) أنه كان ولازال يظن أنه جاء بما لم تأت به الأوائل، وأنه لولاه لما شاهد العالم طوفان البلوجرانا بكل زخمه وبطولاته ، بمعنى أن (بيب) يؤمن بأن برشلونة اكتسح أوروبا والعالم بفكره وفلسفته وعبقريته فقط، متناسيا أن التيكي تاكا خلقت فقط لأجل نوعية معينة من اللاعبين المذهلين أمثال : أندرياس أنييستا وتشافي هيرنانديز وليونيل ميسي وتيري هنري وصامويل ايتو وديفيد فيا وداني ألفيس..، كان نادي بايرن ميونيخ الألماني مهووسا بعجينة جوارديولا ، واعتقد مسيروه خطأ أنه المدرب الوحيد القادر على نقل تجربة التيكي تاكا من برشلونة إلى ريال مدريد، وهم بهذا الاندفاع غير المحسوب كانوا يؤمنون بأن (بيب) مثله مثل ميداس يلمس الأشياء من حوله فتتحول إلى ذهب صاف مصفى، نجح (بيب) في أمر واحد مع بايرن ميونيخ، وفشل فشلا ذريعا في أمور أخرى كانت بالنسبة له جزئيات صغيرة يمكن تداركها، بينما في الواقع كانت جزئيات فكر وتراث مدرسة ألمانية لا تقبل التزاوج اللاجنسي مع التيكي تاكا..

كانت نسبة استحواذ لاعبي بايرن ميونيخ على الكرة كبيرة جدا أمام خصوم لا تمتلك ربع مؤهلات لاعبي البايرن، لكن العيب الخطير برز أوروبيا عندما لم يجار الفريق الألماني خصوما يمتلكون ما لا يمتلكه جوارديولا، إنه الانضباط التكتيكي الذي يعتمد على الضغط المتقدم وعلى براعة الكونتر اتاك ..، اختنقت تيكي تاكا جوارديولا أوروبيا، وبدا أن البايرن في عهده فريق بوجهين، وجه محلي يلعب بخبرة لاعبيه وضعف وقلة حيلة منافسيه، ووجه أوروبي بلا ملامح يعاني من سكرات الإيقاع المختل غير المتوازن تكتيكيا، ظهر البايرن أوروبيا و كأن له علاقة بذلك الغراب الذي قلد مشية الحمام فنسي فيما بعد مشيته ..، خرج (بيب) من باب بافاريا الضيق، وهو يؤكد أن المناخ لم يساعده أوروبيا في استنساخ تجربته مع برشلونة، وعندما حط رحاله في مانشستر سيتي الإنجليزي بلغت ثقته في استنساخ تيكي تاكا برشلونة حدا لا يقبل مجرد التفكير في فشل المشروع، فكل شيء أمامه متاح، من مال، ومن صفقات، ومن مناخ جعله يستمتع مع سعاد حسني وهي تغني، الجو بديع والدنيا ربيع قفل لي على كل المواضيع..

ومنذ أن تولى بيب جوارديولا تدريب السيتزن أجبر إدارة النادي على إنفاق أكثر من 762 مليون جنيه إسترليني لجلب لاعبين تتوافر فيهم جينات التيكي تاكا على حسب رغبة (بيب) الذي راح يطلق الوعود تلو الوعود، مؤكدا للأنصار أن الفوز بدوري أبطال أوروبا مسألة وقت ..، ومع كل موسم يحصد (بيب) الخيبة من جميع أطرافها، فهو يبالغ في الاستحواذ أوروبيا وبمعدل مرتفع، لكنه يسقط سقوطا ساذجا في منتصف الطريق، فيعود (بيب) إلى نغمة الترميم والتعاقد مع لاعبين جدد في عملية تبدو حقل تجارب تضرب انسجام الفريق في مقتل، في وقت تكتفي إدارة السيتزن بضبط النفس والاستمتاع بمتواليات الصبر والوعود العرقوبية للكابتن (بيب) ..

ربما كان خروج مانشستر سيتي أوروبيا أمام فرق كبيرة مثل ريال مدريد وليفربول مقبولا إلى حد ما، لكن سقوطه الأخير أمام ليون الفرنسي (قليل الحيلة ماديا وبشريا) في ربع النهائي فضح منسوب طريقة جوارديولا وعرى مشروعه من كل أوراق التوت ..، يصر (بيب) على ركوب الباص الخاطئ مع كل محاولة فاشلة، لا يتوب ولا يكف عن استنساخ مغامراته الموسمية التي تستنزف الكثير من مال بيت مانشستر سيتي، لأنه ببساطة يظن أن فلسفة التيكي تاكا تنبع من فكره، لهذا يبدو (بيب) وكأن سراب برشلونة قد غره تماما، فلم يعد أمامه سوى البحث عن المستحيل بين لاعبين يرون في فلسفة الإسباني عملا مملا يخالف قدراتهم وإمكانياتهم، ولا يفرز إلا استحواذا سلبيا سرعان ما يتبخر كخيط دخان ..

يعيش جوارديولا على الوهم، ويحيا على حلم يتحول في الأمسيات الأوروبية الساخنة والملتهبة إلى كابوس مخيف ولا يتوب، هذا لأنه لا يريد أن يفهم أن فلسفة التيكي تاكا الإيجابية مسألة جينات دفعت السير أليكس فيرجسون إلى امتداح ربانيها المدهشين تشافي هيرنانديز وأندرياس أنييستا قائلا:إنهما لاعبان يشكلان منطلق مستقر التيكي تاكا، وفي استطاعتهما أن يحتفظا بالكرة طوال الليل ..، التيكي تاكا صممت أصلا على عبقرية تشافي وأنييستا، ووحدهما من كانا يجسدان الكرة الشاملة بنهجها المتوازن وقدرة فاعليتها، ولقد انهارت تيكي تاكا برشلونة واضمحلت تماما بعد مغادرة هذين العبقريين لمعقل الكامب نو ، والمؤسف أن جوارديولا لازال يعتقد أن انهيار برشلونة بدأ مع رحيله إلى بايرن ميونيخ ، ودماغه الناشفة ترفض الاعتراف أن تيكي تاكا تشافي وأنييستا مسألة جينات نادرة لا تتوفر في مفكرة (بيب)، ولا في الصيدلية المناوبة لنادي مانشستر سيتي ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى