وزارة الثقافة والرياضة والشباب.. هل حان وقت التغيير؟

رؤية- سالم ربيع الغيلاني

نحن نعيش مرحلة مختلفة وواقعا رياضيا يفرض علينا الكثير من المتغيرات على الأصعدة كافة، مما يتطلب التماهي معه على مستويي التصدي للمشكلات التي يفرزها ومواجهة تحدياتها، والاستفادة من الفرص التي يوجدها والإمكانيات التي يوفرها؛ فاعتناق سياسة التفرج وانتظار ما تؤول إليه الأمور قبل اتخاذ القرارات أو تحديد الميول، لم تعد ذات جدوى في زمن باتت فيه الثواني المعدودة تحدد مصائر، وترسم سياسات قادرة على تغيير العالم.

مفهوم مختلف

الإنفاق المجنون على قطاع لا يزال بعضنا يعتقد أنه أمر ثانوي في حياتنا ليس عبثا أو خبط عشواء، إنه أمر ممنهج ومدروس وله دوافعه.

لقد بات كل شيء حولنا نهبًا للتحول والتغيّر المتسارع، وما لم يكن لدينا نظام ديناميكي يتسم بالمرونة والقدرة على استيعاب التدفق الهائل لإفرازاته سنجد أنفسنا متأخرين جدًا عن بقية العالم؛ فالرياضة لم تعد مجرد وسيلة للترفيه وتزجية الوقت، ومنح الجماهير وسيلة للتنفيس عما يعتري حياتها اليومية من صعوبات ومشكلات؛ الرياضة باتت مفهومًا مختلفًا تمامًا عما عرفناه طوال العقود الماضية.
لقد تعدت تأثيرات الرياضة المسطحات الخضراء والصالات المغلقة والمسارات المحددة في الفضاءات المفتوحة؛ ليكون لها حضور سياسي واقتصادي تجاوز التوقعات جميعها، وباتت صناعة يتجاوز رأس مالها مئات المليارات، وتنفق ما يزيد عن 100 مليار دولار سنويًا أي ما يتجاوز الميزانية السنوية لـ 130 دولة.

إنه شيءٌ هائل للغاية، والتمعن فيه يفرض علينا مراجعة تصوراتنا عن الرياضة؛ فهذا الإنفاق المجنون على قطاع لا يزال بعضنا يعتقد أنه أمر ثانوي في حياتنا ليس عبثا أو خبط عشواء، إنه أمر ممنهج ومدروس وله دوافعه التي تسعى لتحقيق العديد من الأهداف – ليس هنا معرض شرحها- ويبين مدى أهمية هذا القطاع وقوة تأثيره.

مراجعة وتقييم

تعيين صاحب السمو ذي يزن بن هيثم آل سعيد نجل سلطان البلاد -حفظه الله ورعاه- وهو تغيير جوهري ومهم للغاية، وينبئ عن عهد رياضي مغاير عما عرفناه في السابق.

إن مرحلة المراجعة والتقييم لما تحقق خلال العقود الخمسة المنصرمة -كما هو واضح- قد بدأت في السلطنة، وبدأ معها تشكل الملامح الأولية بالتغييرات الكبيرة التي شهدتها القطاعات كافة، ومنها الرياضة سواء على مستوى الاختصاصات بعد ضم الثقافة والشباب إليها، أو على مستوى القيادة بتعيين صاحب السمو ذي يزن بن هيثم آل سعيد نجل سلطان البلاد -حفظه الله ورعاه- وهو تغيير جوهري ومهم للغاية، وينبئ عن عهد رياضي مغاير عما عرفناه في السابق؛ فبعد أن كان من يتولى مسؤولية الشأن الرياضي خلال العقود الأربعة الماضية شخصيات بارزة من المجتمع، فإنه لأول مرة بعد صاحب السمو فهر بن تيمور عم السلطان الراحل – طيب الله ثراهما- يتم تعيين شخصية من الأسرة الحاكمة، وهو أمر له دلالاته العميقة على وعي القيادة العليا بضرورة تمكين هذا القطاع والارتقاء به.

وتعد هذه المرحلة بالغة التعقيد للظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بسبب جائحة كورونا التي ضربت تأثيراتها مناحي الحياة جميعها، وأيضًا للوضع المتأخر لرياضتنا على الأصعدة المختلفة، وبالتالي فإن الوزير الشاب ينتظره الكثير من العمل خلال المرحلة المقبلة من أجل علاج مكامن الخلل التي لا حصر لها، وهو أمر لن يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض؛ لأن هناك تحديا آخر سيواجه سموه يتمثل في بيئة العمل الداخلية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، التي ينبغي تنظيمها قبل الشروع في أي إصلاحات على المستوى الخارجي؛ فلا بد من العمل على تغيير وعي موظفي الوزارة وثقافتهم الإدارية التي تشكلت خلال العقود الماضية بطريقة أفرزت ممارسات نتج عنها ما نراه من ترهل كبير وخطير في إدارة هذا القطاع الحيوي، الذي بات طاردًا للكفاءات ومستقطبًا لطالبي المنافع الشخصية، ومتعطشي الشهرة، مما يجعل أي مشروع تقدمي مهددا بالفشل ما لم يتم إعادة تأهيل هذا الوعي بما يتناسب مع تطلعات هذه المرحلة وأهدافها المرسومة.

قضايا ملحة

التأجيل بات ضرورة ملحة لمنح الوزارة الوقت الكافي لحلحلة القوانين المنظمة لجمعيات الأندية والاتحادات وآلية تنظيم الانتخابات فيها، مما يقطع الطريق على غير الأكفاء للوصول لكراسي مجالس إدارات مؤسساتنا الرياضية.

لا شك أن التغيير يتطلب الوقت؛ فهو لن يحدث بين ليلة وضحاها، وبالتالي فإن التأني في اتخاذ القرارات مسألة غاية في الأهمية لتلافي الوقوع في أخطاء مكلفة، لكن في ذات الوقت هناك قضايا ملحة تتطلب اتخاذ قرارات سريعة؛ لضمان تحقيق الإصلاحات المطلوبة وعدم تأخرها، ومنها تأجيل انتخابات الاتحادات الرياضية؛ لمنح الوزارة الوقت الكافي لمراجعة القوانين المنظمة لها وإجراء التعديلات الملائمة لمقتضيات المرحلة المقبلة، وبما يضمن اتساقها مع رؤية عمان 2040 التي تنطلق العام المقبل؛ فإجراء الانتخابات بالقوانين الحالية سيفرز إدارات نمطية ستعوق عملية التطوير والتحديث المرجوتين وستؤخرهما أربعة أعوام كاملة، وهي مدة طويلة جدًا لا تتماشى مع ثورة التغيير التي تقودها حكومة السلطنة بقيادة عاهل البلاد السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-؛ مما يجعل التأجيل ضرورة ملحة؛ للتمكُن من حلحلة القوانين المنظمة لجمعيات الأندية والاتحادات وآلية تنظيم الانتخابات فيها، بما يساهم بوصول الأكفاء لكراسي مجالس إدارات مؤسساتنا الرياضية ويقطع الطريق على سواهم.

وعندما نتحدث عن القوانين والعمل على تعديلها؛ فينبغي علينا أن ننطلق من مبدأ المصلحة الشاملة للرياضة، وأن يتم التعديل بما يتناسب مع الوقت الراهن واستشراف المستقبل، وما يمكن أن يتمخض عنه من تحولات ومستجدات متوقعة وغير متوقعة؛ فرياضتنا بحاجة لتغيير شمولي يتجاوز هيمنة فكرة الفرد ويؤسس لفكرة المنظمة، فلقد سئم المجتمع من تكرار سيناريو البناء والهدم الذي يمارسه من يعتلون المناصب الإدارية العليا في مؤسسات رياضتنا المختلفة.

لقد آن الأوان أن تكون هناك استراتيجية حقيقية لرياضتنا يعمل الجميع على تحقيقها، ويضعون رؤاهم التطويرية أو الانتخابية أو أي اسم آخر متعلق بتحقيق الأهداف بناءً عليها، ويتم تقييم عملهم من خلال ما تم إنجازه وفق ذلك؛ فرياضة السلطنة تمر حاليًا بمرحلة فارقة من عمرها؛ إذ بات السواد الأعظم من الجمهور والمعنيين بقطاع الرياضة متهيئين لعملية التغيير، والانتقال لحقبة جديدة ومختلفة عما عهدوه؛ الأمر الذي يتطلب معه العمل المركز والدقيق المبني على أسس علمية واضحة تراعي الجوانب كافة.

مهمة شاقة

سمو وزير الثقافة والرياضة والشباب أمام مهمة شاقة، لانتشال رياضة السلطنة من وضعها الحالي على المستويات كافة سواء تلك المرتبطة بالقوانين واللوائح المنظمة أو المرافق والمنشآت أو القدرة على التنافس في البطولات المختلفة، وهي أمور يتطلب تحقيقها التفاف كبير

هناك عمل كبير ينبغي القيام به من أجل تنمية القطاع الرياضي، ولقد كشفت جائحة كوفيد19 حجم الهوة التي تفصلنا عن الكثير من دول العالم، فقد عرى إمكانياتنا على مستوى البنى الأساسية لقطاع الرياضة، وأظهرنا متأخرين عن كثير من دول العالم، فنحن على مستوى تصنيف إمكانيات قطاعات الخليج الرياضية في مواجهة هذه الجائحة، نقبع في المركز الأخير؛ إذ إن أنديتنا ومجمعاتنا الرياضية جميعها لا تتوافر فيها إمكانيات توفير اشتراطات الأمن والسلامة وبروتكولاتها المفروضة من قبل المنظمات القارية والعالمية؛ للتعامل مع هذه الجائحة، وهو أمر مخيّب للغاية.

إن سمو وزير الثقافة والرياضة والشباب أمام مهمة شاقة، لانتشال رياضة السلطنة من وضعها الحالي سواء على مستوى القوانين واللوائح المنظمة أو المرافق والمنشآت أو القدرة على التنافس في البطولات المختلفة، وهي أمور يتطلب تحقيقها التفاف كبير من قبل الحكومة بما يضمن بناء منظومة رياضية تتسم بالحداثة، وتحقق أهداف رؤية عمان 2040، التي ركزت على إيجاد بيئة محفزة لرياضة مساهمة اقتصاديًا ومنافسة عالميًا، بإعادة صياغة القوانين المرتبطة بالأندية وجمعياتها، وإنشاء مرافق مهيئة لإعداد فرق ورياضيين قادرين على المنافسة قاريًا ودوليًا وتحقيق الميداليات والكؤوس، وتمكين الاتحادات والأندية المختلفة لتكون مؤسسات ريعية تحقق الأرباح وتدعم الاقتصاد وتحقق الاكتفاء الذاتي وتتوقف عن الاعتماد على الدعم الذي تقدمه الحكومة.

وحتى يتم ما ذكر فنحن بحاجة لمنظومة رياضية تتسم بالمرونة والقدرة على مواجهة تحديات الحاضر، وتملك المقومات اللازمة للتماهي مع ما يجلبه المستقبل من متغيّرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى