برشلونة و ريال مدريد.. كلاسيكو على صفيح بارد!

تحليل – محمد العولقي

كلاسيكو الأرض جاء هذه المرة مبكرا جدا، فلم يمنحنا وقتا كافيا للحكم الاستباقي على حظوظ برشلونة و ريال مدريد ، فليس من السهل إصدار الحكم بعد مداولة خمس جولات من عمر لاليجا الإسبانية فقط ..

يبدو كلاسيكو الأرض في كامب نو مضطربا وعلى صفيح بارد، فليست هناك أفضلية نسبية لفريق على آخر ، فقد جاء الكلاسيكو وسط ثورة و متغيرات و امتعاضات لا حصر لها ، وهو أمر يضعنا بالفعل أمام مباراة غامضة المحتوى مختلة المبتغى و المستوى ، و الأسباب هنا واضحة وتحتاج فقط المرور عليها مرور الكرام ..

يأتي الكلاسيكو بالنسبة لمدرب برشلونة الجديد الهولندي رونالد كومان في توقيت سيء للغاية ، و أي نتيجة سلبية يحققها البلوجرانا في الكامب نو ستزلزل الأرض تحت قدميه، فالفريق الكاتالوني في غنى عن تصدير الفواجع إلى منازل الكاتالونيين، فآثار زلزال بايرن ميونيخ لازال يقوض أركان قلعة برشلونة حتى الآن ..

كومان

بدأ رونالد كومان ولايته في برشلونة بثورة إحلال و إبدال عارمة أثارت حفيظة قائد الفريق وهدافه التاريخي الأرجنتيني ليونيل ميسي ، الذي هدد بالرحيل عن النادي قبل أن يتراجع و يقبل بالأمر الواقع ، لكن نار ميسي لا زالت تتأجج تحت رماد الخلافات، فهو لن ينسى أن كومان بتر ذراعه اليمنى عندما أصر على بيع الأورجواياني لويس سواريز ، ولن ينسى أيضا لكومان أنه منح صلاحيات سواريز لعدوه الأول في الفريق الفرنسي أنطوان جريزمان ..

ربما كان الوضع أقل إثارة و ضجيجا في ريال مدريد رغم سحابة الشك التي تخيم على الميرنجي ، غير أن مدرب الريال الفرنسي زين الدين زيدان والذي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب عملية التدوير التي ينتهجها من مباراة إلى أخرى، ألمح مرارا وتكرارا أن الفريق مقبل على موسم كارثي ، وهو بهذا التصريح كمن يضع العقدة في منشار فلورنتينو بيريز ..

يبدو الفرنسي زيدان منزعجا من سياسة رئيس النادي فلورنتينو بيريز الذي (لحس) وعوده السابقة بالتعاقد مع ثلاثة لاعبين من العيار الثقيل في الميركاتو الصيفي ، مفضلا التركيز على منشأة البرنابيو في زمن عصف فيه وباء كورونا بمنحنيات البورصة الاقتصادية للنادي الملكي ..

لا يريد بيريز إرهاق خزينة النادي بقروض و ديون تضر بمصلحة و مستقبل النادي الملكي، وهو أيضا لا يريد إبرام صفقات قياسية حتى لا يسقط في ضائقة مالية كالتي سقط فيها رئيس نادي برشلونة بارتيميو الذي جلب لاعبين جدد فأثقل كاهل النادي بديون لا أول لها و لا آخر ..


 حياة أو موت ..

زين الدين زيدان

سيتعين على زيدان خوض الكلاسيكو بما هو متاح أمامه من لاعبين، لكن الذي يقلق زيدان حقيقة هو شبح الإصابات التي ضربت الفريق بصورة غير مسبوقة، بالإضافة إلى تراجع مردود حرسه القديم بالذات كريم بنزيمة و لوكا مودريتش و توني كروس ..

ولأن الشكوك تحوم حول عدم مشاركة الظهير الأيمن داني كارفيخال في الكلاسيكو بسبب الإصابة ، فمن المرجح أن يعالج زيدان هذا الطارئ بتغيير تموضع فيرناند ميندي ، وتحويله من الرواق الأيسر إلى الرواق الأيمن كما فعل مدرب منتخب فرنسا ديدي ديشامب أمام كرواتيا في دوري الأمم ..

ربما كان هذا الحل الاضطراري بمثابة إشارة للبرازيلي المخضرم مارسيلو الذي قد يشغل الجهة اليسرى في موقعة كامب نو..

مبدئيا، فإن مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان سيلجأ لشاكلة تتأسس على نظام 4/4/2 ، فإذا كان التصور الأقرب أن يسند العمق لكاسيميرو و توني كروس ، فهذا التصور يدعم بشكل فعال تواجد لوكا مودريتش و فالفيردي على الرواقين ، ومع ذلك من الأفضل مشاركة فالفيردي في العمق كارتكاز، لأنه يمتلك القدرتين الذهنية و البدنية، وهما عاملان يقلان كثيرا عند الألماني كروس صاحب الأداء الكلاسيكي الأنيق..

لكن لاعب مثل إيسكو يعطي توازنا لشاكلة 4/4/2 ، فكيف سيضع زيدان تصوره في ظل الدور التكتيكي الكبير الذي يؤديه المهاجم كريم بنزيمة ..؟

إيدين هازارد

لاشك أن غياب البلجيكي آدين هازارد عن المباراة ذو فائدة كبيرة للريال ، لأن بديله البرازيلي المراهق فينيسيوس جونيور يمر بمرحلة تألق لافتة مع الميرنجي، وبالطبع زيدان بحاجة ماسة إلى تسريع الإيقاع عند افتكاك الكرة من الخصم، و لاعب مثل فينيسوس قادر على نقل الفريق من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية بفضل سرعته و مهاراته، كما أنه سلاح مهم قد يتلف دفاع برشلونة البطيء نسبيا في العمق ..

ما من شك أن سلاح زيدان الأول في كامب نو سيكون الضغط العالي على لاعبي برشلونة في وسط الملعب ، مع مراقبة فردية فوق العادة للاعب فوق العادة ، أقصد أننا سنشاهد عراكا ثنائيا معتادا بين ميسي و كاسميرو في ثلث الملعب الدفاعي لريال مدريد ، على أن مهمة إيقاف الشاب إنسو فاتي ستحتاج من ميندي إلى جهد بدني و ذهني كبيرين ..

يركز زيدان كثيرا على الحالة النفسية للاعبيه للضغط على لاعبي برشلونة نفسيا ، فزيدان يمتلك كارتا معنويا يجب استثماره جيدا ، ففي كل زياراته لملعب كامب نو كمدرب للريال لم يخسر ولا مباراة واحدة، وهذه الحقيقة يمكن تحويلها نفسيا إلى هاجس يقض مضجع لاعبي برشلونة، لو عرف اللاعبون كيف يذوبون في فنجان الأداء الجماعي الفعال، بعيدا عن الفردية التي جعلت الشاكلة التكتيكية لزيدان تتآكل كثيرا مع بداية هذا الموسم الاستثنائي ..

مشكلة ريال مدريد أنه خسر من قادش الصاعد أخيرا في أسوأ وقت ممكن، فهذه الخسارة المدوية على أرضه شنجت لاعبي ريال مدريد و أيقظت هاجس الشك من قمقمه ، فأصبحت مواجهة برشلونة بالنسبة لزيدان حياة أو موت ..


 الثنائيات و إشكاليات برشلونة ..

لا يبتعد برشلونة نفسيا كثيرا عن ريال مدريد، فأحواله في لاليجا متقلبة كالطقس، فبعد بداية مقبولة لفريق كومان تعثر بالتعادل على أرضه أمام إشبيلية ، ثم سقط مغشيا عليه خارج ملعبه أمام خيتافي بهدف دون رد ..

لا يبدو ليونيل ميسي سعيدا رفقة كومان ، فمردوده العام تراجع حتى الضآلة، سواء في التسجيل أو في صناعة الفرص و التمريرات الحاسمة ، من الواضح أن الدور التكتيكي الذي يؤديه ميسي كمهاجم وهمي في شاكلة 4/2/3/1 لا تروق له كثيرا ، كما أن القائد البرشلوني يشعر بالوحدة و الغربة معا بعد رحيل ساعده الأيمن لويس سواريز إلى أتلتيكو مدريد ..

ويحبذ كومان الاعتماد على البرازيلي العائد فيليب كوتينيو كصانع ألعاب واضح ، وهذا التموضع الجديد خلق الكثير من الإشكاليات التكتيكية مع ليونيل ميسي ..

ويظل الفرنسي الدولي وبطل كأس العالم أنطوان جريزمان مثار ردود أفعال ساخطة ، فالفرنسي لا يجد نفسه في خانة الرقم 9 ، و لا يؤدي جيدا على الرواقين ، وهو بالغ التذمر، إذ يرى أن كومان مثله مثل إرنستو فالفيردي أو كيكي سيتين لم يوظفه في مركزه الأساسي خلف رأس الحربة كما يلعب دائما مع المنتخب الفرنسي، و من قبل مع أتلتيكو مدريد ..

كان كومان يعول على إثراء الهجوم بهذه الطريقة الهجومية من خلال تبادل الأدوار بين ميسي و جريزمان، لكن هذا لم يحدث، وظلت الحلول لا تأتي إلا من الجناح الشاب الخطير إنسو فاتي ..

ربما سيقتنع كومان أخيرا أن لا جدوى من المهاجم الوهمي ، مثلما سيقتنع تماما أنه بحاجة إلى مهاجم حقيقي يجيد دوره داخل الصندوق فحسب، من هنا قد يغير كومان قناعاته التكتيكية أمام ريال مدريد ويعود إلى الشاكلة التقليدية 4/3/3 التي يراها ليونيل ميسي هواءه الذي يتنفس منه في كل أرجاء الملعب ..

تبقى العقبة أن كومان بهذا الأسلوب سيعود بكوتينيو المتألق إلى نقطة الصفر ، فالبرازيلي قد يجد نفسه على مقاعد البدلاء ، وفي أحسن الأحوال قد يؤدي دوره على الرواق الأيسر، وفي كلتا الحالتين سيتلاشى دوره كصانع ألعاب ، أما جريزمان فسيكون في خبر كان بدون أدنى مبالغة..

هناك نقطة سلبية أخرى في طرح برشلونة التكتيكي تكمن في ضعف عمق الدفاع و قلة حيلة الظهيرين من دست إلى سيرجيو روبيرتو أو المصاب جوردي آلبا، فهذا الخط هو الأضعف دائما ويسهل اختراقه وضربه في مقتل ، ولا أحد يدري كيف سيحصن كومان الجانب الخلفي، هل سيلعب بارتكازين في الوسط سيرجيو بوكسيتش و فرانكي دي يونج وربما بيانتش ..؟ أم يلعب بارتكاز واحد و يغامر بفتح نافذة العمق على البحري ..؟
حسنا .. تبدو الثنائيات حاضرة بقوة في كلاسيكو على صفيح بارد جدا، سنشاهد عراكا معتادا بين ميسي و كاسيميرو ، وآخر بين كريم بنزيمة و فينيسيوس جونيور من جانب و جيرار بيكيه و لانجليت من الجانب الآخر ..

و إذا كانت حالة الفريقين مع بداية الموسم غامضة و مبهمة وغير واضحة الرؤية و المعالم ، فإن ما سيزيد من برودة المباراة إقامتها في كامب نو بلا جمهور ..

المؤكد أن التعادل سيكون مخيبا للطرفين، و وحده الفوز سيشكل طوق نجاة بالذات لزين الدين زيدان الذي وضع رأسه مبكرا بين مطرقة قادش و سندان برشلونة ، فهل يجد زيزو الوصفة السحرية في كامب نو على حساب كومان الذي لازال في مرحلة بناء مع الفريق الكاتالوني ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى